يتّسم مشهد الحماية الاجتماعيّة في لبنان بالتشظّي وبطبيعته الإقصائيّة، ما يحدّ من وصول الأشخاص الأكثر ضعفاً وتهميشاً إلى شبكات الحماية، من أيّ نوع كانت. يؤثّر هذا الوضع في العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ بشكل خاصّ، لا سيّما كنتيجة للإضعاف المتزايد للعمل الذي يشهده القطاع، بالإضافة إلى عوامل أخرى أكثر بنيوية، تتلازم مع آليّات التمويل الخاصّة بالمنظّمات غير الربحية. بالتالي، غالباً ما يكون الموظّفون في قطاع المجتمع المدنيّ عاملين غير رسميّين بعقود قصيرة الأمد. ومع ذلك، يبقى العاملون بعقود ذات مدّة محدّدة أو غير محدّدة هم أيضاً في حالة إقصاء عن آليّات الحماية لأنّ منظّمات غير حكوميّة عدّة تجد صعوبة في الحفاظ على استدامتها المؤسّسيّة وتواجه تحدّيات، لا سيّما في تغطية تكاليف الحماية الاجتماعيّة لموظّفيها بالاعتماد على ميزانيّاتها الخاصّة، ما يجعل فئة العاملين هذه، المؤلّفة بنسبة كبيرة من النساء، ضعيفة للغاية.

فهم احتياجات العاملين في قطاع المجتمع المدني في لبنان على صعيد الحماية الاجتماعية
نحو تعزيز الحقوق الاجتماعية والامن للجميع
المقدّمة
يتّسم مشهد الحماية الاجتماعيّة في لبنان بالتشظّي وبطبيعته الإقصائيّة، ما يحدّ من وصول الأشخاص الأكثر ضعفاً وتهميشاً إلى شبكات الحماية، من أيّ نوع كانت. يؤثّر هذا الوضع في العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ بشكل خاصّ، لا سيّما كنتيجة للإضعاف المتزايد للعمل الذي يشهده القطاع، بالإضافة إلى عوامل أخرى أكثر بنيوية، تتلازم مع آليّات التمويل الخاصّة بالمنظّمات غير الربحية. بالتالي، غالباً ما يكون الموظّفون في قطاع المجتمع المدنيّ عاملين غير رسميّين بعقود قصيرة الأمد. ومع ذلك، يبقى العاملون بعقود ذات مدّة محدّدة أو غير محدّدة هم أيضاً في حالة إقصاء عن آليّات الحماية لأنّ منظّمات غير حكوميّة عدّة تجد صعوبة في الحفاظ على استدامتها المؤسّسيّة وتواجه تحدّيات، لا سيّما في تغطية تكاليف الحماية الاجتماعيّة لموظّفيها بالاعتماد على ميزانيّاتها الخاصّة، ما يجعل فئة العاملين هذه، المؤلّفة بنسبة كبيرة من النساء، ضعيفة للغاية.
وفي حين تتوفّر مؤلّفات كثيرة حول المجتمع المدنيّ، تبقى الأبحاث التي تتناول الحماية الاجتماعيّة أقلّ انتشاراً، لأنّها تركّز على شبكات الرعاية التي اًتحلّ محلّ الحماية الاجتماعيّة. في ظلّ استمرار النقص في الأبحاث التي تقع عند تقاطع هذين الموضوعَين، يهدف هذا البحث العمليّ المنحى إلى إعلام الممارِسين وصانعي القرار بشأن وضع الحماية الاجتماعيّة واحتياجاتها والثغرات الموجودة فيها، وذلك بالنسبة إلى العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ. يقدّم هذا البحث توصيات مستهدَفة تهدف إلى تعزيز وصول العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ إلى الحماية الاجتماعيّة.
1. 1. المنهجيّة
يعتمد هذا التقرير مقاربة بحثيّة تشاركيّة أطلقتها جهات فاعلة من قطاع المجتمع المدني 1 . تضع هذه الطريقة المشاركين في البحث في صلب عمليّة البحث وتضمن مشاركتهم في صياغة التوصيات العمليّة المنحى، كما تضمن ملكيّتهم واستيعابهم لنتائج البحث وتوصياته 2.
اعتمد هذا البحث على نهج متنوّع الأساليب، يدمج بين البيانات النوعيّة (مقابلات معمّقة ومقابلات مع المخبرين الرئيسيّين ومجموعات التركيز) والبيانات الكمّيّة (الاستبيان).
شمل العمل الميدانيّ النوعيّ خمس مناقشات جماعيّة مركّزة غطّت الأراضي اللبنانيّة وجرت خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر تموز/يوليو 2019 ، في بيروت/جبل لبنان والشمال والجنوب والبقاع وبيروت. كما اعتمدت الدراسة أيضاً على عشر مقابلات معمّقة مع أصحاب المصلحة ذوي الصلة في مجا لَ المجتمع المدنيّ والعمل. أجريت المقابلات مع المخبرين الرئيسيّين خلال النصف الأوّل من شهر آب/أغسطس، بعد المناقشات الجماعية المركّزة، وهدفت إلى تحديد الأطر والتحدّيات والفرص والأولويّات الرئيسيّة الخاصّة بالحماية الاجتماعيّة وإلى التحقّق من بعض الافتراضات والتوصيات التي طُرحَت في المناقشات الجماعيّة المركّزة باعتماد التّدقيق بالمقارنة.
بهدف استكمال البيانات النوعيّة المذكورة أعلاه، تمّ إطلاق استبيان يستهدف العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ – سواء أكانوا مستشارين مستقلّين أم عاملين مياومين أم متدرّبين/متطوّعين أم أعضاء بدوام جزئيّ أو كامل في طاقم العمل. امتدّت فترة جمع البيانات بين 16 تموز/يوليو و 7 آب/أغسطس 2019 . تمّ جمع الإجابات عبر الإنترنت بعد نشر الاستبيان على نطاق واسع عبر الوسائل التالية: رسائل البريد الإلكترونيّ المستهدَفة بين الشبكات والمعارف، لا سيّما شبكة «عملي، حقوقي! 3» ونُشر الاستبيان على موقع «دليل مدني »، وهو شبكة المجتمع المدنيّ في لبنان 4، كما نُشر على نحوٍ مكثّف عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، بالإضافة إلى مكالمات هاتفيّة مع أكثر من ١٤٠ مجيباً يمثّلون عيّنة متنوّعة من مختلف المناطق اللبنانيّة.
٢. ١. المشاركون في البحث
انطوت مجموعات التركيز على مشاركة موظّفين في قطاع المجتمع المدنيّ، واستهدفت مناقشة جماعيّة مركّزة واحدة أفراداً يشغلون مناصب في الإدارة التنفيذيّة لمنظّمات في بيروت/جبل لبنان. تمّ تحديد المشاركين في مجموعات التركيز عبر قائمة معارف أساسيّة في كلّ منطقة عن طريق منظّمات غير حكوميّة محلّيّة وتمّ الاعتماد على الأثر التراكميّ. تمّ اختيار 31 مشارِكاً للحضور في مجموعات التركيز لأغراض الدراسة. تمّ ضمان التعدّديّة في ما يخصّ النوع الاجتماعيّ والفئات العمريّة وأنواع المنظّمات غير الحكوميّة (محلّيّة ودوليّة) وسنوات الخبرة ونوع العقد والجنسيّات (كان المشاركون بغالبيّتهم لبنانيّين، مع شخص فلسطينيّ وشخص سوريّ وشخصَين مزدوجَي الجنسيّة وشخص فرنسيّ وشخص من دون جنسيّة). بالإضافة إلى ذلك، شاركَ شخصان من ذوي الإعاقات الجسديّة في مجموعات ال تّكيز.
