في القرون الثلاثة المنصرمة، تصوغ قوى السوق والإمبريالية الحديثة ومفاهيم الجمال المستقاة من حقل الجماليات الأكاديمي، التصوّرات العالمية لمعايير الجمال القائمة على أسس جندرية. وقد اعتبر الباحثون والباحثات والناشطون والناشطات النسويون والنسويات أنّ معايير الجمال قمعية، وأنّها تحدّ من الحرية وتؤدّي إلى علاقةٍ غير صحية بين المرء وجسده. وقد أظهروا أيضًا أنّ النقاش حول الجمال، وبخاصةٍ الجمال الأنثوي، يتطلّب في المقابل “حديثًا عن القبح الأنثوي”(1)، وهو أمر لا يفيد سوى في إعادة التأكيد على علم الجمال ذي الطابع الممأسس أو المهيمن. وقد أوضح المؤرّخون كيف أنّ الخطاب الفلسفي عن الأحكام الجمالية – التي تنصرف إلى الجمال والذوق وما يعدّ جميلًا في الفنّ – متأثرٌ بمفاهيم عصر التنوير حول الاختلافات والهرمية العرقية(2).
لم يكن الجمال مسألةً أساسيةً في الفكر النسوي ما بعد الحرب في أوروبا وأميركا(3). ولكن تبدّلت الحال في تسعينيات القرن العشرين، وهو ما يبرهنه كتاب “أسطورة الجمال” (1991)، وهو أحد الكتب الأكثر مبيعًا، كتبته الصحافية الليبرالية التي تنتمي إلى الموجة النسوية الثالثة ناعومي وولف. يحاجج الكتاب بأنّ ما تسمّيه وولف اصطلاحًا بـ“أسطورة الجمال” هو أحد أسباب عجز النساء عن تحقيق المساواة مع الرجال(4). وزعم معقبون آخرون أنّ التصوّرات التي تنتجها صناعة الجمال التي لا تنفكّ تتوسّع والوسائل الإعلامية وحتى المؤسسات إنّما هي تصوّراتٌ تفرز معايير جمال مهيمنة تمارس السيطرة والقمع. من جهة، أشار المفكرون والمفكّرات والناشطون والناشطات النسويون والنسويات الذين يربطون “الجانب الشخصي بالسياسي” إلى أنّ معايير الجمال الأنثوي غالبًا ما تكون ذاتيةً بشدّة. ومن جهةٍ أخرى، تناول بعض التحليلات الحديثة مفهوم التحكّم الذي يُمارس عبر شعائر جمالية كانت خاضعة للنقد سابقًا، وافترضت هذه التحليلات أنّ المرأة تساهم عبر جسدها في بناء مفهوم الجمال اجتماعيًا بطريقةٍ قد تحوّل جسدها إلى مصدرٍ لتمكينها.(5)
ويتمّ استحضار معايير الجمال الذاتية في بناء صور الجسد، وهي تستند إلى المثل الجندرية المعيارية على أساس الغيرية الجنسية (انظر تعريف المعيارية على أساس الغيرية الجنسية). وتقدّم هذه المعايير صورًا محدودة عن الذكورة والأنوثة، علمًا أنّ الأخيرة تُبنى على رغبة الذكور الغيريين الجنسية. وقد فرضت التفرقة الجنسية والقمع على المرأة أن تتحكّم بجسدها وتطوّعه (من خلال الحمية وتسريح الشعر وإزالة شعر الجسم، إلخ). ومن جملة التبعات المترتبة عن الامتثال لهذه المعايير كلفة إجراءات التجميل والمخاطر على الصحة الجسدية والعقلية والروابط بالنزعة الاستهلاكية وإدامة نظامٍ متجّذرٍ في اللامساواة والتفرقة على أساس العمر والطبقة والعرق. وتعمل “أسطورة الجمال” كنوعٍ من أنواع الضغط الاجتماعي الرامي إلى مواصلة إخضاع النساء والأجساد غير المعياريّة، نظرًا إلى أنّ نماذج الجمال الأنثوي تتطلّب وقتًا وطاقة يمكن استغلالهما لتطوير الذات بطريقٍ أخرى.(6)
