لأوّل مرّةٍ منذ تسع سنوات، يحتشد المشهد السياسي اللبناني من أجل الانتخابات. وعلى الرغم من أنّ التركيبة الإجمالية للبرلمان لم تتغيّر كثيراً، إلا أنّ الانتخابات النيابية تظهِر اختلافاتٍ ذات دلالة، إذ بلغ عدد المرشّحين المسجّلين 976 مرشّحاً، 113 منهم من النسا . وقد أتى عددٌ من المرشّحين والمرشّحات من خارج الأحزاب التقليدية والزعماء الذين لطالما هيمنوا على السياسة اللبنانية. تتناول هذه الورقة نشوء مجموعاتٍ سياسيةٍ «جديدة » عبر تتبع مسارات تسييسها والتزامها السياسي، وتتأمّل في خبراتها المتراكمة، ولاسيّما في دوائر المجتمع المدني. ومن خلال استكشاف خطاباتها وبرامجها، نجد أنّ موضوعاتها الرئيسية تدور حول مدنية الدولة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وتزويد المواطنين بالخدمات الأساسية على قدم المساواة. كما يجدر بالذكر أنّ هذه المجموعات تتشارك وجهات نظرٍ متشابهة حول الإصلاحات الاقتصادية وحول تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. لكن على الرغم من هذه المواقف المتشابهة، فقد تبيّن أنّ تشكيل القوائم الانتخابية هو تحدٍّ أفضى إلى انسحاب الكثيرٍ من المرشّحين.
هذا الموجز متاح باللغتين العربية والإنكليزية وينشر في سياق الدعوة "جديد على الساحة، هل بإمكان الجهات الفاعلة السياسية الناشئة والنساء المضي قدمًا في الإنتخابات النيابية اللبنانية لعام 2018
إطّلع/ي على الموجز للسياسات من كتابة كاثرين بتروني وماركوس هالينوس "السياسة والتقدم والبرلمان في العام 2018: هل تستطيع المرأة اللبنانية المضي قدما؟" لنقاش أكثر عمقا

ملخّص النتائج الرئيسية1
لأوّل مرّةٍ منذ تسع سنوات 2، يحتشد المشهد السياسي اللبناني من أجل الانتخابات. وعلى الرغم من أنّ التركيبة الإجمالية للبرلمان لم تتغيّر كثيراً، إ لّ أنّ الانتخابات النيابية تظهِر اختلافاتٍ ذات دلالة، إذ بلغ عدد المرشّحين المسجّلين 976 مرشّحاً، 113 منهم من النساء 3. وقد أتى عددٌ من المرشّحين والمرشّحات من خارج الأحزاب التقليدية والزعماء الذين لطالما هيمنوا على السياسة اللبنانية. تتناول هذه الورقة نشوء مجموعاتٍ سياسيةٍ «جديدة » عبر تتبع مسارات تسييسها والتزامها السياسي، وتتأمّل في خبراتها المتراكمة، ولاسيّما في دوائر المجتمع المدني. ومن خلال استكشاف خطاباتها وبرامجها، نجد أنّ موضوعاتها الرئيسية تدور حول مدنية الدولة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وتزويد المواطنين بالخدمات الأساسية على قدم المساواة. كما يجدر بالذكر أنّ هذه المجموعات تتشارك وجهات نظرٍ متشابهة حول الإصلاحات الاقتصادية وحول تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. لكن على الرغم من هذه المواقف المتشابهة، فقد تبيّن أنّ تشكيل القوائم الانتخابية هو تحدٍّ أفضى إلى انسحاب الكثيرٍ من المرشّحين.
زينة الحلو باحثة مستقلة وناشطة سياسية. حازت على شهادتي ماجستير في الصحافة والعلوم السياسية. لديه خبرة تتجاوز 18 سنة في الأبحاث المتعلقة بالانتخابات ومشاركة النساء في السياسة والتنمية المحلية. وهي خبيرة في منهجية البحث النوعي وعملت على الدوام مع المركز اللبناني للدراسات من العام 2006 وحتى اليوم.