شملت قائمة أصحاب المصلحة ذات الصلة في مجا لَ المجتمع المدنيّ والعمل من أجل المقابلات مع المخبرين الرئيسيّين منظّمات غير حكوميّة محلّيّة ودوليّة ووزارة العمل والصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ ومنظّمة العمل الدوليّة وصندوقاً تعاضديّاً وجهة مانحة. إ لّ أنّ الجهة المانحة المعنيّة رفضت إجراء المقابلة، بعد حديث مع إدارتها، واكتفت بالتأكيد على التزامها ب”احترام القانون اللبنانيّ”.
وصل العدد النهائيّ للمجيبين عن الاستبيان إلى 373 مجيباً، ما يشكّل عيّنة من العاملين في مختلف المنظّمات في قطاع المجتمع المدنيّ، ولكنّ أبرزهم يعمل في منظّمات المجتمع المدنيّ المحلّيّة ( 61,9 %) ومنظّمات المجتمع المدنيّ الدوليّة ( %33,6 ). توزّعت هذه المنظّمات بشكل متساوٍ نسبيّاً من جهة الحجم، بناءً على عدد الموظّفين (كما هو مب يَّ في الرسم البيانيّ 1 أدناه). تسلّط هذه النتائج الضوء على التفاوت الكبير والهوّة في حجم منظّمات المجتمع المدنيّ، إذا إنّ %21 منها تضمّ أقلّ من 10 موظّفين و 20 % أكثر من 150 موظّفاً.
مع ذلك، تجدر الإشارة هنا إلى أنّ منظّمات المجتمع المدنيّ المحلّيّة والدوليّة، وفي حين أنّ أحجامها تميل إلى التشابه، تبقى متعارضة ومختلفة كلّ الاختلاف كلّما انخفض عدد الموظّفين، كما تميل منظّمات المجتمع المدنيّ المحلّيّة إلى أن تكون أصغر حجماً من منظّمات المجتمع المدنيّ الدوليّة. قد يُنسَب ذلك إلى توفّر التمويل أو إلى استدامة عمل المنظّمة. قد يرتبط ذلك أيضاً بحرّيّة تأليف الجمعيّات في لبنان والسهولة النسبيّة في تأسيس منظّمات غير حكوميّة محلّية 5.
تعكس عيّنة المجيبين وضع العاملين في هذا القطاع، مع أغلبيّة نسائيّة ( 58 %) وأغلبيّة عاملين تتراوح أعمارهم بين 25 و 44 سنة ( 64 %)، ما يؤكّد افتراضات اعتماد المجتمع المدنيّ بشكل كبير على قوّة عاملة شابّة مؤلّفة بشكل رئيسيّ من النساء. كان المجيبون بغالبيّتهم لبنانيّين ( 85 %). وهذه نسبة مفهومة نظراً إلى حملة الإجراءات الصارمة المطبّقة حاليّاً على العمّل الأجانب التي قادتها وزارة العمل في شهر حزيران/يونيو 2019 ، كجزء من سياستها ضدّ “العمالة الأجنبيّة غير القانونيّة”، وهي سياسة يُحتمَل أن تكون قد ساهمت في نشر الخوف من مشاركة الطبقة العاملة الأجنبيّة في دراسات مماثلة. يمكن اعتبار هذه الحملة وعواقبها مؤ شّاً على نقص الحماية الاجتماعيّة المتوفّرة للعاملين الأجانب، لا سيّما في قطاع المجتمع المدنيّ وفي لبنان بشكل عامّ.
أخيراً، هدفَ استبياننا إلى جمع إجابات العاملين من مختلف المناصب، من أجل فهم حاجات كافّة العاملين وأوضاعهم. بالتالي، شغلت غالبيّة 43 % من المجيبين مناصب غير إداريّة )كالمساعدين الاجتماعيّين والمساعدين الميدانيّين( و 34 % منهم شغلوا مناصب إداريّة متوسّطة )كمدير مشروع( و 23 % شغلوا مناصب تنفيذيّة وإداريّة عليا )كرؤساء أقسام ومديرين، إلخ.(.
بالتالي، على الرغم من أنّ الاستبيان ليس شاملاً، من الممكن اعتبار أنّه يصوّر بفعاليّة لمحة عامّة عن العاملين في هذا القطاع.
حماية اجتماعيّة هجينة: تجزئة وخصخصة وعمل خيريّ
١. ٢. فهم الأنظمة الوطنيّة للضمان الاجتماعيّ
إنّ خطط الحماية الاجتماعيّة في لبنان مجزّأة لا تغطّي كافّة فئات الأشخاص.
في الإجمال، تُصنَّف أنظمة الحماية الاجتماعيّة الوطنيّة في أنواع تستند بشكل أساسيّ إلى هيكلية مؤسّساتها ومدى التغطية التي توفّرها.
بشكل عامّ، يمكن التمييز بين الأنواع الرئيسيّة التالية:
النموذج البسماركيّ، المسمّى باسم المستشار الألمانيّ أوتّو فون بسمارك ) Otto von Bismarck ( الذي مهّد الطريق لنظام تأمين اجتماعيّ عندما قدّم التأمين الصحيّ القانونيّ في ألمانيا )سنة 1883 (. هدف نظام الحماية الاجتماعيّة هذا في البدء إلى الردّ على التنظيم الناشئ للطبقة العاملة من خلال تأمين العمّل ضدّ المخاطر المتعلّقة بالعمل )لونغنيس وكاتوس ودسترمو 2005 ،Longuenesse, Catusse, Destremeau (. يتميّز النظام البسماركيّ بالنقاط الثلاث التالية: الأشخاص المؤمّن عليهم هم الموظّفون؛ والتمويل يتمّ عبر مساهمات تُحتسَب على أساس الدخل؛ والمساهمات المستحقّة تستند إلى الرواتب أو الأجور.
يتّصف هذا النموذج بنزعة عائليّة أخلاقيّة قويّة: يكون الرجل، ربّ الأسرة، هو مصدر الحماية الاجتماعيّة وتكون الزوجة والأولاد المستفيدين من حقوق مكتسبة باعتبارهم أصحاب حقوق )لونغنيس وكاتوس ودسترمو 2005 ،Longuenesse, Catusse, Destremeau (.
النموذج البيفيريدجيّ، المسمّى باسم وليَم هنري بيفيريدج ) William Henry Beveridge ( الذي قدّم سنة ١٩٤٢ تقريراً شاملاً إلى البرلمان البريطانيّ بشأن السياسة الاجتماعيّة. يهدف هذا النموذج إلى تغطية كافّة السكّان ضدّ كافّة المخاطر الاجتماعيّة، بما في ذلك البطالة. في هذا النموذج، يستند حقّ الفرد في الضمان الاجتماعيّ إلى المواطنة الاجتماعيّة وتكون المنافع متماثلة للجميع. يتميّز هذا النموذج بما يلي: يشمل كافّة السكّان؛ ويتمّ تمويله بشكل أساسيّ من موازنة الدولة من خلال جباية الضرائب؛ ويستوجب مساهمات مقطوعة موحّدة. يمكن التمييز بين متغيَّين للنموذج البيفيريدجيّ. من جهة، المفهوم الليبراليّ الذي يطمح إلى مكافحة الفقر والبطالةبطريقة محدّدة الأهداف، مع حدّ أدنى من تدخّل الدولة الذي يكون شديد الانتقائيّة. ومن جهة أخرى، المفهوم الاجتماعيّ-الديمقراطيّ، المسمّى أيضاً “الإسكندنافي” والذي يتميّز بطموحاته الشموليّة ويهدف إلى توفير الدخل للجميع من أجل تقليص التفاوتات من خلال إعادة التوزيع. في النموذج الأخير، توفر الدولة التمويل وتنظّم خدمات الرفاه الاجتماعيّ لكافّة المواطنين مدى الحياة )لونغنيس وكاتوس ودسترمو , Longuenesse, Catusse 2005 ،Destremeau (.
