قاموس الجندر ثنائي اللغة
النظام البطريركي/ البطريركية

البطريركية نظام اجتماعي للرجال السلطة فيه على النساء. يُشتقّ مصطلح “البطريركية” الإنكليزي (patriarchy) من كلمة “patriarches” اليونانية التي تعني كبار السنّ من الذكور، ويُقصد بها الآباء زعماء العائلات والقبائل والكنائس. في الأنثروبولوجيا الكلاسيكية، يشير مصطلح “النظام البطريركي” إلى العائلات والفئات الاجتماعية والهيكليات المهنية والسياسية التي يتولّى فيها الرجال مواقع السلطة(1). بالنسبة إلى النسويات في أوروبا وأميركا الشمالية، يُقصد بالبطريركية نظامٌ اجتماعيٌ للهيمنة الذكورية على النساء(2). وفي السياق اللبناني، عرّفت العالمة الأنثروبولوجية النسوية سعاد جوزيف البطريركية على أنّها “تفضيل الذكور والأكبر سنًا واستغلال بنى القرابة وأخلاقياتها واصطلاحاتها لتشريع السيطرة القائمة على أسس النوع الاجتماعي والعمر ومأسستها”(3). ويُشار أيضًا إلى النظام نفسه بمصطلح “الأبوية” في اللغة العربية وفي بعض أوساط الناشطين/ الناشطات للدلالة على صورة الأب بوصفه الزعيم.

 

كانت “النسويات الراديكاليات” الأميركيات في ستينيات القرن المنصرم (انظر تعريف النسوية) أوّل من نظّر للبطريركية كنظامٍ قمعي (لا كنظامٍ لصلات القربى كما تعرّفها سعاد جوزيف)، وقد عرّفن البطريركية بأنّها التقسيم الاجتماعي الأساسي، وحاججن بأنّها مُصانةٌ عبر سيطرة الرجال على النساء من خلال المؤسسة العائلية والاغتصاب والعنف والحرمان من الاستقلالية الجسدية(4). أمّا النسويات الماركسيات، فانفصلن عن المجموعات النسوية الراديكالية الأولية، ورفضن الافتراضات الفردانية التي استند إليها فهم النسويات الراديكاليات للبطريركية(5). فبالنسبة إلى النسويات الماركسيات، تعود سيطرة الرجال على النساء إلى الاستغلال الرأسمالي، وهي تعتمد على العلاقات الطبقية، ونتيجةٌ للتفرقة الشاملة والمؤسسية(6) (انظر تعريف السلطة). وفي أواخر الستينيات، ركّزت النسويات الماركسيات على فهم كيفية فرض النظام البطريركي على النساء القيام بالأعمال المنزلية وخدمات الرعاية غير المأجورة(7) (انظر تعريف العمل).

 

لقد حاولت هايدي هارتمان، من خلال طرح “نظرية الأنظمة المزدوجة” في العام 1979، دمج الموقفين النسوي الراديكالي والنسوي الماركسي، وحاججت بأنّ الرأسمالية والبطريركية تعتمدان بعضهما على بعض وتربطهما منفعة متبادلة ولكنّهما نظامان قمعيان منفصلان(8). وفي صياغة لاحقة مستندة إلى نموذج “الأنظمة المزدوجة” ومطوّرة عنه، تحدّثت بيل هوكس عن “نظام بطريركي إمبريالي رأسمالي مؤمن بسيادة البيض” للتشديد على العمل المتشابك لأنظمة قمعية عدّة(9). وكانت النظريات حول البطريركية تشكّل مسألةً أساسية لدى الحركة النسوية الأنغلو-أميركية في السبعينيات، بيد أنّ هذا النوع من التنظير الشمولي فقد جاذبيته مع ظهور نظريات ما بعد الاستعمار والتفكيكية ما بعد البنيوية وسياسات الهوية بشكل أوسع في الأوساط الأكاديمية وفي السياسات التقدمية الشعبية خلال الثمانينيات والتسعينيات.

 

وقد تبيّن أنّ أطروحة هشام شرابي حول التنظيم “النيو-بطريركي” / النيو-تقليدي للمجتمعات العربية (نُشرت في العام 1988) مؤثّرةٌ للغاية في المناقشات العامة حول البطريركية والقربى والأنظمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يحاجج شرابي بأنّ علاقات التبعية الاجتماعية والاقتصادية مع أوروبا أدّت إلى بروز “رأسمالية مشوّهة وتابعة” في فترة ما بعد الحرب، أنتجت بدورها طبقةً بورجوازية قليلة الأهمية ذات عقلية بطريركية (أي تقليدية بحسب شرابي)، بالرغم من بعض قشور الحداثة. ويطرح كتاب شرابي إشكالية هيمنة “الأب” المستمرة في العائلة والمجتمع وسلطة شبكات القرابة الواسعة.