هل «المجتمع المدني » فاعلٌ سياسيٌ جديد؟
يمكن أن يتضمن المجتمع المدني بالمعنى العريض للكلمة كلّ ما هو ليس عسكرياً أو دينياً، بما في ذلك الأحزاب السياسية وتشكيلة من الفاعلين غير الحكوميين. فقد عرّفه الدبلوماسي الفرنسي ألكسيس دوتوكفيل بأنّه يشمل «منظّماتٌ اجتماعيةٌ تطوّعيةٌ غير سياسية تعزّز الديمقراطية بحيث تمنع طغيان الأغلبية 4» . وفق دوتوكفيل، «تحمي هذه الجمعيات التنوّع وتمنع تشظّي المجتمع عبر إرغام البشر على أن يأخذوا بالحسبان شؤون الآخرين وعلى أن يعملوا مع جيرانهم 5» . في لبنان، هنالك تصوّرٌ مسبقٌ واسع الانتشار يصف المجتمع المدني اللبناني بأنّه «أحد أنشط المجتمعات المدنية في العالم العربي 6» . غير أنّ الأبحاث حول هذا المفهوم ما زالت ضئيلة في كثيرٍ من الأحيان، كما تظل مختلف أنماط المنظّمات و/أو الحركات مغفولة.
يُستخدَم مصطلح «المجتمع المدني » في لبنان على نطاقٍ واسعٍ حالياً، ولاسيّما من قبَل وسائل الإعلام اللبنانية والعربية في عرضها للأخبار المتعلّقة بالانتخابات اللبنانية، للإشارة إلى المرشّحين والمرشحات من خارج المجال السياسي السائد 7. كما يعكس استخدام هذا المصطلح الاستقطاب العمودي بين الأحزاب السياسية السائدة التي كثيراً ما يُنظر إليها بوصفها فاسدة وطائفية؛ وبين أولئك الذين يعادونها، أي القوى البديلة «الجديدة » التي يشار إليها بوصفها «المجتمع المدني »كمصطلح عام. حالياً، توصف هذه المجموعات من «المجتمع المدني » بأنّها «الآخر »، فتتمتّع بنزاهةٍ أكبر من النخبة السياسية الموجودة – التي رسّخت حكم الميليشيا من زمن الحرب لكنّها فشلت أثناء ما أُطلق عليه تسمية «السلم المدني البارد »، في أن تشفى من ممارسات زمن الحرب بسبب التقييدات في النظام السياسي وتقوقع المجموعات ضمن الانتماء الطائفي وسوء ممارسة الحكم في مرحلة بعد الحرب 8.
غير أنّ ما تُطلق عليه عادةً تسمية مجموعات أو مرشّحي «المجتمع المدني » في السباق الانتخابي القادم هم بالأحرى فاعلون سياسيون ناشئون. تعرّفهم هذه الورقة البحثية بأنّهم فاعلون أفراد يقومون بحملاتٍ انتخابية ضمن منصاّتٍ أو تحالفاتٍ جديدةٍ لم تشارك في الانتخابات السابقة في عام 2009 . يتم تعريفهم بوصفهم «جدداً » استناداً إلى ثلاثة عوامل تميّزهم عن باقي الأحزاب السياسية التقليدية: 1( هم لا يقدمون أنفسهم كجزء من أي عائلة أو طائفة أو حتّى منطقة، 2)هم يتبنّون خطاباً يستند إلى الحقوق كما أنّهم خارج شبكات الزبائنية القائمة المستندة إلى تقديم الخدمات، و 3( التزامهم السياسي لبنانيٌّ داخلي، وهم لا يزعمون أيّ انتسابٍ إلى كتلٍ إقليميةٍ أو دولية. وبهذا المعنى، هم يتباينون في خلفياتهم ومقارباتهم للسياسة، وكذلك في ممارستهم.
جديرٌ بالذكر أنّ الانتخابات الحالية قد أفسحت المجال أيضاً لظهور مرشّحين عديمي الصلة بالأحزاب أو الزعماء السائدين، لكن لا يمكن اعتبارهم جزءاً من مجموعات المجتمع المدني. وبالفعل، كثيرٌ منهم انخرطوا سابقاً في تقديم الخدمات ويبقون على خطاباتٍ تستند إلى الدوائر، تستدعي الهويات الفرعية المناطقية والطائفية في الكثيرٍ من الأحيان. فقد تمّ تسجيل 77 قائمة في وزارة الداخلية والبلديات، تضمّ 597 مرشّحاً يتنافسون على 128 مقعداً برلمانياً 9. وقد خُصصّت هذه المقاعد مسبقاً لإحدى عشرة طائفةً في 26 دائرة، لكن أعيد ترتيبها مؤخّراً بموجب القانون رقم 44 للعام 2017 لتصبح 15 دائرةً انتخابية.