وقد أضاف الباحثون الأكاديميون فئة رابعة تبتعد عن نزعة المركزية الأوروبية المهيمنة في الفئات المذكورة أعلاه، وهي النموذج الوراثيّ. ينطوي هذا النّموذج على نظام أبويّ قد يشمل نزعات توتاليتاريّة. يوازي شكله المتطرّف النّموذج القائم على الريع الخاصّ بدول الخليج النفطيّة؛ ومع أنّه يشبه ما يُسمّى بالنوع الإسكندنافي، فهو لا يستند إلى عقد اجتماعيّ ويفتقر إلى أيّ شكل رسميّ من أشكال الديمقراطيّة. من أهمّ خصائصه: يحصل على تمويلٍ من الدولة وفيه يستفيد المواطنون من الوصول الشامل إلى المنافع، وهو نظام تمييزيّ لأنّه يستثني غير المواطنين وفي بعض الأحيان، يكون الوصول إليه محظوراً على فئات المواطنين غير المؤهّلين )على سبيل المثال، البدون في الكويت))دسترمو Destremeau وأبي ياغي، 2007 (.
وفي حين يُعَدّ هذا التصنيف دقيقاً من أجل فهم النماذج والخطط، فإنّ الواقع يُظهر أنّ الأنظمة الوطنيّة للضمانالاجتماعيّ هي كلّها بشكل عامّ أشكال هجينة من النماذج المذكورة أعلاه )دسترمو ولوتييه ، Destremeau, Lautier 2003 (. ستعرض الفقرة التالية الخطط الوطنيّة للضمان الاجتماعيّ، بالإضافة إلى مشهد أوسع يشمل الحماية الاجتماعيّة في لبنان.
2. 2. نموذج تقييديّ ومجزّأ في لبنان
لم تكن “جمهوريّة لبنان التجاريّة” )غايتس 1998 ،Gates (، المتميّزة بسياسة عدم التدخّل الاقتصاديّ، دولة اجتماعيّة أبداً. فسياسة لبنان الاقتصاديّة مبنيّة حول قطاعَي التجارة والمصارف، مع مؤسّسات متواضعة للصحّة العامّة والتعليم ونزعة “تخلٍّ” )هيبو 1999 ،Hibou ( معمّمة عن المسؤوليّات والخدمات الاجتماعيّة التي تتحمّلها مؤسّسات خاصّة وسيطة، وذلك منذ تأسيس الدولة اللبنانيّة )كاتوس 2009 ،Catusse (.
غالباً ما يتمّ تعريف الجنرال فؤاد شهاب الذي تولّ رئاسة الجمهوريّة بين العامَين 1958 و 1964 بأنّه مُطلق سياسات التنمية في لبنان، لا سيّما النظام اللبنانيّ للحماية الاجتماعيّة. تأثّر بالأفكار ذات النزعة الإنمائيّة للأب الدومينيكانيّ ل. ج. لبريت ) L. J. Lebret (، مدير المعهد الدوليّ للأبحاث والتنشئة في التعليم والتنمية )IRFED ( ومدير بعثة للدراسة والبحث )لبريت 1961-1960 ،Lebret (، حيث أطلق سياسة لإعادة التوزيع الاجتماعيّ والتنمية الإقليميّة، بما في ذلك تأسيس الجامعة الرسميّة الوطنيّة الأولى وتطوير شبكة النقل العامّ ومضاعفة حجم شبكة المستشفيات العامّة، إلخ. )كاتوس 2009 ،Catusse (.
استوحي نظام الحماية الاجتماعيّة الذي تمّ إطلاقه آنذاك من النموذج البسماركيّ. فهو مجزّأ بين صناديق عدّة، أكبرها الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ الذي تمّ تأسيسه سنة 1963 . يوفّر الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ بشكل أساسيّ تعويضات نهاية الخدمة ومخصّصات اجتماعيّة وتغطية صحيّة للموظّفين في القطاع الخاصّ 6.
تمّ إنشاء صندوقَين منفصلَين لموظّفي الخدمة المدنيّة:
1) تعاونيّة موظّفي الدولة التي تأسّست سنة 1963 وتقدّم منافع أكثر سخاءً للمنتسبين إليها بالمقارنة مع الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ،
2) يستفيد العسكريّون من تعاونيّات وخطط معاشات تقاعديّة خاصّة بهم.
بالإضافة إلى هذه الصناديق الوطنيّة، أنشأت نقابات مهن حرّة كالمحامين والمهندسين والأطبّاء والصيادلة وغيرهم خططاً خاصّة عدّة للحماية الاجتماعيّة. وهي تختلف من جهة المنافع، ولكنّها توفّر كلّها التغطية الصحيّة والمعاشات التقاعديّة. تقدّم شركات تأمين خاصّة أخرى التغطية الصحيّة أيضاً )ملكي، 2000 (، متّبعة خططاً وبرامج مختلفة ترتفع أسعارها بالتناسب مع الخدمات التي توفّرها.
أخيراً وليس آخراً، يقدّم عدد كبير من المبادرات التشاركيّة والتضامنيّة الخيريّة أيضاً الحماية الاجتماعيّة للمجتمعات الأكثر ضعفاً. ففي حين ازدهرت المنظّمات غير الحكوميّة “الإنمائيّة” خلال مدّة ولاية فؤاد شهاب، ضمن إطار خطّة إنمائيّة وضَعها مكتب التنمية والرفاه الاجتماعيّ، دعمت وزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة التي تأسّست سنة 1952 أعمالاً خيريّة عدّة )كاتوس 2009 ،Catusse (. وشهد لبنان في فترة ما بعد الحرب هيمنة خدمات اجتماعيّة تقدّمها الجمعيّات أو الأحزاب، ما كرّس نموذج عمل خيريّاً يستند بالدرجة الأولى إلى الانتماءات ومنطق العلاقات الزبائنيّة )أبي ياغي، 2014 (.
باختصار، يتوقّف نظام الحماية الاجتماعيّة في لبنان مباشرة على ممارسة عمل أو وظيفة رسميّة، وهو ينتهي عادةً عند التقاعد.7
تماماً كما هي الحال في أنظمة بسماركيّة مقيَّدة أخرى، بالكاد تصل تغطية النظام الإلزامي إلى شريحة واحدة من السكّان. وبينما يلزِم القانون كافّة أرباب العمل بأن يسجّلوا موظّفيهم في الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ، يتجنّب كثيرون منهم التصريح عن العاملين لديهم. كنتيجة لذلك، تفيد أرقام حديثة أنّ نصف القوى العاملة في لبنان تقريباً لا تستفيد من أيّ شبكة أمان اجتماعيّ )نسناس وآخرون، 2007 (، باستثناء قدر قليل من التغطيّة الصحيّة، تقدّمه وزارة الصحّة العامّة في بعض الحالات 8. وتبقى شبكات الأمان العامّة، الخاصّة بالسكّان الأكثر ضعفاً والمسنّين وذوي الإعاقات والعاطلين عن العمل، متواضعة جدّاً.
القطاع العام هو من يقوم بشكلٍ كبير بتمويل نظام الرعاية الصحيّة 9، وتبقى جودة هذا النظام غير مُرضية نسبيّاً عند الحديث عن المستشفيات العامّة، ما يؤدّي إلى توجّه الأشخاص المقتدرين مادّياً نحو بُنى خاصّة – مكلفة – في حين أنّ الدولة تموّلهم. إنّ شرائح كبيرة من مجموعات العمّل الأكثر ضعفاً، بالإضافة إلى اليد العاملة الأجنبيّة من العمّل غير الرسميّين، تتمتّع بتغطية جزئيّة أو تفتقر للتغطية أو لا تدرك وجود منافع الحماية الاجتماعيّة التي يحقّ لها الحصول عليها. يتحمّل القطاع الخاصّ أو الأفراد أو الأسر أو المنظّمات أو أرباب العمل عبء النفقات، ما يغذّي بشكل مباشر ممارسات الرعاية.
