يتألّف مصطلح “المعيارية على أساس الغيرية الجنسية” من مصطَلحي “الغَيري(ة)” و“المعيارية”، وهو يشير إلى نظامٍ اجتماعي تُفَضَّل فيه الغيرية الجنسية ويُحتَفى بها، وبالتالي تكون معياريةً بوصفها نظامًا جنسيًا تلقائيًا. في هذا النظام، تُمأسَسَ الغيرية الجنسية في الجوانب الاجتماعية والقانونية والسياسية والثقافية، ما يؤدّي بالتالي إلى منح الغيرية الجنسية امتيازاتٍ خاصةً بها، بينما تُهمّش وتوصم العلاقات والممارسات اللاغَيرية. نحتَ مايكل وارنر المصطلح في العام 1991، فأصبح مذّاك مفهومًا مركزيًا في نظرية الكوير (انظر تعريف الكوير) لأنّها تعرّي الغَيرية الجنسية لا بوصفها ميلًا جنسيًا مُفتَرَضًا مسبقًا فحسب، بل بوصفها أيضًا هيكلًا اجتماعيًا وسياسيًا يُنظّم الرغبات والممارسات والأشخاص بشكلٍ غير متساوٍ.
ومن المهمّ أن نذكّر بأنّ نظام المعيارية على أساس الغيرية الجنسية يعتمد على الحفاظ على الثنائية الجندرية والجنسية (ذكر/ أنثى، رجل/ امرأة) باعتبارها مجموعةً من التراكيب الاجتماعية التي تصنّف الجنس والهوية وأدوار النوع الاجتماعي في أحد طَرَفَي هذه الثنائية وبطريقةٍ هرمية (أي اعتبار الذكر متفوّقًا على الأنثى). وعبر إعادة التأكيد على الثنائية الجندرية، تمسي الغَيرية الجنسية معياريةً والميلُ الجنسي مفهومًا على أنّه انجذابٌ بين الجنسيَن/ النوعيَن الاجتماعيين المتعاكسين. بهذا المعنى، يتغلغل النظام المعياري على أساس الغيرية الجنسية في مناحي الحياة جميعها وينظّمها، ومنها المَثل الأعلى أي الأسرة الغَيرية النواتية، ومؤسسة الزواج، وأدوار النوع الاجتماعي المقبولة، وتطبيق الفصل بين الجنسين في المدارس، وغير ذلك. ويتجلّى عندها أثر هذه المعيارية بتهميش كافة الجنسانيات والأنواع الاجتماعية غير المعيارية.
في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، يتجلّى تاريخ المعيارية على أساس الغيرية الجنسية بشكلٍ عنيف في إضفاء الطابع الغَيري قسرًا على المجتمع، وذلك يتمّ أيضًا من خلال التدخّلات الطبية كعمليات فصل فص المخ الجبهي والصعق بالكهرباء للأشخاص الذين اعتُبِروا مثليين، وقد شاعت مثل هذه التدخلات الطبية في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. أمّا اليوم، وعلى الرغم من التغيرات في المعايير المؤسسية، لا تزال سياساتٌ كثيرة منحازةٌ إلى الغَيرية الجنسية تُهمّش مَن تمّ تحديده مثليًا أو مثلية أو ثنائي أو ثنائية الميل الجنسي أو متحوّلًا أو متحوّلةً جنسيًا أو حامل/ حاملة صفات الجنسين أو الكوير، ومنها مثلًا رفض المساواة في الزواج، ومنع تبنّي الأزواج من الجنس نفسه للأطفال، والاستمرار بمراقبة الأنواع الاجتماعية والأشخاص غير المعياريين، فضلًا عن تصدير ممارسات “العلاج التحويلي” العنيفة من الإنجيليين الأميركيين إلى دولٍ كأوغندا باتت تتّخذ تدابير جديدة وشديدة تُجَرّم الانجذاب لشخصٍ من الجنس نفسه والجنسية المثلية.
وتصبّ المعيارية على أساس الغيرية الجنسية في سياسات وحقوق ومطالب المثليين والمثليات وثنائيي وثنائيات الميل الجنسي والمتحوّلين والمتحوّلات جنسيًا وحاملي/ حاملات صفات الجنسين والكوير. ومن أبرز الأمثلة على ذلك المطالب الأولى التي تنادي بها حركة حقوق المثليين في الولايات المتحدة، وهي مطالب تعكس الهياكل الغَيرية، كالحق في الزواج لتشكيل أسرة نواتية، والحقّ في تبنّي الأطفال، والحقّ في الخدمة العسكرية. يهدف مصطلح “المعيارية على أساس التماثل الجنسي”، الذي نحتته المنظّرة ليزا دوغان حديثًا، إلى تصوّر مفهومٍ لهذا التأثير الذي تضطلع به التركيبات التي تكتسب الصفة المعيارية على أساس الغيرية الجنسية (الزواج الأحادي والإنجاب) في الهويات والسياسات المثلية التي غالبًا ما تأتي على حساب تهميش مطالب الجماعات والأفراد وبخاصة المتحوّلين والمتحولات*، ومنها الحصول على العلاج الهرموني، والرعاية الطبية المناسبة والشاملة، والتخلّص من مضايقات الشرطة المستمرّة، ووضع حدٍ لقتل النساء المتحوّلات* ذوات البشرة الملوّنة. وتشمل المفاهيم الإضافية ذات الصلة إكساب الصفة المعيارية على أساس الغيرية الجنسية والهوية النمطية، وهو إكسابٌ يحيل إلى مجموعةٍ من المعايير “تفضّل تعريف الذات بهويةٍ جندريةٍ معيارية وميلٍ إلى الجنس الآخر” (انظر تعريف الهوية الجندرية المعيارية).
وتسود أمثلة عن المعيارية على أساس الغيرية الجنسية في جميع أنحاء المنطقة وفي لبنان. على سبيل المثال، يُهَيكِلُ تفضيلُ “العائلة” الغَيرية، باعتبارها الخلية الاجتماعية الأساسية في بنيات المجتمع اللبناني، الرغبات بطريقةٍ تحبّذ بوضوح العلاقة الغَيرية في إطار الزواج داخل الطوائف (بخلاف الغَيرية غير الزوجية بين الطوائف، أو الزواج المدني غير الممكن حاليًا في لبنان). أخيرًا، يمكن أيضًا ملاحظة العرض الذاتي أو المواقف المعيارية على أساس التماثل الاجتماعي في بعض ممارسات الرجال المثليين أو الكوير في بيروت. وتظهر مصطلحاتٌ من قبيل “السلوك القويم” أو “ذي هيئةٍ ذكورية” تفضيلًا لشكلٍ من أشكال الذكورة المعيارية على أساس الغيرية الجنسية، ما يُسهّل الحياة اليومية للمنتمين إلى البنية الغَيرية في مكان العمل. كذلك، تُستخدم الفئة الفرعية “الدب / raeb” (أي الرجال الشعرانيين الذين يقدّمون صورة الذكورة القوية) في بعض أوساط الرجال الكوير والمثليين في بيروت، وهي فئة فرعية تلجأ إلى التفاوض حول رجولة امرئٍ ما وفقًا للمعيارية المجتمعية على أساس الغيرية الجنسية.