بلغ عدد الناخبين اللبنانيين في لبنان والخارج الذين يحقّ لهم الإدلاء بأصواتهم بتاريخ 6 أيار/ مايو 2018 ضمن هذا النظام الجديد 3744245 ناخباً 10، وبالتالي نظرياً على الأقلّ سيساهم هؤلاء في تشكيل طبقةٍ سياسيةٍ للسنوات الأربع القادمة. على ضوء هذا الأمر، نناقش إلى أيّ مدىً يقدّم القانون الانتخابي الحاليّ فرصاً للفاعلين السياسيين «الجدد » كي يدخلوا البرلمان وما إذا كان ذلك يمكن أن يعيّن حقبةً جديدةً في الحياة السياسية اللبنانية.
ظهور فاعلين ناشئين
في العام 2005 ، وعلى أثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، انخرطت مجموعات من الناشطين الشباب في الحراكالذي يعرف بثورة الأرز. وكان هذا الانخراط بصورةٍ خاصّةٍ ضمن نوادٍ جامعيةٍ سرّية، كأفرادٍ مستقلّين أو كمناصرين للأحزابالمسيحية المحظورة. كما كان من بينهم أعضاء في مجموعة «طلّب شيوعيون »، وهي مجموعةٌ منشقّةٌ عن الحزب الشيوعي اللبناني اندمجت لاحقاً ضمن حركة اليسار الديمقراطي 11 التي قادها بصورةٍ أساسيةٍ إلياس عطا الله وسمير قصير. الكثير من الشباب الناشطين في العام 2005 هم الآن مرشّحون في الانتخابات الحالية 12. بين العامين 2005 و 2015 ، اندمج هؤلاء الأفراد تدريجياً ضمن حراك اجتماعي سياسي واجتذبوا ناشطين سياسيين واجتماعيين من داخل وخارج الأحزاب والمجموعات السائدة. وعلى الرغم من عدم ظهور شكلٍ محدّدٍ لهذا الحراك النامي حتى الآن، فقد دفع بعض المحازبين لترك أحزابهم لصالح منصاتٍ جديدة، حتّى إذا لم تكن غير واضحة المعالم. وعندما سئل المحازبون السبعة السابقون — الذين تمت مقابلتهم لأغراض هذا البحث — عن أسباب تركهم لأحزابهم، تحدّثوا جميعاً عن غياب الممارسات الديمقراطية داخل البنى الحزبية وكذلك عن عدم التوافق بين المبادئ والممارسات، أو «بين ما نقوله وما نفعله 13» كما أشار أسعد ذبيان، المرشّحعلى المقعد الدرزي في دائرة بيروت الثانية.
في العام 2015 ، تظاهر آلاف الناس في بيروت ومناطق لبنانية أخرى احتجاجاً على فشل الحكومة في الاستجابة بفعّاليةٍ لأزمة إدارة النفايات الصلبة، تلك الأزمة التي أدّت إلى تراكم آلاف الأطنان من القمامة في شوارع بيروت وضواحيها. وفي حين كان هذا الحدث حجر أساسٍ في تاريخ الحركات الاجتماعية في لبنان 14 ، فهو لم يكن مجرّد يقظةٍ مفاجئةٍ لأفرادٍ غير مسيّسين، يعبرون عن غضبهم بسبب أزمة النفايات، بل ينبغي تحليله بوصفه جزءاً من النشاط السياسي الأطول زمنياً والذي بدأ قبل العام 2005 ، والمتداخل مع موجاتٍ سابقة من الاحتجاج على ثلاثين سنةً من الاحتلال السوري للبنان. فقد نشطت مجموعاتٌ طلّبيةٌ منذ تسعينيات القرن العشرين 15 ، مع حملاتٍ مدنيةٍ من قبيل ‘بلدي بلدتي بلديّتي’ في العام 19971998-كانت تلك سابقةً بعد انتهاء الحرب الأهلية ودفعت إلى إجراء الانتخابات البلدية في وقتها آنذاك، مثلما أوضح الناشط بول أشقر 16 . بين العامين 2005 و 2018 ، يمكن التعرّف إلى ثمانية أطوارٍ رئيسية )الرسم البياني 1( بوصفها أحجار أساسٍ لنشوء فاعلين سياسيين جدد لم يظهروا إ لّ في السباق الحالي للحصول على مقاعد في البرلمان 17 .