ضمن هذا السياق من الحماية الاجتماعيّة المجزّأة والمحدودة، يجد القطاع غير الحكوميّ نفسه كأحد موفّري الحماية الاجتماعيّة الرئيسيّين )كاتوس 2009 ،Catusse(. بعيداً عن ديناميّات الرعاية والتبعيّة التي يمكن أن ينطوي عليها ذلك والتي لطالما استرعت انتباه الباحثين والممارسين، يبرهن النظر إلى ظروف العمل واحتياجات الأفراد العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ على صعيد الحماية الاجتماعيّة )أو انعدامها( على تب صّه. فهو يسلّط الضوء على ظروف العمل في أحد أكثر قطاعات التوظيف ديناميّة في البلد 10 من جهة، وعلى الاختلالات الهيكليّة والديناميّات الإقصائيّة التي يحملها من جهة أخرى.
العمل وهشاشة الحماية الاجتماعيّة ف ي مجال المجتمع المدنيّ
نظر البحث حول العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ بشكل أساسيّ إلى “مهننة” )دوفين وسيميان، 2002 ( “خبراء عابرين للحدود من الطبقة المتوسّطة” )إسكوبار )xvi :2012 (، غالباً ما يعملون كمغتربين في مناصب متوسّطة المستوى وإداريّة بشكل عامّ. مؤخّراً، بدأت المنشورات بشأن “قطاع المعونات” تتطرّق إلى أبحاث حول الصحّة العقليّة للمهنيّين في مجال التنمية )بينيت وإربرتس، 2015 ؛ إركسون وآخرون، 2013 ( وموظّفي المعونة وشعورهم بعدم الأمان )فتشر وهندمان، 2001 ؛ شنيكر، 2016 (. وقد أُجريت أيضاً أبحاث حول الموظّفين “الميدانيّين” المحلّيين في منظّمات دوليّة حكوميّة أو غير حكوميّة )كوربس أونغ وكومبينيدو، 2017 (، مسلّطةً الضوء على ثانويّة وهشاشة العمالة المحلّية في قطاع المعونات العالميّة )باسكوتشي، 2019 (. وبينما تقدّم هذه المساهمات أفكاراً معمّقة قيّمة، تركّز بشكل أساسيّ على الجهات الفاعلة في المجتمع المدنيّ من “عالم الشمال” ونقل عمليّاتها إلى مواقع ميدانيّة في الخارج، بشكل أساسيّ في “عالم الجنوب”، ولا تعكس تماماً واقع القطاع في سياق كلبنان.
في الواقع، يعود القطاع “المدنيّ” في لبنان إلى حقبة النهضة في القرن التاسع عشر )كرم، 2006 ( ويسبق الشكلَ “الحديث” لما أصبحت عليه الدولة اللبنانيّة سنة 1943 . مع غياب أرقام دقيقة تب يّ عدد الجهات الفاعلة في المجتمع المدنيّ العاملة في لبنان اليوم، تشير الدراسات النوعيّة إلى أنّه تمّ تسجيل 250 منظّمة غير حكوميّة جديدة تقريباً سنويّاً في التسعينيات )كرم، 2006 ( بينما تسجّل مستودعات البيانات الوطنيّة مستويات ذروة لمبادرات جديدة بعد الأزمات الإنسانيّة المتكرّرة.
تُظهر بيانات من موقع “دليل مدني” أنّ الجهات الفاعلة في المجتمع المدنيّ في لبنان تغطّي مجموعة واسعة من مجالات التدخّل والمواضيع المتراوحة بين المعونة المباشرة والمساعدة في أوقات الحرب والأزمات والتنمية الطويلة الأمد )كرم، 2006 ؛ مغنيّة، دعم لبنان، 2016 ( 11.
في سياق ركود اقتصاديّ شديد منذ نصف التسعينات )رمضان، 2000 ( وتحرير اقتصاديّ شديد ودين عامّ مرتفع ونسب بطالة مرتفعة وعمالة هشّة وموسميّة ومؤقّتة)نسناس وآخرون، 2007 ، الصفحة 36 (، يبدو أنّ قطاع المجتمع المدنيّ يلعب دور العدسة المكبّة التي تسلّط الضوء على اختلالات هيكليّة داخل سوق العمل بشكل عامّ، حيث الخطوط الفاصلة بين العمل الرسميّ وغير الرسميّ ليست واضحة.
١. ٣. الاستمرارية بين القطاع الرسميّ والقطاع غير الرسميّ
في حين يُعتبر العمل في قطاع المجتمع المدنيّ في غالبيّة الأحيان وبشكل متزايد مَخرجاً من البطالة، يبقى هشّاً ويشدّد بعضهم على عدم اليقين الذي بات متأصّلاً في هذا القطاع الذي يعتمد على جهود جمع الأموال والأزمات التي تنشأ والمشاريع المتوفّرة.
تُظهر بيانات من موقع “دليل مدني” أنّ منظّمات المجتمع المدنيّ الدوليّة والمحليّة ووكالات الأمم المتّحدة وغيرها نشرت وسطياً 437 فرصة عمل شهريّاً في سنة 2018 )أكثر من 5250 فرصة عمل في تلك السّنة(. كانت الوظائف المُعلن عنها بغالبيّتها ذات دوام كامل ) 73 %( بنما كانت نسبة 13 % منها استشاريّة و 8% منها ذات دوام جزئيّ – وهذه الاتجاهات تتماشى مع نتائج استبياننا، إذ إنّ 65 % من المجيبين موظّفون بدوام كامل. لا شكّ في أنّ قطاع المجتمع المدنيّ يُعتبر مشغِّلاً اًمهمًّ في لبنان.
على الرغم من أنّ قطاع المجتمع المدنيّ يُعلن بشكل أساسيّ عن وظائف بدوام كامل، إ لّ أنّ القاء نظرة عن كثب إلى أنواع العقود يشير إلى أنّ هذه الوظائف ليست كلّها آمنة وطويلة الأمد. في الواقع، وكما هو مب يَّ في الرسم البيانيّ أدناه، 32 % من المجيبين يعملون بعقود محدّدة المدّة، غالباً ما تكون مرتبطة بتنفيذ المشروع. يتماشى إضعاف العمل هذا مع اتّجاه عالميّ يؤثّر في العمّل المحليّين والدوليّين )فتشر وهندمان، 2011 (.
إنّ قابليّة تجديد مثل هذه الوظائف تتوقّف على استكمال المشاريع، ما يجعل ضمان المحافظة على وظيفة كهذه في القطاع أمراً ضبابيّاً. فقد تمّ تجديد عقود العمل ل 14 % فقط من المجيبين خلال السنتَين الأخيرتَين أو أكثر. كما وضّح عدد من المشاركين في البحث كيف حصلوا على عقود استشارة متتالية في منظّمات غير حكوميّة عدّة خلال السنوات القليلة الماضية، محاولين الخروج من دوّامة العمل غير الرسميّ والهشّ ولكن من دون جدوى. بالإضافة إلى أنّ التجديد المتتالي لعقود محدّدة المدّة بدلاً من العقود المفتوحة يساهم في تكريس نوع من العمل غير الرسميّ وغير المسقرّ. وقد قال مجيبون عدّة في مجموعات التركيز إنّهم عملوا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من دون عقد، وهذا مثال آخر عن العمل غير الرسميّ.
