قاموس الجندر ثنائي اللغة
القوة

يعود مصطلح السلطة بأصله الاشتقاقي إلى الكلمة اللاتينية “potere” ويرتبط بالكلمة الفرنسية “pouvoir”، والكلمتان تعنيان “القدرة على”. والسلطة كمفهومٍ موضوعُ نقاشٍ واسع النطاق، وقد تعدّدت حولها نقاط الخلاف. إحدى أهمّ نقاط هذا النقاش هي ما إذا كانت ‘السلطة’ تعني ‘السلطة على’ أو ‘السلطة في سبيل’. فعبارة ‘السلطة على’ تدلّ على وجود علاقة قوةٍ غير متكافئة، في حين تشير عبارة ‘السلطة في سبيل’ إلى القدرة على التصرّف. ثمة طريقةٌ أخرى لتقسيم المناقشات حول السلطة، وهي عبر التمييز بين مفاهيم نظرية بصدد الفعل (في إشارةٍ إلى جهاتٍ فاعلةٍ معيّنة أو القدرة الشخصية على الفعل) من جهة، والمفاهيم الشاملة أو التأسيسية للسلطة من جهة أخرى (“السلطة بوصفها تُهَيكِل على نحوٍ منهجي إمكانيات الفعل، أو، بصورةٍ أقوى، بوصفها تؤسّس الجهات الفاعلة والعالم الاجتماعي الذي تفعل فيه”).

تتضمّن النسوية كتيّارٍ سياسي وحركةٍ اجتماعية، في سياقاتٍ وفتراتٍ مختلفة، مفاهيم السلطة كافةً، أي السلطة على، والسلطة في سبيل، والسلطة بوصفها متمحورةً حول الجهة الفاعلة وبوصفها عاملةً هيكليًا. وتحلّل المفكّرات النسويات الليبراليات في معظم الأحيان السلطة باعتبارها موردًا إيجابيًا ينبغي إعادة توزيعه على النساء. أمّا المقاربات النسوية الاشتراكية والراديكالية والظواهرية، فتتناول موضوع السلطة باعتبارها هيمنةً، وقد تشير إليها بمصطلحاتٍ بديلة كـ “القمع”، أو “النظام البطريركي” أو “الإخضاع” (وهذا مثلًا بارزٌ في التصوّر المفاهيمي لدى نوال السعداوي). تناصر المقاربات التقاطعية وضع إطارٍ لفهم السلطة يمنح أهميةً متساويةً للتبعية القائمة على أساس النوع الاجتماعي والعرق والطبقة، فضلًا عن المعالم المتعلّقة بكلّ سياقٍ بعينه كالطائفية أو الجنسانية (انظر تعريف التقاطعية).

 

أمّا في الحركة النسوية ما بعد البنيوية، فقد اضطلعت المفاهيم الفوكوية بتأثيرٍ كبيرٍ في الأعمال النسوية جميعها في كافة أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية وحتى الشرق الأوسط إلى حدٍ ما. وفقًا لهذه المفاهيم، ليست السلطة قمعيةً أوّلًا، بل بالأحرى قمعية وبنّاءةً على حدٍ سواء. وقد نظّر ميشيل فوكو أيضًا في التفاعل بين السلطة والجسد من خلال تصوّره المفاهيمي للـ“السلطة التأديبية” التي تُنتج أجسادًا مُنصاعة تجعلها مؤسسات الدولة والمؤسسات الاجتماعية قابلةً للسيطرة عليها. وتَبرز هذه التصوّرات المفاهيمية في الانتقادات النسوية المناهضة لسيطرة الدولة على أجساد النساء، بما في ذلك في لبنان (انظر تعريف غشاء البكارة). أخيرًا، تضمّنت الاحتجاجات العربية التي اندلعت في العام 2011 انتقاداتٍ كبيرةً وجّهتها النسويات إلى سلطة الدولة الاستبدادية على أجساد النساء، بما في ذلك مختلف الأعمال التي قام بها الناشطون، بينما أشارت موجاتٌ مختلفةٌ من الاحتجاجات النسوية في لبنان مباشرةً إلى دور الدولة في إدامة إخضاع المرأة من خلال السياسات التي تحدّ من حقوقهنّ الجسدية (انظر تعريف الجنس والحقوق الجسدية).

 

وقد استُخدمت المفاهيم الماركسية عن السلطة بوصفها شكلًا من أشكال الهيمنة وفاعلةً من خلال الأيديولوجيا لفضح نفاق الدولة الليبرالية في تعزيز عدم التفرقة وسياسات تكافؤ الفرص في حين يسود عدم المساواة المتأصّل والهيكلي. ونتيجةً لهذا النقد الموجّه إلى السلطة الرسمية، يختار كثيرٌ من التيّارات النسوية الصيَغ التنظيمية الأفقية غير الهيكلية، وهي صيَغٌ تُستَخدم في بعض الجمعيات النسوية الصغيرة في بيروت، وهذا يُشكّل جهدًا واعيًا في سبيل محاربة استنساخ عدم المساواة، بدرجاتٍ متفاوتة من النجاح. لكن، حتى مثل هذه المقاربة لا تخلو من النقد، لأنّها أساسًا تخاطر بافتراض أنّه يمكن كسر التسلسلات الهرمية من خلال “تغييب التنظيم الهيكلي”، في حين يثبت الواقع أنّها في كثيرٍ من الأحيان تغدو غير باديةٍ للعيان فحسب.