على مدى ثلاثة عشر عاماً، التفّت حركات المجتمع المدني في الغالب حول قضايا وشؤونٍ محدّدةٍ كثيراً ما جاء ت كردود أفعالٍ على بعض الأحداث أو التقصير الحكومي، كالفشل في معالجة القضايا العاجلة أو التمسّك بالشرعية والممارسات الدستورية.
تسييس المجموعات الناشئة من المجتمع المدني
في انتخابات 2018 البرلمانية، أتى 66 مرشّحاً من مجموعات المجتمع المدني والأفراد المنتمين إليها. وقد شكّلوا قوائم في تسعة من أصل 15 دائرةً ضمن ‘تحالف كلنا وطني’. كما توجد قوائم مدنية أخرى - أي أن مرشحيها ذوي خلفية مدنية غير مرتبطة بالأحزاب التقليدية - من خارج التحالف في دوائر متعدّدة، وكذلك ناشطون سابقون كثيرون من المجتمع المدني انضمّوا إلى قوائم الأحزاب التقليدية. من أصل المرشّحين الاثني عشر الذين تمّت مقابلتهم في الجدول رقم 1، مرشّحٌ واحدٌ فقط )هاني فيّاض( لم يكن جزءاً من أيّ حملةٍ قبل العام 2015 )باستثناء حملة إسقاط النظام الطائفي(. يوضّح فيّاض ظروف تأسيس ‘بدنا نحاسب’ في العام 2015 بوصفه «تجمّعاً لما يعرف بالأحزاب الوطنية مثل حزب ‘الطليعة’ القريب من حزب البعث العراقي، وحركة الشعب بقيادة نجاح واكيم، والحزب السوري القومي الاجتماعي- الانتفاضة، ويضمّ كذلك ناشطين أفراداً معظمهم أعضاء سابقين في الحزب الشيوعي اللبناني، لمرافقة الاحتجاجات في الشارع وليكون أشبه بمنصةٍّ للحركات الشعبية 18» . أمّا بقيّة المرشّحين، فقد كانوا جميعاً أعضاء في حركات المجتمع المدني، لكنّ معظمهم لم يختبر الحياة الحزبية. كانت نعمت بدر الدين، وهي عضو سابق في الحزب الشيوعي اللبناني وعضو مؤسّس في ‘بدنا نحاسب’ ناشطةً في حركات المجتمع المدني، ولاسيّما من أجل حقوق المرأة وقانون الأحوال الشخصية. تقول: «أنا ناشطةٌ سياسيةٌ وأؤمن بتقاطعية القضايا؛ هذه القضايا مدنيةٌ بطبيعتها لكن لا يمكن أبداً حلّها خارج إطار السياسة. بهذا المعنى، نضالنا سياسيٌ بعمق»19 .
على الرغم من التباينات المهمّة في الخلفيّات السياسية للمرشّحين الاثني عشر الذين تمت مقابلتهم فإنّ معظمهم عرّفوا أنفسهم بوصفهم ينحدرون من عائلاتٍ متواضعةٍ نسبياً، من الطبقة الوسطى الدنيا والطبقة الوسطى عموماً، مع انتماءٍ قليلٍ إلى الطبقة الوسطى العليا. أسعد ذبيان استثناء، إذ يقول: «لقد اختبرت الفقر المدقع، وعشت ظروفاً بالغة الصعوبة 20» . لا ينحدر أيٌّ من المرشّحين المذكورين من عائلاتٍ ثريّةٍ أو سياسية، ولا استفادوا من رأسمالٍ اقتصادي أو اجتماعي عائلي. بهذا المعنى، المرشّحون من المجموعات السياسية الناشئة هم «أشخاصٌ عاديّون ». هم مواطنون ناضلوا للعثور على مكانهم في المجتمع اللبناني بعيداً عن الخطوط القائمة على الطائفية والقبَلية والعشائرية والميليشياوية التي احتكرت هياكل السلطة في سياسة لبنان في مرحلة ما بعد الحرب.
