قاموس الجندر ثنائي اللغة
أدوار الجنس

غالبًا ما يستند تصنيف أدوار الجنس في إطارٍ غَيري إلى توظيف الارتباطات الثنائية بين الرجال والذكورة والفعالية من جهة والنساء والأنوثة والانفعالية من جهةٍ أخرى. وهكذا، تُترجم هذه الارتباطات، في إطارٍ بطريركي معياري على أساس الغيرية الجنسية، إلى فهم النساء بوصفهنّ مستَقبِلاتٍ ومنفعلاتٍ جنسيًا فحسب، فيما يُفهم الرجال بوصفهم فاعلين وإيلاجيين فحسب؛ وهذا يلغي بالتالي إدارة النساء لحياتهنّ الجنسية ويمنح الرجال السلطة على أجسادهنّ (انظر تعريف غشاء البكارة). في الواقع، إنّ التمييز نفسه بين “فاعل” و “منفعلة” يقوم على تصويرٍ للجنس يتمحور حول نظرةٍ ذكورية، ولا يرى إلّا في الإيلاج دورًا ذَكَريًا حيويًا (انظر تعريف الجنس).

 

يُعدّ هذا الانقسام مركزيًا أيضًا في تعريف الأدوار الجنسية والنوع الاجتماعي في جماعات الكوير. فالتصنيفات مثل “توب” (المُعْتَلي) و“بوتوم” (المُعْتَلى) و“فيرساتيل” (المتقلّب) و“بوتش” (المسترجلة) و“فام” (الأنثوية) ليست مجرّد أدوارٍ جنسية، بل هي مصنّفةٌ بطرقٍ مختلفة في الأدبيات الأكاديمية بوصفها أدوار الكوير الجندرية، وأدوارًا شَبَقيةً ونصوصًا جنسية وثقافاتٍ فرعية شَبَقية. وقد شكّل دورا المسترجلة والأنثوية موضوع نقاشٍ مهمّ في الحركة النسوية المثلية في أميركا الشمالية. وفي ستينيات القرن العشرين، قدّمت مجلة “ذا لادر” (السلّم)، وهي المجلة المثلية الأولى في الولايات المتحدة التي نشرتها جمعية دوترز أوف بيليتيس، حججًا تناهض لعب الأدوار المثلية السحاقية. ويُنظر على وجه الخصوص إلى الأدوار المسترجلة على أنّها غير متنوّرة ومن الطراز القديم. واستمرارًا لهذا الخطّ من التفكير، ناصرت الحركة النسوية المثلية في السبعينيات والثمانينيات العروضَ الخنثوية والعلاقات الجنسية “المساواتية” باعتبارها أدواتٍ لمناهضة النظام البطريركي. كما أشار عددٌ من المقالات التي ذاع انتشارها، كمقال أدريان ريتش بعنوان “الغَيرية الجنسية الإلزامية والوجود السحاقي”، إلى أنّ الدورين الجنسيين المسترجلة/ الأنثوية بطريركيةٌ بطبيعتها، وذلك لأنّها تستنسخ النماذج الغَيرية وديناميات السلطة بين الرجال والنساء.

 

من جهةٍ أخرى، أشار البحث في تاريخ المجتمعات السحاقية، والتنظير ما بعد البنيوي في وقتٍ لاحق، إلى أنّ هذه الأدوار جعلت المجتمع السحاقي المنتمي إلى الطبقة العاملة باديًا للعيان، وأنّها بمثابة علامةٍ على الاختيار وإدارة الجسد الجنسيَين. ليست الأدوار مقلِّدة فحسب بل أدائيةً أيضًا، وصحيحٌ أنّها تتبنّى مفهومَي الذكورة والأنوثة التقليديين لكنّها تقوضهما عبر الكشف عن كيفية بناء النوع الاجتماعي بناءً اجتماعيًا لا فطريًا. وقد حاججت عالمة الأنثروبولوجيا غايل روبين في أنّه ينبغي اعتبار المسترجّلة نوعًا اجتماعيًا سحاقيًا لا تقليدًا للرجال الغَيريين، في حين أشارت الفيلسوفة جوديث بتلر إلى أنّ لعب الأدوار السحاقية مُقلّدٌ ومقوّضٌ على حدٍ سواء للمعايير الغَيرية. وفي حين يُستخدم مصطلحَا بوتش وفام في بعض الأوساط الضيّقة في بيروت، تُعَدّ المصطلحات المحلية كـ “حسن صبي” أو “بويات” (من كلمة بوي boy الإنكليزية) أو “مسترجلة” أكثر شيوعًا في الشرق الأوسط، وتدلّ على عرضٍ ودورٍ جندريين مختلفين، لكنّها مصطلحاتٌ غالبًا ما تُستخدم لوصف سلوكٍ أو هوية جنسية سحاقية. على سبيل المثال، دفعت حالة من الذعر سببها إفراط الفتيات في الذكورة في الإمارات العربية المتحدة في العام 2009 بالوزارة إلى إطلاق حملةٍ ضدّ “النوع الاجتماعي الرابع” الذي فهمته على أنّه يتألّف من الفتيات المُفرطات في الذكورة اللواتي يتصرّفن بغاية الودية مع الفتيات الأخريات في المدارس.

