الهرمونات مواد كيميائية تفرزها الغدد من أجل ضبط وظائف الجسم الفيزيولوجية والسلوكية. وتُعدّ الهرمونات الجنسية ضروريةً لنموّ الجهاز التناسلي وبعض الخصائص الفيزيائية والجسدية الثانوية أيضًا. تنقسم الهرمونات الجنسية عادةً إلى ثلاث فئات أساسية، وهي: الأستروجين (الإستراديول والإسترون والإستريول) والبروجستوجينات (البروجسترون) والأندروجينات (التستوستيرون والأندروستنديون)(1). تفرز جميع الأجسام هذه الهرمونات لكن بنسبٍ متفاوتة، إذ تختلف مستويات الهرمونات إمّا بسبب وظائف الجسم العادية، بما في ذلك تمظهرات سنّ البلوغ والطمث والحمل وانقطاع الطمث والتغيّرات في وظائف الجهاز الهضمي، أو بسبب اختلال التوازن الهرموني، مثل متلازمة تكيّس المبيض التي تعاني منها نسبة 10 في المئة من النساء تقريبًا(2)، من بين عوامل أخرى.
وقد تتغيّر مستويات الهرمونات من خلال التدخلات الطبية، كما في حالة العلاج الهرموني ومنع الحمل وحبوب منع الحمل وعلاج العقم والعلاج الهرموني البديل (في مرحلة انقطاع الطمث ولكن أيضًا في حالة المتحولين والمتحولات جنسيًا الذين يرغبون في التحوّل). ويُعدّ حصول المتحوّلين والمتحوّلات جنسيًا على علاجٍ هرموني أمرًا قانونيًا وممكنًا في لبنان، لكنّه يتطلّب زياراتٍ كثيرةً لعددٍ كبيرٍ من الأطباء في البداية، ما قد يجعله صعب المنال بسبب كلفته المرتفعة(3). لذلك، يلجأ بعض المتحوّلين والمتحوّلات إلى شراء هرمونات من الأسواق السوداء وإلى المداواة الذاتية.
تحيط بالهرمونات مفاهيم خاطئة وخرافاتٌ اجتماعيةٌ شائعةٌ كثيرة. مثلًا، لا تنظّم الهرمونات الجنسية الوظائف الجنسية والتناسلية فحسب، بل تؤدّي وظائف عدة في الجسم، منها مثلًا بعض الأدوار الهضمية وتنظيم السوائل الجسدية(4). كذلك، غالبًا ما تُستغلّ الهرمونات على نحو خاطئ لتبرير اختلاف المرأة عن الرجل ومنعها إثر ذلك من تولّي المناصب في السلطة والحياة العامة. ومن جملة الطرق التي يتجلّى فيها هذا الاستغلال، نذكر استغلال المجتمع لمتلازمة ما قبل الطمث كوسيلةٍ للتشكيك في كفاءات المرأة وقدراتها وآرائها المعارضة. ويشهد القطاع الطبي مواقف كهذه أيضًا، إذ حاججت مزاولات الطب النسويات منذ زمنٍ طويل بأنّ تصنيف متلازمة ما قبل الطمث كمرضٍ إنّما هو معادٍ للنساء لأنّه يمثّل “طريقةً لنفي الحالة الطبيعية لتغيّرات الدورة [الشهرية]”(5)، وبالتالي اعتبار أنّ وظائف الرجل الجسدية هي المعيار. لكن، لا يعني ذلك أنّ متلازمة ما قبل الطمث غير موجودة، بل تختلف في الواقع العوارض الجسدية والفيزيولوجية لهذه المتلازمة بشكلٍ كبير بين النساء، وينبغي عدم استخدامها كقاعدةٍ لإقصاء النساء أو لتبرير التمييز ضدّهنّ.
في الدراسات النسوية، تندرج مسألة الهرمونات ضمن نقاشٍ أوسع نطاقًا حول الاستخدام وسوء الاستخدام الاجتماعيين للاختلاف(ات) البيولوجي(ة) الجنسي(ة)، وحول التاريخ الطويل لتبرير التمييز ضدّ النساء عبر الحجج البيولوجية (المبنية اجتماعيًا)(6). فتنتقد المنظّرة النسوية آن فوستو-ستيرلينغ(7) مقاربة الاختلاف الجنسي المستندة إلى الهرمونات بسبب حتميتها البيولوجية وتقويضها الروابط والتفاعلات المتعدّدة بين العوامل البيولوجية والاجتماعية في وظائف الأجسام البشرية وسلوكياتها. وتندرج هذه الانتقادات ضمن الجهود الأوسع نطاقًا لإعادة النظر في انقسامي البيولوجيا/ المجتمع والطبيعة/ التربية وتفكيكهما(8). بعبارةٍ أخرى، ينبغي أن يأخذ تحليل الدور الذي تؤدّيه الهرمونات في جسم الإنسان وسلوكه في الحسبان أهمية البيئة والتنشئة الاجتماعية كعاملين أساسيين يحدّدان هذه الوظائف، فضلًا عن وجوب إدراك أنّ نظرتنا العلمية مبنية دائمًا على التحليل الجندري.
في الكلام العامي اللبناني، يُعتقد أنّ المرأة التي تعاني اضطرابات هرمونية غير قادرة على التحكّم بمشاعرها وبطريقة تصرّفها ولا تستطيع اتّخاذ قرارات منطقية. ويُستخدم هذا القول أحيانًا للدلالة على النساء اللواتي يعبّرن عن رغباتهنّ الجنسية علنًا ولإهانتهنّ. وتعزّز هذه التأطيرات المتحيّزة جنسيًا صحّتها المزعومة عبر إثارة الحجج الشعبية حول الاختلافات الجنسية البيولوجية التي تتخلّل الخطابات السائدة. ويتضمّن ذلك على سبيل المثال استخدام المصطلح الشديد الإشكالية والعابر للحدود الوطنية، مصطلح “هستريا” (والكلمة المشتقّة منه في العامية “مهَسْترة”). كانت الهستريا طيلة قرونٍ تشخيصًا مألوفًا في أوروبا استُخدم للإشارة إلى اضطرابات نفسية عدة في الغالب لدى النساء اللواتي يعانين عوارض مختلفة، بما في ذلك العصبية وسرعة الانفعال وحتى الرغبة الجنسية. يشتقّ المفهوم من المصطلح اليوناني “هيسترا” (hystera) الذي يعني الرحم. وقد يشير إلى أسطورة “الرحم الهائم” أو “الرحم العائم” في جسم المرأة. وكانت هذه الأسطورة تُعتبر، على نحو مثير للجدل، مصدرَ أمراضٍ فيزيولوجية ونفسية عبر التاريخ الطبي(9). وكان التشخيص الشائع يدّعي تقديم دليلٍ حول الاضطراب العقلي لدى المرأة، وقد استُخدم في ما بعد لإقصائها باعتبارها غير متساوية مع الرجل. وفي لبنان، لا يزال أطباء الصحة العقلية يشخّصون الهستريا لدى النساء اللواتي يُتّهمن بإبداء الكثير من المشاعر، من دون التحقق من التاريخ الجندري وأسس التفرقة الجنسية الكامنة وراء الاعتقاد بأنّ النساء يعانين المرض(10). وفي الآونة الأخيرة، أعادت النسويات استخدام المصطلح ثقافيًا لوصف التجلي الفيزيولوجي للاضطهاد، وأوجدن بالتالي فضاءً للمقاومة ولإعادة التأكيد على أنّ الهستريا “مرض البطريركية الذي يُفعَّل في أجسام النساء”(11).