من بين المرشّحين الاثني عشر الذين تمت مقابلتهم ترشّح ثلاثةٌ منهم سابقاً في الانتخابات البرلمانية للعام 2013 ، قبل أن يصوّت البرلمان على التمديد لنفسه لمدّة سبعة عشر شهراً، ما أدّى إلى إلغاء الانتخابات المقرّرة. وعندما سُئل المرشّحون المستجوَبون عمّا إذا كان قرارهم بالترشّح للانتخابات في العام 2018 نابعاً أساساً من تبنّي قانونٍ جديدٍ ذو نظام تمثيلٍ نسبي، قال معظمهم بأنّهم كانوا سيترشّحون للانتخابات بصرف النظر عن القانون الانتخابي.
وعندما سُئل المرشّحون الذين تمّت مقابلتهم عن سبب ترشّحهم لانتخابات العام 2018 البرلمانية، اعتبر معظمهم بأنّ لديهم واجباً وفرصةً لأن يكونوا جزءاً من المؤسّسة المكلّفة بسنّ القوانين. يوضّح جيلبير ضومط، المرشّح عن المقعد الماروني في دائرة بيروت الأولى، قائلاً: «علينا أن ننتقل من المطالبة بالتغيير إلى تقديم هذا التغيير 21» . تقول حركة «من أجل الجمهورية »22 بأنّ ترشيح أعضائها هو طريقةٌ لحمل نشاطهم «من الشارع إلى البرلمان ». وهذا يعني بأنّ الناشطين يريدون تولّي دور صانعي السياسات والدفاع من داخل البرلمان عن القضايا التي أيّدوها كناشطين. تعتبر جوزفين زغيب أنّ «الانتخابات القادمة هي استمرارٌ طبيعيٌ للنضال الذي بدأ في العام 2015»23 . بالتالي، تحدّد نقطة التحشّد التي توفّرها الانتخابات انعطافةً رئيسيةً في كيفية مقاربة هؤلاء الأفراد للسياسة، ومرحلة من النضج السياسي لمجموعات المجتمع المدني، حيث توصّلت إلى إدراك أنّ السياسة لا تتعلّق بالاحتجاج وبمعارضة الحكومة فحسب، بل يمكن أن تكون أيضاً طريقةً لتحدّي النظام من الداخل.
الانتماء إلى فاعلي سياسيين ناشئين |
الانتماء إلى أحزاب سياسية سائدة |
اسم المرشّح |
تحالف كلنا وطني، قائمة لحقّي في دائرةالشوف عاليه |
لا انتماء حزبي سابق |
رانية غيث |
تحالف كلنا وطني، قائمة لبلدي في دائرتي بيروت الأولى والثانية |
الكتلة الوطنية |
جيلبير ضومط |
قائمة لبلدي في دائرتي بيروت الأولى والثانية |
لا انتماء حزبي سابق |
نايلة جعجع** |
قائمة مدنية في دائرة الشوف عاليه |
حركة اليسار الديمقراطي |
مارك ضوّ |
من أجل الجمهورية |
حركة اليسار الديمقراطي |
عماد بزّي** |
حزب سبعة، تحالف كلنا وطني في دائرة المتن |
مجموعات مناصري عون الجامعية، الحزب الوطني الحرّ |
فيكي الخوري زوين |
بدنا نحاسب، لائحة صوت الناس في دائرة بيروت الثانية |
الحزب الشيوعي اللبناني |
نعمت بدر الدين |
بدنا نحاسب، لائحة صوت الناس في دائرة بيروت الثانية |
الحزب القومي السوري الاجتماعي الانتفاضة |
هاني فيّاض* |
حزب الخضر، لائحة نبض المتن )الكتائب( في دائرة المتن |
لا انتماء حزبي سابق |
ندى غريب زعرور |
من أجل الجمهورية |
لا انتماء حزبي سابق / مجموعات 14 آذار الشبابية |
مروان معلوف** |
طلعت ريحتكم |
اتحاد الشباب التقدّمي |
أسعد ذبيان** |
مواطنون ومواطنات في دولة، لائحة كلنا وطني في دائرة جبيل - كسروان |
لا انتماء حزبي سابق |
جوزفين زغيب |
* هاني فيّاض هو المرشّح/ الناشط الوحيد الذي لا يزال عضواً في الحزب السوري القومي الاجتماعي- الانتفاضة، وهو فرعٌ انشقّ عن الحزب السوري القومي الاجتماعي في العام 1955 ، ويُعرَف تاريخياً باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي - عبد المسيح، ويتزعّمه حالياً الدكتور علي حيدر، وزير المصالحة الوطنية في سوريا. هذا الفرع للحزب مختلفٌ عن الحزب السوري القومي الاجتماعي الأكثر شعبيةً في لبنان، بما أنّه رفض المشاركة في نزاع العام 1958 ولم يشارك في الحرب الأهلية اللبنانية.