علاوة على ذلك، يعتمد القطاع على عدد كبير من المتطوّعين والمتدرّبين )تنتمي نسبة 22 % من المجيبين إلى هاتين الفئتَين(، وبعضهم يعملون بدوام كامل. وعلى الرغم من أنّ التطوّع والتدريب يسمحان بإعداد جيل من المهنيّين أصغر سنّاً وبتنشئتهم الاجتماعيّة، إ لّ أنّهما تحوّلا إلى شكل من أشكال العمالة الخفيّة.
وفي حين من المفترض أن تسعى فرص مماثلة إلى استهداف الشبّان والشابّات المتخرّجين حديثاً بشكل أساسيّ، فإنّها تتحوّل أكثر فأكثر إلى أشكال روتينيّة لترتيبات عمل تسمح لأرباب العمل في قطاع المجتمع المدنيّ بعدم التصريح عن المتعاونين على النحو الواجب وبتشغيل يد عاملة أجنبيّة، لا سيّما مؤخّراً مع تنفيذ سياسة وزارة العمل الحديثة ضدّ “العمالة الأجنبيّة غير القانونيّة” في شهر حزيران/يونيو 2019 ، ما أدّى إلى تطبيق إجراءات صارمة على أماكن العمل التي تشغّل أفراداً سوريّين و/أو فلسطينيّين على وجه الخصوص.
مع ذلك، يبقى التطوّع بالنّسبة إلى الكثير من المجيبين مرتبطاً بالتزامهم في المجتمع المدنيّ، وهو التزام يتخطّى الاعتبارات الماليّة:
بصفتنا متطوّعين، غالباً ما ندفع بأنفسنا تكلفة النّشاطات التي ننفذها. ونحن نفعل ذلك لننمو، وبالنسبة إلينا، هذه طريقة لضمان المواطنة الفعّالة وقيمنا. وسط مجتمع مدنيّ شديد المهننة، حيث يؤدّي الجميع ذلك كجزء من عمله، من المهمّ أن نحافظ على روح التطوّع وانخراط الجمهور.
)امرأة تعمل في منظّمة للمجتمع المدنيّ في البقاع، مجموعة التركيز بتاريخ6 تموز/يوليو 2019 في شتورا(
مع ذلك، أشار عدد من المجيبين الذين يشغلون مناصب تطوّعيّة إلى أنّهم يتقاضون أجراً على شكل بدلات يوميّة بدلاً من أجور رسميّة. ينطبق ذلك بشكل أساسيّ على العاملين غير اللبنانيّين وهذه طريقة للتحايل على صعوبات تأم ن تصاريح العمل للعاملين الأجانب، بما في ذلك “المغتربين”. تذهب نتائجنا أبعد من المواجهة الثنائيّة الزائفة بين ما يُعتبر رسميّاً وغير رسميّ لتؤكّد على فكرة الاستمرارية بين الأنشطة الرسميّة وغير الرسميّة )دسترمو وأبي ياغي، 2007 (.
بالتالي، يوضح العمل في قطاع المجتمع المدنيّ تشكيلة واسعة من “ترتيبات” العمل. يقع بعضها في الجهة الرسميّة للعمل ويستفيد من مجموعة تقديمات من الضمان الاجتماعيّ ومنافع وحزم عمل ملائمة بالإضافة إلى تأمين خاصّ. ولكنّ الاستمرارية من العمل الرّسميّ إلى العمل غير الرّسميّ موجودة حتّى في العقود الرّسميّة: يستفيد المديرون أو العمّل الموظّفون رسميّاً من بعض عناصر الحماية الاجتماعيّة )تأمين خاصّ وعقود عمل وخطط تقاعد خاصّة، إلخ.( بينما يفتقرون إلى أخرى )الضّمان الاجتماعيّ بشكل أساسيّ(. وفي جهة العمل الأقلّ رسميّةً حيث العاملون هم الأكثر ضعفاً والأقلّ حمايةً، نجد أعداداً أكبر بكثير من الأشخاص العاملين لحسابهم )كالسّائقين أو المستشارين(. علاوة على ذلك، كلّما اقترب أحدهم من الجهة غير الرّسميّة من الاستمرارية، زاد احتمال أن يجد نساء يعملنَ بأجور أدنى لأنّ القطاع يعتمد على العمل الجندريّ “الخفيّ” لا سيّما العمل المنزليّ وتقديم الرّعاية، ضمن نظرة تنمِّط النساء ك”مقدّمات للرعاية”، ما يجعلهنّ ضعيفات يفتقرنَ إلى الحماية )داليا متري، دعم لبنان، 2015 (.
علاوة على ذلك، عبّ مجيبون عدّة عن عنصر خفيّ – وغير مأجور – للعمل في منظّمات المجتمع المدنيّ: الرّعاية أو العمل العاطفيّ. شدّدت نساء كثيرات يعملنَ في منظّمات محلّيّة على القيمة التي تُعطى للالتزام و”السخاء”، لا سيّما في المنظّمات التي تكون إمّا خيريّة أو مستندة إلى توفير خدمة.
على نحو مشابه، صرّح عاملون محلّيّون موظّفون في منظّمات دوليّة أنّه وعلى الرّغم من توظيفهم بشكل أساسيّ من أجل معرفتهم السّياقيّة، كثيراً ما يحتاج موقعهم كصلة وصل بين منظّمتهم )الأجنبيّة( و”المستفيدين” الذين يعملون معهم إلى “حشد وإدارة المجال العاطفيّ لدى العاملين وممارسات الرّعاية، غير المعترَف بهما جزئيّاً وغير المؤمَّن عليهما في أغلب الأحيان” )باسكوتشي، 2019 (.
تسلّط هذه النّتائج الضّوء على إعادة إنتاج ديناميّات القوى في قطاع المجتمع المدنيّ.
٢. ٣. حماية ضئيلة وإعادة إنتاج وديناميّات إقصائيّة
بعيداً عن الافتراض المعياريّ لدور المجتمع المدنيّ في المساهمة في إرساء الدّيمقراطيّة والإصلاح، تصوّر نتائجنا كيف يمكن أن يساهم المجتمع المدنيّ في كثير من الأحيان في إعادة إنتاج ديناميّات القوى، وبالتّالي المحافظة على الأوضاع الرّاهنة. يتألّف القطاع من مجموعة متنوّعة من الجهات الفاعلة، مع مجموعة متنوّعة بالقدر عينه من الموارد المتوفّرة ومقاربات العمل، وهو يعيد عمليّاً إنتاج ديناميّات جندريّة وطبقيّة ومواقف استعماريّة، إلخ. وقد أشار عدد من المجيبين في مجموعة ال تّكيز إلى تفاوتات في حزم العمل والوصول إلى المنافع ليس فحسب بين المنظّمات الدّوليّة والمحلّيّة ولكن داخل المنظّمات عينها أيضاً.
على وجه الخصوص، هذا ما عبّ عنه مجيبون يعملون في منظّمات غير حكوميّة دوليّة في حديثهم عن الاختلافات بالمقارنة مع زملائهم “المغتربين”.
تختلف المنافع الاجتماعيّة بين المنظّمات غير الحكوميّة المحلّيّة والدّوليّة [...]، أنا أعمل مع منظّمة دوليّة تقدّم لي الضّمان الاجتماعيّ والرّعاية الصّحّيّة ومخصّصات الأمومة وتعويضات نهاية الخدمة ومخصّصات الأبوّة أيضاً. يقدّمون لي أكثر ممّ يتطلّبه قانون العمل اللّبنانيّ.
(رجل يعمل في منظّمة دوليّة للمجتمع المدنيّ في البقاع، مجموعة ال تّكيز بتاريخ 6 تموز/يوليو 2019 في شتورا).
