يُشتقّ مصطلح “الرعشة الجنسية” الإنكليزي (orgasm) من كلمة “orgasmos” اليونانية، التي تعني الإثارة أو التضخم. وقد تغيّرت تعريفات هذه الظاهرة على مرّ الزمن، وبرزت تعريفات مختلفة في فضاءاتٍ ثقافية مختلفة. حاليًا، لا إجماع في الآراء حول ماهية الرعشة الجنسية، إذ لا يزال النقاش منذ فترة طويلة في المجتمع الطبي قائمًا حول ما إذا كانت الرعشة الجنسية تجربةً جسدية أم نفسية في المقام الأوّل. ويرى المنظّرون الثقافيون أنّ هذه الصعوبة في تعريف الرعشة الجنسية تنشئ قواعد جنسية – غالبًا ما تتمحور حول الذكور والغيرية الجنسية – تسهّل الضبط الاجتماعي والتحكّم بالأجساد والهويات(1).
قبل القرن الثامن عشر في أوروبا، وُصفت الرعشة الجنسية بأنّها إحساس بالحرارة يغمر الجسم كلّه وبأنّها تجربة شبه ميتافيزيقية. وفي أواخر القرن الثامن عشر، بدأت المؤسسة الطبية بحصر الرعشة الجنسية في الأعضاء التناسلية على وجه التحديد وبوصفها ظاهرة بدنيةٌ قطعًا(2). وفي العام 1918، باتت الرعشة الجنسية توصف في كثيرٍ من الأحيان بأنّها أوج النشاط الجنسي أو ذروته – وهو تصوّرٌ لا يزال يشكّل فهمًا سائدًا اليوم(3)، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط.
لقد أثارت الرعشة الجنسية عند النساء الفضول العلمي والتدقيق الشعبي أكثر من الرعشة الجنسية عند الرجال. على سبيل المثال، خصّصت دراسةٌ مسهبة عن الجنسانية البشرية، أعدّها الفريق البحثي ماسترز وجونسون ونُشرت في العام 1966، مئة صفحة لوصف الرعشة الجنسية عند المرأة مقابل 39 صفحة فقط لوصف الرعشة الجنسية عند الرجل(4). وقد أقنعت التجارب الطبية التي جرت في أوائل القرن التاسع عشر الأطبّاءَ بأنّ المرأة تبيض حتى في غياب اللذّة الجنسية، ولا تحتاج بالتالي إلى الوصول إلى ذروتها كي تصبح حاملًا. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كانت هذه الحجة قد تحوّلت إلى يقينٍ بأنّ المرأة هي إمّا غير قادرة على بلوغ الرعشة الجنسية أو قلّما تبلغها(5). وبدأ يظهر في الوقت عينه عددٌ من التشخيصات مثل الهستريا واستحالة الوصول إلى الرعشة الجنسية، نُقلت لاحقًا إلى المستعمرات المستولى عليها.
وشهد القرن العشرون اهتمامًا كبيرًا في تصنيف الرعشات الجنسية لدى النساء في جميع أنحاء أوروبا الغربية. ففي العام 1906، قدّم سيغموند فرويد – الذي أثّرت كتاباته أيضًا في الدراسات النفسية في الشرق الأوسط – أطروحةً تقول إنّ الفتاة تختبر في البداية الرعشة الجنسية البَظرية، لكنّها تنقل تجربة الرعشة الجنسية إلى المهبل أثناء نموّها النفسي والاجتماعي(6). وقد وصفت النساء اللواتي أجرى الباحثون معهنّ المقابلات نوعين مختلفين من أحاسيس الرعشة الجنسية ترتبط باستثارة البظر والمهبل(7). أمّا الدراسة التي أعدّها ماسترز وجونسون والتي استندت إلى المراقبة المباشرة في إطار المختبر، فقد دحضت الأطروحة القائلة بالنشوتين، وحاجج فيها الفريق البحثي بأنّ الانقباضات المهبلية موجودة في الذروة الجنسية لدى المرأة بغضّ النظر عن كيفية استثارتها(8). وفي حين لم يتمّ العثور على أيّ دليلٍ يدعم التصنيف الذي غالبًا ما يتمّ الاستشهاد به والذي يقسّم الرعشات الجنسية النسائية إلى رعشة جنسية “فَرجية” وأخرى “رَحمية” وثالثة “مشترَكة”(9)، أثبتت الأبحاث الطبية الإضافية التي تناولت تشريح البظر أنّ الأعضاء الداخلية في البظر يمكن أن تشارك في اختبار النساء لما يُسمّى بالـ“الرعشات الجنسية المهبلية”(10).
حاججت النصوص النسوية من سبعينيات القرن المنصرم بأنّ الرعشة الجنسية المهبلية مجرّد خرافة تهدف إلى حرمان المرأة من اللذة البَظرية وتدفع بها إلى الخضوع للجنس الإيلاجي الذكري(11). وقد ضغطت التيارات النسوية البديلة والمثلية والكوير التي برز معظمها من الولايات المتحدة وكندا وأجزاءٍ من أوروبا في سبيل اعتماد نظرةٍ إلى الجماع لا تتمحور حول الرعشة الجنسية، وفي سبيل إعادة رفع اللذة الجسدية إلى مصاف الأولويات. وفي لبنان، تعامل جيلان من النسويات اليساريات (في سبعينيات القرن العشرين والعقد الأول من الألفية الثالثة) مع مجموعةٍ متنوّعةٍ من الأدب النسوي الذي يتناول موضوع الجنس والجنسانية. ويتمّ التطرّق إلى اللذة الجنسية بطريقة غير مباشرة من خلال تقديم الخدمات النفسية والاجتماعية إلى الناجيات من العنف المنزلي، حيث يصفْنَ ما قاسَيْنَه أثناء الاغتصاب في إطار الزواج، ويُعرِبن عن انعدام شعورهنّ باللذة أثناء الجماع. وعلى الرغم من ذلك، ظلّ النقاش حول الجنس ولذّة المرأة محصورًا في الأوساط الشخصية والحميمة في تلك المجموعات، ولم يصل مباشرةً إلى الأجندات السياسية والخطاب العام(12). يعلّل بعض الناشطين والناشطات هذه الفجوة السياسية بوجود سياقٍ غير آمن، إذ يخشون أن يواجهوا ردود فعلٍ عنيفة ضدّهم من المجتمع الذين يعملون معه أو من المؤسسات الدينية. ولا تزال الدراسات الاجتماعية اليوم تشير إلى “فجوةٍ في الرعشة الجنسية” بين النساء والرجال في العلاقات الجنسية الغَيرية، حيث تُعطى الأولوية لرعشة الرجل الجنسية وتكون أكثر تواترًا لديه منها لدى المرأة(13). من هذا المنطلق تحديدًا، تبقى رعشة المرأة الجنسية قضية سياسية مرتبطة بتحرير جسد المرأة وحقّها في التحكّم بلذّتها(14).