قاموس الجندر ثنائي اللغة
كوير

حرفيًا، يُعنى بمصطلح كوير ما هو “غير اعتيادي” أو “غريب”، وكان هذا التعبير - ولا يزال - يُستخدم في الولايات المتحدة كنوعٍ من التحقير للأشخاص ذوي الرغبات الجنسية المثلية، مثله مثل كلمة “شاذّ”. وقد استُخدم مصطلح “كوير” إصلاحيًا للمرة الأولى في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم وتسعينياته من خلال سياسة مجموعتَي الناشطين/ الناشطات آكت أب (ائتلاف الإيدز لإطلاق العنان للقوة) وكوير نايشن (أي أمّة الكوير)، وقد تمثّل النضال الرئيس لهاتين الجمعيّتين بدفع الحكومة الأميركية إلى معالجة أزمة الإيدز في مجتمع مثليّي الجنس(1). لم تكن الاستراتيجية السياسية تهدف إلى الاعتراف بالكوير جزءًا من الحياة فحسب، بل أيضًا إلى تحدّي “المعياريّة” القائمة، بما في ذلك تعرية المعياريّة الغيرية كنظامٍ مفروغٍ منه في سيرورات الحياة اليومية.

وقد وجّه المصطلحَ إلى المجال الأكاديمي الناشطون أنفسهم الذين شاركوا في السياسة الإصلاحية، ثمّ ازداد تطوّرًا ليغدو “نظرية الكوير”(2)، وهي نظريةٌ اعتمدت على النظريات ما بعد البنيوية وباتت تشكّل اليوم حقلًا مركزيًا في الدراسات المتعلقة بالمثليين والمثليات. تقوم النظرية على فرضيةٍ أساسيةٍ تعتبر أنّ الهويات ليست فئاتٍ ثابتةً تحدّد الشرط الاجتماعي، بل هي بالأحرى مرنةٌ ومتعدّدةٌ وقابلةٌ للتبدّل. بالتالي، تدعو النظرية “سياسات الهوية” إلى إعادة النظر في دورها في الحفاظ على المفهومَين الجوهرانيين للنوع الاجتماعي والجنسانية(3). لكن، وبخلاف حالات سوء الفهم الشائعة، لا تستبعد نظرية الكوير وسياسة الهوية إحداهما الأخرى(4)، فسياسات الكوير تعترف بالحاجة إلى سياسات الهوية. وفي حين تحارب سياسات الهوية المعياريّة الغَيرية، وفي حين تكافح غالبًا سياسات الهوية المتعلّقة بالمثليين والمثليات وثنائيي وثنائيات الميل الجنسي والمتحوّلين والمتحوّلات جنسيًا في سبيل إدراجها كهوياتٍ معيارية، تطعن نظرية الكوير وسياسته بالنظام نفسه الذي ينتج فئات الهوية والمعيارية ذاتها(5).

 

ومع تطوّر السياسة والنظرية، أضيف مصطلح “كوير” إلى الاختصار الإنكليزي LGBTQ (فبات يشمل الكوير) الذي لفت الانتباه إلى مسألة ما إذا كان يمكن بالفعل أن يعمل الكوير بوصفه فئةً من فئات الهوية. في الغالب، لا تزال كلمة “كوير” تستخدم كتسميةٍ عامة للجنسانيات “غير المعياريّة”، وللهويات الجندرية (لا الهويات الجنسية فحسب)، حيث بات مصطلح “الكوير جندريًا” يدلّ على الشخص الذي لا يعرّف بأيٍّ من النوعين الاجتماعيين (لا الرجل ولا المرأة)، بل يسعى بنشاطٍ إلى تحدّي هذه الثنائية من خلال تقديمه وأدائه الجندريين. من الناحية الأكاديمية، تُنتَقدُ نظرية الكوير على نحوٍ متزايد لظهورها بمظهرٍ شمولي و/أو لحفاظها على الافتراضات النظرية الغربية(6)، وهي أيضًا مُقولَبة بفعل التدخلات الجديدة للفكر الأكاديمي ما بعد الاستعمار وما بعد إلغاء الاستعمار(7).

 

أمّا في لبنان، فقد انتشر استخدام المصطلح في أوساط الناشطين/ الناشطات في حقل النوع الاجتماعي والجنسانية(8) الذين يتّخذون من بيروت مقرًا لهم. يستطيع هؤلاء الناشطون الوصول إلى النقاشات الأكاديمية حول نظرية الكوير، والنشر الأكاديمي الذي يتناول هذه النظرية في المنطقة(9)، فضلًا عن أنّهم يشاركون في المفاوضات حول السياسة الجنسية الإصلاحية محليًا(10). وجاء بعض الحملات، مثل حملة “أنا شاذ” التي أجرتها جمعية ‘حلم’ المحلية في العام 2010، كجزءٍ من اليوم الدولي لمكافحة رهاب المثلية والتحول الجنسي، ليعكس الفرضية الأساسية للسياسة الإصلاحية التي تسعى إلى منح وضوحٍ في الرؤية غير دفاعي لما يُنظر إليه عادةً بمنظارٍ “غير معياري”، وإلى تحدّي السعي نفسه إلى المعياريّة(11). أمّا الحملات الأخرى، فربطت بشكل واضحٍ بين نشاط الكوير لمكافحة الطائفية من جهة، ومن أجل العلمانية في الاحتجاجات كـ“مسيرة العلمانيين نحو المواطنة”(12) من جهة أخرى. وقد لجأ كثيرون في أوساط الناشطين/ الناشطات في سبيل الحقوق الجنسية إلى استخدام مصطلح “كوير” عوض مصطلح “LGBT” المختَصَر (المثليون والمثليات وثنائيو وثنائيات الميل الجنسي والمتحوّلون والمتحوّلات جنسيًا)، نظرًا إلى ارتباط الأخير ارتباطًا وثيقًا بأجندات الجهات المانحة، والأنْجَزة، والتمويل الحكومي الأوروبي و/أو الأميركي. وغالبًا ما يُترجم المصطلح صوتيًا إلى العربية، ويُستخدم في المدوّنات والكتابة على جدران الممتلكات العامة.