 

وفي حين أنّ المناقشات حول أدوار “بوتش” و“فام” و“المسترجلة” تتمحور إلى حدٍّ كبيرٍ حول العرض الجندري، كانت مسألة الأدوار الجنسية المُستخدمة لوصف الرجال المثليين تحيل أغلب الأحيان إلى ممارساتٍ جنسيةٍ ملموسةٍ للغاية. فغالبًا ما يُحدَّد بعض التصنيفات كـ “بوتوم” و“توب” و“فيرساتيل” وفقًا لما يُسمّى التفضيل التقبّلي أو الإيلاجي أثناء ممارسة الجنس الشرجي أو الفموي. وقد أشير إلى أنّ صياغة التعبير بأساسياته تنبع من دراساتٍ حول الصحة العامة تناولت موضوع السلوك الجنسي لدى الرجال المثليين (انظر تعريف الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال). على الرغم من ذلك، يؤكّد كثيرون ممّن أجروا مقابلاتٍ لغرض الأبحاث وجود مرونةٍ كبيرة في الأدوار المُعتَمَدة لدى الرجال المثليين ومجموعةٍ كبيرةٍ ومتنوّعة من الممارسات الجنسية. وهم يشعرون بأنّ هذه الجوانب تظهر أنّ التسميات القائمة تقييدية، وأنّ مجموعةً من الممارسات تمسي محجوبةً بفعل إيلاء الباحثين في مجال الطب اهتمامهم للإيلاج الشرجي.

 

وكشفت الأبحاث الإثنوغرافية أيضًا أنّه حتى في جماعات المثليين والمثليات وثنائيي وثنائيات الميل الجنسي والمتحوّلين والمتحوّلات جنسيًا في الولايات المتحدة وأوروبا، تُستخدم التسميات خصوصًا في حالات ممارسة الجنس وتتّسم بدرجةٍ كبيرةٍ من التفاوض. وقد تمّ الطعن في وثاقة صلة هذه التسميات بموضوعها في بعض جماعات أو مجموعات المثليين في أوروبا وفي الشرق الأوسط، وتمّ أيضًا تحديد الفوارق البسيطة بين تسميةٍ وأخرى، مع إيلاء اهتمامٍ بكيفية تقاطع هذه الأدوار مع تسمياتٍ هوياتيةٍ أخرى، بما فيها العرق. وفي حين تُستخدم مصطلحات كـ “توب” و“بوتوم” في لبنان في الدردشات عبر الإنترنت على تطبيقات التعارف كغريندر أو منجم أو غاي روميو، توجد أيضًا عباراتٌ محليةٌ للدلالة على معانٍ مماثلة. على سبيل المثال، يشير مُصطلحا “سالب” و”موجب” إلى الأدوار الجنسية بين الرجال بناءً على إدخال القضيب، إذ يكون السالب هو “المولوج” أو “المُستَقبِل” ويكون الموجب هو “الوالج”.

 

وبالإضافة إلى الدلالة على التفضيل الشَبَقي، ترتبط مصطلحات “بوتوم” و“توب” و“فيرساتيل” بالأداءات الجندرية والوضع الجندري. وبكلامٍ مبسّط جدًا، يرتبط مؤدّو دور “بوتوم” بالخضوع الاجتماعي والانفعالية والتخنّث، وهي ارتباطاتٌ تنبع من تقليل قيمة الأنثوي والقابل للإيلاج. ومن الأرجح أن تُقلَّل قيمةُ الهوية “بوتوم” وتوصَم بالعار داخل وخارج فضاءات المثليين والمثليات وثنائيي وثنائيات الميل الجنسي والمتحوّلين والمتحوّلات جنسيًا. أمّا مؤدّو دور “توب”، فمن المتوقّع منهم أن يكونوا مهيمنين، ويمكن أن يتمتّعوا بحماية أكبرٍ من وصمة العار. وفي بعض الفضاءات الثقافية، لا يُعتَبر الرجال الذين يمارسون الجنس الشرجي الإيلاجي حصرًا خارج حدود الغَيرية الجنسية (انظر تعريف المعيارية على أساس الغيرية الجنسية). ويبدو أنّ هويات “فيرساتيل” قد انتشرت في جماعات المثليين الغربية نتيجةً للانتقادات الموجّهة لدورَي “توب” و“بوتوم” الجامدين بسبب محاكاتهما ديناميات السلطة في علاقةٍ غَيرية. ويُعتَبر الدور التَقَلُّبي على نحوٍ متزايد الهوية التقدّمية وعلامةً تشير إلى القدرة على الانخراط في علاقات مساواتية. أخيرًا، يُعتَبر دورا “فيرساتيل توب” أو “باور بوتوم” أيضًا مثلين عن التعديلات الأخيرة التي طرأت على هذه الأدوار الجنسية وهي تعديلاتٌ تطعن في الوقت عينه بالثنائية الجامدة القائمة بين فعّالٍ ومنفعل.