أشغل منصباً ارفيعاً في المنظّمة الدّوليّة عينها منذ بضع سنوات؛ وعلى الرّغم من أنّني أحبّ عملي وما نقوم به، استنتجتُ أنّنا لن نحصل أبداً على المنافع التي يحصل عليها زملائي المغتربون. لا أتكلّم عن الفروقات في الرّواتب؛ أتفهّم التّكلفة الإضافيّة للاغتراب، ولكنّ بعض الأمور غير عادلة.
(امرأة تعمل في منظّمة دوليّة للمجتمع المدنيّ في بيروت، مقابلة بتاريخ16 تموز/يوليو 2019 في بيروت).
في المناقشات الجماعيّة المركّزة، تمّ التّشديد على اتّجاه أكثر وضوحاً وهو التّفاوت بين المنظّمات غير الحكوميّة القائمة على المشاريع (سواء أكانت محلّيّة أو دوليّة) – لا سيّما تلك التي تستجيب للأزمة السّوريّة حيث التوظيف غير مستقرّ بحسب ما أفادت به المعلومات – ومنظّمات غير حكوميّة أخرى حيث الرّواتب منخفضة ولكنّ التوظيف والتّمويل أكثر استقراراً.
على وجه الخصوص، تحدّثت النّساء عن ديناميّات أبويّة في أماكن عملهنّ. وما يثير الاهتمام هو تشديدهنّ على أنّ هذه الممارسات لا تصدر بطريقة ممنهجة عن الرّجال، ما يؤكّد على أبحاث سابقة لا سيّما في منظّمات تُعنى بالمرأة (سلامة، 2014 ؛ أبي ياغي، 2016 ). يبدو أنّ نتائج الاستبيان الكمّيّة تثبت صحّة هذه النّتائج النّوعيّة: 54 % فقط من المجيبين يعتبرون أنّ منظّماتهم توفّر منافع متساوية لكافّة موظّفيها بغضّ النّظر عن نوعهم الاجتماعيّ/هويّتهم الجنسيّة، بينما 23 % ليسوا متأكّدين تماماً.
بمعزل عن هذه الديناميّات، تشاطرَ كافّة المجيبين فكرة أنّ الحماية الاجتماعيّة للعاملين في قطاع المجتمع المدنيّ لا تزال جزئيّة ومجزّأة وغير كافية. 49 % من المجيبين مسجّلون رسميّاً في الصّندوق الوطنيّ للضّمان الاجتماعيّ. مع ذلك، %65,7 فقط من هؤلاء انتسبوا إلى الصندوق بفضل ربّ العمل، بينما يستفيد كثيرون منهم من الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ بفضل انتساب أحد أفراد أسرتهم على سبيل المثال أو بفضل النقابات التي ينتسبون إليها. إنّ المستشارين المستقلّين مستبعدون عن الانتساب إلى الصندوق، وتلك هي الحال أيضاً بالنسبة إلى المتطوّعين والعاملين “المتوارين” كالسائقين وعمال التنظيف، إلخ.
تُوظّف منظّمات محلّية عدّة مهنيّين كالمهندسين والممرّضات والمحامين، إلخ. يستفيد هؤلاء أصلاً من التّغطية بفضل النقابة التي ينتسب كلّ منهم إليها. [...] لذلك، عندما يدخلون إلى المنظّمة ويريدون الاختيار بين الضمان الاجتماعيّ الذي توفّره المنظّمة أو البقاء على الضّمان الاجتماعيّ الذين يستفيدون منه أصلاً، يفضّلون البقاء على الضمان الاجتماعيّ الذي توفّره النّقابة لأنّه من الدرجة الأولى [...].
(رجل يعمل في منظّمة محلّيّة للمجتمع المدنيّ في الشمال، مجموعة التركيز بتاريخ 3 تموز/يوليو2019 ، طرابلس).
تطرّق أفراد عدّة خلال المناقشات الجماعيّة المركّزة أيضاً إلى مسألة تسجيل منظّمات المجتمع المدنيّ عدداً قليلاً من موظّفيها في الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ، فلا توفّر بذلك المنافع بالتّساوي لكافّة الموظّفين. ولكنّ المشاركين في مجموعات التركيز عبّوا عن ذلك بطرق مختلفة. وتعكس هذه المسألة نوعاً من الفهم لمشكلاتالتمويل الأكثر هيكليّة التي تعاني منها المنظّمات غير الحكوميّة وتدلّ أيضاً على ترسيخ ظروف هشّة وتطبيعها إلى حدّ ما:
تلعب موارد المنظّمة المحدودة دوراً في ذلك. فهي تريد أن توفّر المنافع بالتّساوي ولكنّها غير قادرة على أداء ذلك بقدراتها المحدودة.
(امرأة تعمل في منظّمة محلّيّة للمجتمع المدنيّ في البقاع، مجموعة ال تّكيز بتاريخ 6 تموز/يوليو 2019 في شتورا)
عندما سُئل المجيبون عن الاستبيان عن المنافع التي يحصلون عليها، كانت المنفعتان الأكثر تكرّراً: الإجازة السنويّة المدفوعة والعطل الرّسميّة، ما يخفض التوقّعات بشأن الحماية الاجتماعيّة بعض الشيء.
في البحث الميدانيّ النوعيّ، وعندما طُلب من المجيبين أن يعرّفوا الحماية الاجتماعيّة، لم يتمكّن معظمهم من صياغة مفهوم شامل للمصطلح الذي غالباً ما تمّ ربطه ب”الضمان الوطنيّ والأمان”.
يساهم ترسيخ الهشاشة وانخفاض التوقّعات، بالإضافة إلى عدم إلمام العمّل بحقوقهم وعدم فهمهم لفكرة “الحماية الاجتماعيّة”، في جعلهم غير قادرين على التفاوض، سواء بشكل فرديّ أو جماعيّ. وحتّى عندما يحاول العمّل التّفاوض بشأن ظروف عملهم أو التّجمّع للمطالبة بمزيد من المنافع، سرعان ما تسكتهم عوامل هيكليّة أكثر هيمنة.
عبّ مجيبون عدّة عن قلقهم بشأن انعدام التّضامن وروح الجماعة بين العاملين في القطاع. كما وصل بعضهم إلى حدّ التّكلّم عن معاملة تفضيليّة بين أعضاء فريق العمل في المنظّمة عينها بالإضافة إلى علاقات ذات امتياز مع الإدارة تستند إلى الصّداقة والقربى، إلخ.
اعتدتُ أن أعمل في منظّمة دوليّة. أحببتُ عملي ولكنّني لم أكن راضية براتبي وبالمنافع التي أحصل عليها. شاركني زملاء آخرون محلّيون الإحباط عينه، فقرّر بعضنا أن يناقش الوضع بشكل جماعيّ مع الإدارة. بعد أشهر قليلة، تمّ تسريحنا جميعاً بسبب قصور في الموازنة بحسب ما قيل.
(امرأة تعمل في قطاع المجتمع المدنيّ، مقابلة بتاريخ ١ تموز/يوليو ٢٠١٩ في بيروت)
3. 3. تنافر بين رأس المال الاجتماعيّ والاقتصاديّ
على الرّغم من وجود ديناميّات إقصائيّة وغير رسميّة مماثلة، لا تزال غالبيّة كبيرة من المجيبين عن الاستبيان ) 85 %( تفكّر في العمل في قطاع المجتمع المدنيّ في حال تغيير الوظيفة.