** لم يتمكن هؤلاء المرشحين من الانضمام إلى قوائم انتخابية، ومن ثم فقد قاموا بأسقاط ترشيحاتهم اعتبارًا من 27 آذار/مارس 2018
خطاب الفاعلين السياسيين الناشئين
في حين أنّ الفاعلين السياسيين الناشئين يأتون من خلفيّاتٍ شخصيةٍ ومهنيةٍ وسياسيةٍ متنوّعة، يبدو أنّه كانت لهم مساراتٌ سياسيةٌ متشابهة، غالباً في دوائر نشاطٍ مشتركة، مع تشاركٍ في القيم والمبادئ السياسية، مترجمةٍ في برامج سياسية وانتخابية متشابهة.
طُلب من المرشّحين الاثني عشر أن يضعوا قائمةً بالأولويات السياسية الخمس التي يعالجونها في برامجهم الانتخابية. يُظهِر الرسم البياني 2 أدناه أنّ المرشّحين الاثني عشر الذين تمت مقابلتهم لديهم وجهات نظرٍ متشابهة حول المسائل الأساسية، ولاسيّما لجهة تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي. كما أنّ لدى المرشّحين مواقف شديدة التشابه حول قضايا الإصلاح الاقتصادي، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والنمو وخلق فرص العمل. كذلك، ذكر كثيرٌ من المرشّحين الحاجة إلى التحوّل من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي. وحظيت البيئة بالأولوية لدى خمسةٍ من أصل اثني عشر مرشّحاً، جنباً إلى جنبٍ مع مبادئ وممارسات الحكم الرشيد وتعزيز المؤسسات العامة وسيادة القانون.
يظهِر الرسم البياني 2 أنّ برامج المرشّحين تدور حول أربعة مواضيع رئيسية مدنية الدولة وسيادة القانون وحقوق الإنسان وتقديم الخدمات الأساسية على قدم المساواة وهي تتوافق مع القضايا التي دافعوا عنها في السنوات التي انخرطوا فيها في المجتمع المدني. يرتبط توافقهم على تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والإصلاحات الاقتصادية الجذرية بمقاربتهم لصناعة السياسات وفهمهم للتغيير الاجتماعي في لبنان. ومثلما تقول نايلة جعجع: «ينبغي أن تمرّ نقطة الدخول لأيّ تغيّرٍ سلميٍّ في النظام السياسي اللبناني بتفكيك شبكات الزبائنية للأحزاب والزعماء، ولا يمكن فعل ذلك إ لّ إذا قدّمت مؤسسات الدولة القوية للمواطنين الخدمات الأساسية وذات الجودة الجيدة »24
لقد انتقد بعض المراقبين برامج الإصلاح الاقتصادي التي قدّمها بعض الفاعلين السياسيين الجدد 25 ، فذكروا نقصاً في إعادة النظر الشاملة للنظام الاقتصادي في لبنان. غير أنّ المرشحين والمرشحات الذين تمت مقابلتهم يظهِرون أنّ مقترحاتهم الاقتصادية تتضمّن إجراءاتٍ مهمّة، من قبيل ترميم النظام المالي والسياسة الضريبية بحيث تتضمّن ضرائب أعلى على رأس المال ومداخيل المصارف، ومراجعة خدمة الدين العام وزيادة الاستثمار الحكومي في البنية التحتية ودعم القطاعات الإنتاجية 26 . وبالتالي، فإنّ مقاربة الفاعلين السياسيين الناشئين لا تستند إلى ممارسة أفضل ضمن النظام الموجود، بل تركّز على إعادة تفكيرٍ شاملة في السياسات العامة في لبنان تتوجّه عبر ثلاثة مبادئ رئيسية: حقوق المواطنين الأساسية وحماية مصالحهم، ومدنية الدولة، وتعزيز سيادة القانون.