لقد كان معظم التنظير النسوي لـ“الجمال” و“المعايير الجمالية” متحيزًا ضمنيًا للبيض والطبقة الوسطى(7). وتزيد المسائل المتعلّقة بالعرق والإعاقة والبدانة والجنسانية هذه المسألة تعقيدًا. وبالاستناد إلى التاريخ الحديث حيث كانت المجموعات المهيمنة تربط بين البشرة السوداء والقبح، تلخّص آن تشينغ المعضلة السياسية: “بين النقد النسوي للجمال الأنثوي والنكران العنصري لأي جمالٍ غير أبيض، أيّ مكانةٍ للمرأة ذات البشرة الملوّنة؟ من غير الواضح إذا كان تقبّل احتمال أن “تكون امرأة ذات بشرة ملوّنة جميلة” نقضًا للخطاب العنصري أم امتثالًا للقوالب النمطية الجندرية”(8). وقد استند مجال دراسات البدانة الحديث إلى نظرية الكوير لتفكيك ثنائيتي النحافة - النجاح والبدانة - الظلم، وشجّع على التفكير نقديًا في كيفية اندماج وزن الجسم في معايير الجمال(9). بالإضافة إلى ذلك، يتحدّى بعض الناشطين والناشطات من الكوير (انظر تعريف مصطلح المثليين والمثليات وثنائيي وثنائيات الميل الجنسي والمتحوّلين والمتحوّلات جنسيًا LGBT) معايير الجمال جندريًا عبر تناول الطريقة التي تبني بها صناعة التجميل العالمية النوع الاجتماعي من خلال مستحضرات التجميل المخصّصة إمّا للنساء أو للرجال – وذلك على سبيل المثال من خلال دمج صور لمستحضرات تجميلٍ نسائيةٍ مثالية مع تشذيب بارعٍ لشعر الوجه(10) (انظر تعريف النوع الاجتماعي).
تتغيّر معايير الجمال عبر التاريخ وباختلاف الثقافات وأنماط الاستهلاك والسلوكيات الشخصية. وقد بُني المعيار الحالي المُهيمن عالميًا منذ القرن التاسع عشر استنادًا إلى مثُل الأوروبيين البيض؛ فالطول واليفاعة والبشرة الفاتحة والرشاقة البدنية والشعر الطويل الحريري تُعتبر كلّها سماتٍ جسديةً متفوّقة. ويطال تصدير هذا المثال – عبر الاستعمار والإمبريالية الثقافية والسوق العالمية – لبنان أيضًا: فالبشرة الفاتحة والنحافة والسمات الشديدة الأنوثة ومستحضرات التجميل وإزالة شعر الجسد كلّها قواعد ضمنية لإبداء الأنوثة على نحو ملائم (بالاستناد إلى أساس طبقي).(11)
في بعض السياقات، عارضت الناشطات النسويات الحميات الغذائية، وحاججن بأنّها تمظهرات للبطريركية تهدف إلى ترويض أجسام النساء – ومن بين الأمثلة على ذلك حملة “نعم للابتهاج، لا للحمية!”(12) (“!riots, not diets”). ورفضت الناشطات النسويات أيضًا الجراحة التجميلية أو غيرها من التعديلات التجميلية للأجسام الطبيعية. بالإضافة إلى ذلك، برزت مجددًا في الآونة الأخيرة أشكال تعبير جديدة عن النسوية، تتبنّى رموز الأنوثة وتناضل ضدّ كراهية النساء وتستكشف الرسائل الثقافية لمستحضرات التجميل(13)وغير ذلك من الجوانب التحررية المحتملة لرموز الجمال. أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنّ تطبيق معايير الجمال عن طريق أجسامٍ تُعتبر بدينة و/أو غير معيارية قد يحمل بدوره أثرًا هدّامًا يتحدى معايير الجمال الثنائية والقمعية بشكل مباشر.(14)