في الواقع، أكّد مشاركون عدّة في البحث أنّ عملهم في قطاع المجتمع المدنيّ يتوافق مع التزامهم كمواطنين منخرطين في المجال العامّ، ما يؤكّد على بحث سابق حول المشاركة المدنيّة في لبنان، حيث تبدو مشاركة الناشطين “وكيلاً” للعمل في المجال العامّ من أجل “الخير الأعظم” )أبي ياغي، 2013 (. في هذا السياق، تفيد عاملة في قطاع المجتمع المدنيّ بما يلي:
إنّها المشاركة العامّة من أجل الخير العامّ؛ لا وظيفة في مجال الخدمة المدنيّة.
(امرأة تعمل في قطاع المجتمع المدنيّ، مقابلة بتاريخ 18 تموز/يوليو2019 في بيروت)
تراوحت الإجابات النوعيّة بين ضرورة “القيام بما يصبّ في صالح أكثر النّاس حرماناً” و”وجود سياسات ذات آثار طويلة الأمد”. لم يخجل المشاركون من التعبير عن الامتنان الرمزيّ الذي ينطوي عليه العمل في قطاع الجمعيّات.
إ نّي أقوم بهذا (العمل) من أجل قضيّة. أنا مؤمنة بها. نعمل لساعات طويلة وغالباً ما نعمل أيضاً في نهاية الأسبوع ولكنّ القضيّة تجعلني أشعر أنّني أقوم بذلك لسبب معيَّ. وهذا أمر مهمّ. وهذا الشعور أكثر إرضاءً من الراتب الذي أتقاضاه عند نهاية الشهر. في قريتي، في عائلتي، الكلّ يعلم بما أقوم به ويحترمه.
(امرأة تعمل في قطاع المجتمع المدنيّ، مقابلة بتاريخ 2 تموز/يوليو 2019 في بيروت)
بالتّالي، اعتبر مشاركون عدّة في البحث أنّ العمل في منظّمات المجتمع المدنيّ مُجزٍ ويتماشى مع التزاماتهم الأخلاقيّة. يبدو أنّ هؤلاء العاملين يكتسبون رأس المال الاجتماعيّ والثقافيّ بشكل أساسيّ من خلال عملهم في منظّمات المجتمع المدنيّ. في الواقع، إنّ المستوى التعليميّ للمجيبين بغالبيّتهم يعادل الإجازة، ويليه مباشرة مستوى الماجستير، كما هو مبيّن في الرسم البيانيّ أدناه:
تتماشى هذه الأرقام بشكل عامّ مع الأرقام الإجماليّة لمعدّل الإلمام بالقراءة والكتابة في لبنان ( 99 %) ومستوى التعليم (%80 ) والمعدّل الإجماليّ للالتحاق بالجامعات ( 38 %) في سنة 2017 .
على الرّغم من أنّ المجيبين بغالبيّتهم يعتبرون أنّ وظائفهم متكافئة مع مستوى تعليمهم أو سنوات خبرتهم ( 76 % إذا ما جُمع العنصران)، يَعتبر نصفهم تقريباً أنّ رواتبهم غير متكافئة مع درجاتهم الأكاديميّة ولا مع سنوات خبرتهم (على التتالي، 25 % و 23 %). علاوة على ذلك، 27 % من المجيبين يعتبرون أنّ رواتبهم وأجورهم لا تكفي لتغطية مصاريفهم الشهريّة و 23 % منهم غير قادرين على تحقيق مدّخرات شخصيّة قد تشكّل نوعاً من شبكات الحماية في ظلّ غياب خطط حماية اجتماعيّة رسميّة أخرى.
٤. ٣. بنية الاقتصاد السّياسيّ للمجتمع المدنيّ
تتمثّل بعض خصائص الاتّجاه نحو أنجزة 12 المجتمع المدنيّ وإضفاء الطّابع المهنيّ عليه في الاعتماد على الجهات المانحة وعلى الخبرة والمؤ شّات الخاصّة بالأداء التّقنيّ والعمل القائم على المشاريع. على النّحو الذي تمّت مناقشته أعلاه، وبينما تساهم المقاربات المبنيّة على المشاريع في هشاشة العمل في قطاع المجتمع المدنيّ ووضعه في إطار الاستمرارية بين الرسميّ وغير الرسميّ، تقيّد أيضاً بشكل مباشر رواتب العاملين واستفادتهم من الحماية الاجتماعيّة، إذ إنّ الجهات المانحة غالباً ما تفرض قيوداً وحدوداً على الإنفاق على ما يُصنَّف في خانة “الموارد البشريّة”، وترفض أحياناً تمويل طاقم العمل تماماً. علاوة على ذلك، تُظهر نتائج استبياننا أنّ 30 % من المجيبين اعتبروا أنّ أجورهم مفروضة بالاستناد إلى المبلغ المحدّد للمشروع بدلاً من الاستناد إلى جدول مرتبات يأخذ في الاعتبار التحصيل العلميّ ومستوى الخبرة.
تأتي المنظّمة المموِّلة وتقول سأعطيكم مشروعاً وأريد أن أدفع للموظّفين في هذا المشروع ألف دولار أمريكيّ، وتنشر الوظائف الشاغرة على موقع “دليل مدني” لستّة موظّفين تقريباً براتب يتراوح بين 800 و 1000 دولار أمريكيّ. بطبيعة الحال، لن آتي وألوم هنا المنظّمة التي تنفّذ المشروع، إذ إنّ المنظّمة أو الجهة المانحة الخارجيّة هي التي تتحكّم بكافّة قواعد المشروع.
(رجل يعمل في منظّمة محلّيّة للمجتمع المدنيّ في الشّمال، مجموعة ال تّكيز بتاريخ 3 تموز/يوليو 2019 في طرابلس).
بشكل أساسيّ، كلّ الأمور تعتمد على الجهة المانحة
(امرأة تعمل في منظّمة محلّية للمجتمع المدنيّ في الشّمال، مجموعة ال تّكيز بتاريخ 3 تموز/يوليو 2019 في طرابلس).
تَدفع الأجور المحدودة التي تمّ الحديث عنها (في الفقرة السّابقة) ببعض العاملين إلى تفضيل عدم استقطاع مبالغ من رواتبهم، ما قد يؤدّي إلى تفضيل موفّرين آخرين للحماية الاجتماعيّة في القطاع الخاصّ، بما في ذلك العائلات و/أو الشبكات الزبائنيّة.
عندما تتقاضى أجراً بالكاد يكفيك حتّى نهاية الشهر، ويأتون إليك قائلين سنقتطع هذا المبلغ أو ذاك من أجل الضّمان الاجتماعيّ أو التقاعد، أنا لا أريد ذلك ولا أظنّ أنّ الأمور يجب أن تسير على هذا النحو في قطاعنا. يحب أن يكون هناك نوع من الاتفاق بين الوزارات المعنيّة، لا أدري إذا كانت وزارة العمل أو وزارة الشؤون الاجتماعيّة، من أجل تحديد شروط تضمن لنا الحماية الاجتماعيّة من دون تحميل العبء لنا أو لربّ العمل في قطاع المجتمع المدنيّ. أعني كيف يمكنني أن أحمي الموظّف في منظّمة إن كنتُ لا أعرف إذا كان سيبقى فيها لمدّة 6 أشهر أو سنة أو 10 سنوات. يجب سنّ قانون يحمي الموظّف من جهة والمنظّمة أيضاً من جهة أخرى.
(رجل يعمل في منظّمة محلّية للمجتمع المدنيّ في الشمال، مجموعة التركيز بتاريخ 3 تموز/يوليو 2019 في طرابلس).