 

بناءً على أعمال نسويات شهيرات كنوال السعداوي وفاطمة مرنيسي، وانطلاقًا من نقدهنّ بخاصةٍ للبطريركية بوصفها سيطرةً للرجال على النساء، يقول شرابي أيضًا (بشكل عابر) إنّ نظامًا مشوهًا كهذا، تقليديًا وحديثًا في آن معًا، يضاعف من قمع النساء(10). ولكن بالنسبة إليه، الأسرة النواة (بخلاف العائلة الموسّعة) ديمقراطية بطبيعتها، وهي بنيةٌ تسمح بنموّ الحبّ الرومانسي الذي يتمتع طرفاه بالمساواة، ومؤسسةٌ اجتماعيةٌ تؤمّن “الأساس الضروري (ولكن غير الكافي) لتحرّر المرأة”(11). ويمكن إظهار التناقض بين هذا الموقف وبين النقد النسوي الأوروبي والأميركي الشمالي للأسرة النواة ولتقسيم العمل فيها.

 

وقد فنّد الباحثون العرب في مجال النوع الاجتماعي الصياغة الأوروبية والأميركية الشمالية لـ “البطريركية”، وأشاروا إلى أنّ الأخيرة ليست ثابتةً أو جامدة، حتى في المجتمعات التي يبدو أنّها تقليدية بشدة. وأظهرت العالمة الأنثروبولوجية سعاد جوزيف كيف أنّ مفاهيم التحليل النفسي الغربية حول الصراع ضدّ البطريركية باعتباره سعيًا نحو الفردية والاستقلالية لا يمكن أن تفسّر كيف اعتبر متبنّوها اللبنانيون، نساءً ورجالًا، أنفسهم جزءًا من مجموعة ووثيقي الصلة بالعائلات الموسّعة وإن كانت تنظّمها الامتيازات الذكورية والعمرية. ولكنّ جوزيف تسلّط الضوء على العلاقات السلسة على نحوٍ ملحوظ ضمن العائلات وبين بعضها بعضًا، وعلى أهمية الديناميات بين الأخ والأخت في إعادة إنتاج السلطة البطريركية في السياقات العربية(12).

 

وفي حين أنّ دنيز كانديوتي تصنّف الدول العربية على أنها “الحزام البطريركي” أو “البطريركات الكلاسيكية”، تحاجج على الرغم من ذلك بأنّ النساء يقاومن هيمنة الرجال، سواء على نحوٍ فاعلٍ أو غير فاعل، ويعِدن البحث في العلاقات الجندرية. ففي الأمثلة التي تقدّمها كانديوتي، تلجأ المرأة إلى بعض الاستراتيجيات كالتلاعب بعواطف زوجها أو ابنها لضمان بعض السلطة والمكانة لنفسها في الأسرة. وتطلق كانديوتي على هذه المحاولات الهادفة إلى تحويل النظام غير العادل لصالح المرأة مؤقتًا عبارة “المساومات البطريركية”. ربّما يشكّك بعض النساء في النشاط المعادي للبطريركية (أي النشاط النسوي) لأنّ أيّ نظامٍ جديدٍ محتمل لا يضمن لهنّ إمكانية المساومة – وهي مخاوف ينبغي أن يأخذها الناشطون على محمل الجد ويحترموها كما تقترح كانديوتي(13).

 

وتوحي التمظهرات الأخيرة في الثقافة الشعبية في العالم العربي ولبنان (كالبرامج التلفزيونية مثلًا) بأنّ ما يعزّز البنى البطريركية هو أنّ التشديد على الذكورة يتبدّى علنًا، في حين ينبغي أن تبقى الأنوثة في الحيّز الخاص(14). في هذا السياق، يحاول كلّ من المنظمات غير الحكومية والناشطين/ الناشطات تعميم استخدام مصطلح البطريركية (أو الأبوية) للتشكيك بشرعية النظام القائم. ولكن يبقى معنى هذا المصطلح غامضًا بالنسبة إلى معظم الناس، وغالبًا ما تكون دلالاته مشوّهة. ويُساء فهم الفكرة المقصودة به أو لا يتمّ فهمها إطلاقًا في بعض الأحيان، ما يؤدّي إلى إطلاق اتهاماتٍ بكره الرجال عوضًا عن توسيع حلقة النقاش.