إضافةً إلى القضايا المحدّدة المذكورة سابقًا، طُلب من المستجوَبين تحديد موقفهم حول ستّة قضايا أخرى ضمن سلّمٍ يتراوح بين 0 و 100 ، حيث يمثّل القطبان 0 و 100 المواقف القصوى في الطرفين، كما يظهر في الرسم البياني 3 أدناه. اختيرت هذه المواضيع بسبب كونها موضع خلاف ويمكن أن تعرض تبايناتٍ مهمّةً في مواقف الفاعلين السياسيين الناشئين.
إذا ما تم تحليل هذه الرسوم البيانية على نحوٍ متصالبٍ مع السرديات التي تجمّعت أثناء المقابلات، يتبين أنّ المرشّحين الاثني عشر يبدون متوافقين على معظم القضايا في حين أنّهم جميعاً يتبنّون المواقف المستندة إلى حقوق الإنسان، المتوافقة مع خلفيّاتهم كناشطين في هذا المجال. على سبيل المثال، دعم 11 من أصل 12 مرشّحاً بالكامل حقّ المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لزوجها غير اللبناني وأبنائها، بصرف النظر عن جنسيّة الزوج الأصلية. وشرح بعضهم أنّ ذلك ينبغي أن يكون جزءاً من سياسة منح الجنسية، ليس على أساس الحالة الفردية، كما هو الحال الآن. كما دعم جميع المرشّحين حقوق المثليات والمثليين وعابري الجنس وثنائيي الجنس في الحماية والكرامة بما يتماشى مع إيمانهم بحقوق الإنسان والحرّيات الشخصية. غير أنّ كثيرين منهم كانوا متحفّظين بخصوص منح المثليات والمثليين وعابري الجنس وثنائيي الجنس الحق في الزواج وتكوين أسرة، لأنّ هذا الأمر ليس أولويةً بعد، ويجب أن يكون النضال من أجل الحقوق تدريجياً. كما أظهر المرشّحون مواقف مشابهة بخصوص مسألة اللاجئين الفلسطينيين.
بدت مسألة حزب الله أكثر المسائل خلافيةً بين المرشّحين، بتباينٍ بنسبة 50 بالمئة بين أدنى وأعلى النقاط في الموقف تجاه أسلحة حزب الله )فيكي زوين ونايلة جعجع على التتالي(. تعتبر فيكي زوين أنّ حزب الله تهديدٌ للسياسة اللبنانية لكنّها لا تدعم نزع سلاحه بالقوّة، في حين تعتبر نايلة جعجع وستّة مرشّحين آخرين حزب الله لاعباً سياسياً عظيم الأهمية، حمى لبنان ضدّ الاحتلال الاسرائيلي في السنوات الأخيرة. توافق جميع المرشّحين على ضرورة الشروع بحوارٍ طويل الأجل مع حزب الله، موافقين على أنّ أسلحة الحزب ليست السبب الرئيسي في تدهور البلاد سياسياً واقتصادياً.
أخيراً، تباينت المواقف أيضاً عندما طُرحت مسألة الحرب الأهلية والذاكرة الجماعية. فقد اعتبر بعض المرشّحين أنّه ينبغي ألّا يُطرح هذا الموضوع إلاّ بهدف حلّ مسألة الاختفاء القسري التي تطال 17 ألف شخص، في حين اعتبر كثيرون غيرهم أنّ على لبنان أن يمضي في مسار العدالة الانتقالية بشكل كامل.