علاوة على ذلك، تؤثّر القيود التي تفرضها الجهات المانحة على التّكاليف الإداريّة والنّفقات العامّة في استمراريّة المنظّمات، إذ تجعلها على المدى البعيد غير قادرة على تغطية تكاليفها بشكل عامّ، وبشكل خاصّ التكاليف ذات الصّلة بأعضاء طاقمها الأساسيّ (غير القائم على المشاريع)، أي الرواتب والضمان الاجتماعيّ. كما سبق وورد في هذا التّقرير، تطرّق مشاركون عدّة في البحث إلى مسألة المنظّمات التي لا تسجّل إ لّ عدداً محدوداً من موظّفيها في الضمان الاجتماعيّ، فلا توفّر بالتالي المنافع بالتساوي للجميع. أظهر المشاركون في البحث إلماماً بديناميّات القوى هذه وبالاقتصاد السياسيّ الإجماليّ الكامن وراء القطاع، مسلّطين الضّوء على هوامش التّصرّفالخاصّة بالمنظّمات غير الحكوميّة المحلّية بدلاً من إلقاء المسؤوليّة كلّها على أرباب العمل:
لا يمكن أن يُطلب من منظّمة غير حكوميّة محلّية أن تقدّم المنافع عينها التي تقدّمها شركة خاصّة ربحية. تعتمد المؤسّسات غير الربحية بشكل أساسيّ على المنح الفرديّة والمؤسّسيّة التي غالباً ما ترتبط بمشاريع أو أنشطة محدّدة.
(رجل يعمل في منظّمة محلّية للمجتمع المدنيّ في الشّمال، مجموعة التركيز بتاريخ 3 تموز/يوليو 2019 في طرابلس).
يجب أن ترفض منظّمات المجتمع المدنيّ المحلّيّة كلّها مقاربة العمل الاستعلائيّة وديناميّات القوى غير العادلة ]...[ لا يجب أن ننسى استدامة المنظّمة بحدّ ذاتها.
(رجل يعمل في منظّمة محلّية للمجتمع المدنيّ في بيروت، مجموعة التركيز بتاريخ 23 تموز/يوليو2019 في بيروت).
بالفعل، اعتبر المجيبون عن الاستبيان بغالبيّتهم عدم استقرار المشاريع والتمويل، بالإضافة إلى القيود على الموازنة، الأسبابَ الرئيسيّة لعدم قدرة منظّمات المجتمع المدنيّ على توفير الحقوق ومنافع الحماية الاجتماعيّة لطواقم عملها. في الجانب المقابل، كان السّبب الأقلّ تواتراً عدم رغبة الموظّفين في الانتساب إلى الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ من أجل الحفاظ على كامل رواتبهم، ما يعكس بشكل إضافيّ وعي العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ للعوامل الهيكليّة التي تقيّد عمل المنظّمات وتأثيرها. برز اتّجاه عامّ بين المشاركين في البحث تَثّل في التوصية بشأن تخصيص نصوص محدّدة تشريعيّة أو إداريّة لمنظّمات المجتمع المدنيّ من أجل ضمان حدّ أدنى من مستوى الحماية للعاملين في القطاع.
توصيات
توضح كافّة نتائج الأبحاث التي يتمّ إجراؤها في قطاع المجتمع المدنيّ أو غيره الحاجة إلى إجراءات يتمّ اتّخاذها على مستوى الدولة، بصفتها المكلَّف الرّئيسيّ بأداء واجبات حماية العمّل في البلد. وما يدعم ذلك بشكل إضافيّ هو حقيقة أنّ العاملين في هذا القطاع بالذّات يؤدّون دور الدّولة الاجتماعيّ والخاصّ بالرفاه. بالإضافة إلى ذلك، تسلّط النّتائج الضّوء على الحاجة إلى نشر حسّ التضامن بين العاملين في قطاع المجتمع المدنيّ، من خلال التنظيم الجماعيّ والضغط من أجل الاعتراف بحقوقهم الاجتماعيّة. تستند التوصيات أدناه إلى الإجابات عن الاستبيان والمقابلات ومجموعات التركيز والاجتماعات الاستشاريّة.
ينبغي على الدولة اللبنانيّة أن:
• تضع إطاراً وطنيّاً شاملاً وعامّاً للضمان الاجتماعيّ، بمشاركة جهات فاعلة في المجتمع المدنيّ بالإضافة إلى أصحاب مصلحة آخرين. ويجب أن يشمل ذلك، كحدّ أدنى، عمليّة إصلاح للصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ لضمان التغطية الشّاملة ومعاشات التقاعد وبدلات البطالة. يُستحسَن أن يتمّ دمج كافّة خطط الحماية الاجتماعيّة في صندوق واحد موحّد يضمن المنافع والتغطية الشاملة والمتساوية.
• تضع خطّة إداريّة تموّلها بنفسها ضمن الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ وتُخصَّص للمنظّمات غير الحكوميّة.
• تضع الأولويّات والاستراتيجيّات الوطنيّة للتنمية والحقوق الاجتماعيّة وتشجّع جماعة المانحين والمنظّمات غير الحكوميّة الدوليّة والمنظّمات غير الحكوميّة على التواؤم مع هذه الأولويّات، لا سيّما في قطاعات المعيشة والمساعدة الاجتماعيّة والخدمات الاجتماعيّة والحماية.
•تسنّ قانوناً يشجّع المتطوّعين في المجتمع المدنيّ ويحميهم. من شأن قانون مماثل أن ينشّط المشاركة المدنيّة في البلد من جهة ويضمن حماية المتطوّعين وحقوقهم من جهة أخرى.
ينبغي على جماعة المانحين والمنظّمات غير الحكوميّة الدّوليّة أن:
• تلتزم بالقانون الوطنيّ وتضمن حماية كافّة المتعاونين معها.
•تضمن تقليص التّفاوت في حزم العمل والمنافع بين العاملين المحلّيّين والدّوليّين.
• تشجّع على اعتماد وتنفيذ أحكام أكثر عدالة ترعى الحماية الاجتماعيّة من خلال الشراكات والتمويل المقدَّم إلى الوزارات، وأن تضغط من أجل إنشاء خطّة حماية اجتماعيّة شاملة تستند إلى الأولويّات الوطنيّة. •تُراجع وتعدّل خطط التمويل والسقوف والقيود، لا سيّما في ما يخصّ الموارد البشريّة، بما في ذلك توفير الحمايةالاجتماعيّة للموظّفين لدى الشركاء، تماشياً مع مبادئ حقوق الإنسان والالتزامات بإضفاء الطابع المحلّ، في سياق مؤتمر القمّة العالميّ للعمل الإنسانيّ لسنة 2016 .
ينبغي على المنظّمات غير الحكوميّة المحلّية أن:
• تضمن أنّ كافّة العاملين يدركون حقوقهم واستحقاقاتهم التي تشكّل جزءاً من الخطط الموجودة، ضمن إطار حملة توعية أوسع نطاقاً بشأن لوائح الحماية الاجتماعيّة.
• تضمن حصول كافّة العاملين على حدّ أدنى من منافع الحماية الاجتماعيّة على المدى القصير، بينما تتطلّع إلى تحقيق الحماية الشّاملة على المدى البعيد.
• تضع جداول مرتبات شاملة تستند إلى غلاء المعيشة ومستوى التعليم وسنوات الخبرة والمناصب، على أن يتمّ تحديثها بانتظام واستخدامها في المفاوضات بشأن عقود المنح مع الجهات المانحة لكلّ منها.
• تتنظّم جماعيّاً لحماية حقوق كافّة العاملين في القطاع، بما في ذلك العاملون المستقلّون والمتطوّعون، على شكل نقابة أو تعاونيّة صندوق تعاضديّ يضمن نسبة أكبر من التضامن بين الجهات الفاعلة والعاملين في قطاع المجتمع المدنيّ من جهة، ويشمل تقديمات خاصّة بالحماية الاجتماعيّة تكمّل تلك التي يوفّرها الضمان الاجتماعيّ التابع للدّولة من جهة أخرى.