يشير مصطلح “جنس” بالإنكليزية (“sex”) إلى التصنيف البيولوجي للذكر والأنثى وإلى الجِماع الجسدي على حدٍ سواء، في حين يشير مُقابلُه العربي إلى المعنيَين عينهما وإلى النوع الاجتماعي أيضًا؛ غير أنّ مصطلح “جنس” لم يحمل دائمًا هذه المعاني. في الواقع، كان “الجنس”، حتى أواخر القرن التاسع عشر، لا يزال يعني النوع وذلك وفقًا لأصل الكلمة اليوناني “genos”، ولم يكن المصطلح يشير إلى التفاعلات الجنسية(1). ويقول جوزيف مسعد إنّ كلمة “جنس” اكتسبت معناها البيولوجي (ومعناها الوطني كما في حالة اشتقاق مصطلح “جنسية”) في أوائل القرن العشرين من خلال ترجمات أعمال متنوّعة كأعمال فرويد(2).
خضعت النظرة الحديثة إلى الجنس في أوروبا وأميركا الشمالية إلى تحوّلاتٍ رئيسة، فتبدّلت تحديدًا النظرة إلى الجنس والأفعال والسمات الجنسية من نظرةٍ “طبيعية” وفطرية إلى أخرى ترى الجنس بمنظارٍ اجتماعي(3). تاريخيًا، أدّى اللجوء إلى “الطبيعة” لفهم الجنس إلى الحدّ من خيارات المرأة في ممارسة الجنس والإنجاب، إذ اعتُبر الجنس أمرًا ضروريًا من أجل التوالد وجزءًا من دورة الحياة “الطبيعية”. وهكذا، من خلال تعريف الجنس الطبيعي، كان من الضرورة بمكان تعريف الجنس غير الطبيعي كذلك. وهذا تعريفٌ يتغيّر تبعًا للظروف الاجتماعية في سياقٍ معيّن، لكنّه شمل بصورةٍ عامة الجنس اللاغَيري والجنس غير الإيلاجي والجنس غير الإنجابي.
لا يزال الفهم الغَيري الإيلاجي يهيمن على الجنس كفعلٍ، ما يدلّ على مقاربةٍ للجنس تتمحور حول نظرةٍ ذكورية. وهذا يعني أنّ الأفعال غير الإيلاجية تُعتَبر أقلّ جنسيةً وقيمةً أو حتى أقلّ “جدّيةً”. وغالبًا ما يكون أثر ذلك إلغاء مجموعةٍ واسعةٍ من الممارسات والتجارب الجنسية الموجودة، بما فيها على سبيل المثال الجنس غير الإيلاجي بين النساء. كذلك، تساهم مقاربة الجنس المتمحورة حول نظرةٍ ذكورية في رفض حقيقة أنّ العضو الجنسي المركزي لدى المرأة هو البَظر (الغرض البيولوجي الوحيد منه هو المتعة) وليس المهبل. ومن الواضح أنّ هذه النظرة تنطلق من فهمٍ للمتعة الجنسية يتمحور حول الذكور ويضع المتعة الجنسية للمرأة في خانة الأمور الثانوية.
يُعدّ شرط الموافقة عنصرًا مركزيًا في التعريف الحديث بالجنس في أيّامنا. فأيّ فعلٍ جنسي يجري من دون موافقة المشاركين فيه جميعًا يُعدّ اغتصابًا. وبالإجمال، تمّ تعريف الاغتصاب أيضًا – باعتماد نظرةٍ ذكورية المحور – بوصفه فعل إيلاجٍ غير مرغوبٍ فيه، ما يضع بدوره قانونيًا الأفعال الجنسية غير الرضائية وغير الإيلاجية كلّها في خانة “محاولة الاغتصاب”(4). وفي العام 2014، أصدرت الدولة اللبنانية قانونًا يتناول العنف المنزلي، وأدخلت فيه “الحقّ الزوجي بالجماع”، ما يلغي بالتالي عمليًا عنصر الموافقة كشرطٍ أساسي لممارسة الجنس في الزواج، ويتجاهل ظاهرة “الاغتصاب الزاوجي”(5). علاوةً على ذلك، لا يزال قانون العقوبات اللبناني يفرّق بين الناجيات من الاغتصاب على أساس عذريتهنّ (انظر تعريف غشاء البكارة).
في المقابل، يَعتبر العاملون في المنظّمات غير الحكومية والأخصائيون الاجتماعيون أنّ هذا الواقع إنما هو إكراهٌ على الجنس بوصفه “واجبًا دينيًا” يُفرض على المرأة، حتى عندما لا توافق على ذلك.
تشارك الدولة القومية الحديثة بنشاطٍ في حماية الممارسات الجنسية لمواطنيها وتنظيم الإنجاب، مُثنيةً عادةً على العلاقات الجنسية الغيرية في إطار الزواج على حساب تجريم العلاقات غير الزوجية والعلاقات الجنسية المثلية أو الجنس المدفوع الأجر. ويتضمّن القانون اللبناني مواد كثيرة تحكم جسد المرأة، وحقّها في الإجهاض، وحقّها في الموافقة (انظر تحليل الاغتصاب بموجب القانون اللبناني في تعريف “غشاء البكارة”)، وحقّها في الرعاية الصحية الجنسية/ الإنجابية. ويجرّم القانون اللبناني كذلك ممارسة الجنس خارج إطار الزواج بموجب المادتين 487 و488(6)، وممارسة الجنس الإيلاجي المثلي/ المثلية الجنسية بموجب المادة 534، فضلًا عن تجريم استجلاب الناس إلى ممارسة الجنس خارج “الملاهي الليلية” المُرَخّصة من الدولة بموجب المواد 523 و524 و526 و528(7).