على الرغم من التشابه الكبير في المواقف التي عبّر عنها المرشّحون، فإنّ عملية تشكيل اللوائح كانت شاقّة. فبين السابع والسابع والعشرين من آذار/مارس 2018 ، انخرط الناشطون والمرشّحون والناشطات والمرشحات في نقاشاتٍ حاميةٍ أحياناً حول اللوائح وبناء التحالفات 27 . ونتج عن هذه العملية العسيرة كثيرٌ من الانسحابات بسبب تعذّر تشكيل لوائح مشتركة. يشير هذا الأمر إلى فشلٍ في التصدّي لبعض التحدّيات، والتباينات الأيديولوجية الأوّلية، والتنافس بين المجموعات أو الأفراد على المقاعد، وحق النقض الذي فرضه بعض الناشطين على مرشّحين آخرين، ولاسيّما أولئك الذين لديهم خلفيّاتٌ سياسية مثل زياد عبس وبولا يعقوبيان في دائرة بيروت الأولى، وغادة عيد في دائرة الشوف عاليه.
وفي صورةٍ أكثر إيجابيةً، هذه هي المرّة الأولى التي نجح فيها نساءٌ ورجالٌ لهم خلفيةٌ مدنية ومن خارج الأحزابٍ التقليدية في تشكيل قوائم انتخابية في أغلبية الدوائر الانتخابية. وعلى الرغم من أنّهم عبّروا عن عدم سهولة الترشّح لمقاعد محدّدة بالطائفة، فقد حاولوا المناورة ضمن هذه التقييدات، هادفين إلى «إصلاح النظام من الداخل ». وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات، فإنّ ظهور هذا الجيل الجديد من الناشطين السياسيين يمثّل عصراً جديداً في النشاط والممارسة السياسية في لبنان.
الطريق إلى التجديد السياسي في لبنان
من العمل الناشط إلى الممارسة السياسية
استناداً إلى نتائج هذه الورقة، لابدّ من أن تأخذ المجموعات السياسية الناشئة موقعها وأن تلعب دورَها السياسي كما هو وتمتنع عن التشبّث بخلفياتها في المجتمع المدني كوسيلةٍ للانفصال عن الأحزاب والزعماء التقليديين. على المدى القصير، يحتاج المرشّحون إلى الإفصاح عن وضعهم الجديد كفاعلين سياسيين. أمّا على المدى البعيد، فيجب على هذه المجموعات تشكيل الحياة السياسية اللبنانية والانخراط فيها على نحوٍ كامل. يجب أن يتجاوز ذلك كونهم حشداً عديم الشكل يناهض الحكومة ليكونوا حركةً نشطةً ومنظّمةً من أجل وضع الأجندة وفرض صوتها في النقاش العام.
نحو فاعلين وبرامج أكثر نقديةً وأعلى صوتاً
يجب على المجموعات المدنية أن تكون أيضاً أكثر تعبيراً عن برامجها ومطالبها في هذه المرحلة، وأن تشرح بوضوح كّل مواقفها ومقارباتها لتجنّب الخلط وسوء الفهم. ومن أجل أن تتحدّث هذه المجموعات لغة المواطنين على نحوٍ أفضل، عليها اللجوء إلى البحث النوعي لتوجهات الرأي العام قبل الانتخابات وبعدها. أخيراً، يجب أ لّ تقع المجموعات السياسية الناشئة في فخّ النموذج التوافقي في السياسة اللبنانية، حيث ينبغي على كلّ شخصٍ أن يوافق على كلّ شيء. يجب على المجموعات المدنية الاحتفاء والبناء على ما تتوافق عليه، والاعتراف بما تختلف عليه وقبوله واحترامه
وضع مسارٍ لمزيدٍ من الإصلاحات الديمقراطية
على المستوى الوطني، سيحتاج البرلمان الجديد إلى إعادة النظر في القانون الانتخابي بهدف ضمان تمثيلٍ أفضل لمختلف المجموعات والحفاظ على المبادئ الديمقراطية في العملية الانتخابية، من حيث ضمان فرصٍ متساوية للمرشّحين. ينطبق هذا الأمر بصورةٍ أساسيةٍ على موضوع الوصول إلى وسائل الإعلام وعلى سقف الإنفاق الانتخابي. إنّ إعادة النظر في التشريع المحدّث للأحزاب السياسية يجب أن تكون أولويةً أيضاً بهدف إعادة الثقة في التحزّب وإعادة الانتظام الى الفضاء السياسي اللبناني.