يتفحــص هــذا التقريــر كلا مــن التطــور التاريخــي والوضــع الراهــن للســوريين العاملين فــي لبنان مــن خلال تحليــل السياســات التي وضعتها الحكومــة اللبنانية وطبقتها. وفي حين لا يعد هذا التقرير تقييمًا لهذه السياسات، لكنه يستقصي مع ذلك تأثيراتها على ظروف عمل السوريين وسبل عيشهم في هذا السياق. يركّز هذا التقرير خصوصًا على نشوء ديناميات لتزايد الإجراءات غير النظامية والإستغلال والتبعية.
هذا التقرير هو جزء من سلسلة تقارير نشرت في 2016، أوّلها "الإجراءات المنظمة غير النظامية وآليات السمسرة والأوضاع غير القانونية. تأثير سياسات الدولة في حياة اللاجئين السوريين اليومية" و ثالثها "حصول اللاجئين السوريين على الرعاية الصحية. تأثير التشريعات المقيد تدريجيا والإجراءات غير النظامية على حياة السوريين اليومية"

1. مقدمة
“نُفضل أن نعود ونموت بكرامة، بدالً من عيش هذه الحياة البائسة.”1 بينما شــكلت بعض البلدان المجاورة لســوريا ”حاجــزاً منيعا للهجرة الســورية“2 ، ٍ اعتمد لبنــان لعقــود من الزمن سياســة البــاب المفتوح ً تجــاه دخــول الســوريين. كانت الحــدود المفتوحــة نتيجة لمســارات ً ّ للشــغل بين ســوريا ولبنان، وقد حد ٌ دتها سلسلة من الهجرة ســعيا ّ االتفاقات الثنائيــة الموقعة بين البلدين كما ســنرى في هــذا التقرير. ٍ لقد أفضــت الحــدود المفتوحة في نهايــة المطاف إلى هجرة ٍ ســورية . ومنذ بداية ٍ كبيرة َّ وغيــر منظ ٍمة إلــى لبنان في العقــود المنصرمــة3 النزاع الســوري في العام ٢٠١١ وتدفق الالجئين الناجم عنه، ارتفع العدد المقدر للســوريين الموجودين في لبنان من ثالثمئة ألف إلى قرابة ١٬١ مليون سوري في العام ٢٠١٦، وهو رقم يمثل أكثر من ربع عدد السكان اللبنانيين المضيفين.4
وعلى الرغم من أنّ للاقتصاد اللبناني تاريخاً طويلاً من الاعتماد على العمالة الأجنبية – لاسيما السورية منها، إلا أنّ التدفق الهائل للاجئين منذ العام 2011 أثّر بصورةٍ ملحوظةٍ في سوق العمل اللبناني. قبل الأزمة السورية، كانت ظروف سوق العمل كالحةً أصلاً في لبنان 5، ولم يكن بوسعه استيعاب عمالٍ جدد 6، لكنّ الأزمة السورية فاقمت المشكلات. 7 في هذا السياق، اعتمدت الحكومة اللبنانية مجموعةً من القيود
والسياسات اعتباراً من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2014 بهدف الحدّ من الوجود السوري في لبنان والتحكّم به، إضافةً إلى حماية العمالة اللبنانية. يسعى هذا التقرير لتقديم تحليلٍ لهذه السياسات من خلال النظر إلى نشوئها التاريخي، إضافةً إلى ما تحمله من تداعياتٍ بالنسبة إلى اللاجئين السوريين. في الحقيقة، وفّرت المفوضية العليا للاجئين في لبنان، وهي الوكالة الرائدة المعنية بحماية اللاجئين السوريين ودعمهم، الوسائل الأساسية للعيش. وعلى الرغم من ذلك، تشير الأرقام إلى أنّ تلك المخصصّات الأساسية غير كافيةٍ لتلبية النفقات اليومية. فضلاً عن أنّ عدداً متزايداً من اللاجئين لا يُسجّل8. لقد أفضى العاملان معاً إلى بحث عددٍ متزايدٍ من السوريين عن وسائل عيشٍ أخرى لضمان سُبُل عيشهم. ولهذا، يسعى هذا التقرير لتسليط الضوء على التحدّيات التي يواجهها اللاجئون السوريون لضمان سُبُل عيشهم. هذا التقرير هو التقرير الثاني في سلسلةٍ تسعى إلى تحليل
تأثير سياسات الحكومة اللبنانية في حياة اللاجئين السوريين اليومية.
منهجية البحث
يستند هذا التقرير إلى بحثٍ مكتبي وعملٍ ميداني. يتألّف العمل الميداني من إجمالي 21 مقابلةً مع لاجئين سوريين، أُجريت بين شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2016 . استخدم ‘دعم لبنان’ شبكته الواسعة من العاملين وأرباب العمل والفنانين واللاجئين السوريين العاطلين عن العمل أو العاملين والخبراء الاقتصاديين والإنسانيين ونشطاء المجتمع المدني والعاملين في المنظمات غير الحكومية لتحديد المتأثّرين بسياسة العمل، ومدى تأثّرهم بها. اتّبعت المقابلات كافّةً دليلاً شبه منظّمٍ لإجراء المقابلات ولم يقدّم ‘دعم لبنان’ أيّ محفزات. كذلك، أبدى جميع المحاورين موافقةً شفهيةً مسبقةً على المشاركة وضُمن لهم الإبقاء على سرّية هويّاتهم ما لم يوافق المقابَلون صراحةً على الاستخدام العلني لأسمائهم. أُجريت معظم المقابلات شخصياً في بيروت ومناطق لبنانية أخرى. كما أنّ معظمها أجري ضمن جلساتٍ خاصّةٍ وباللغة العربية؛ كما أجري بعضها أحيانًا باللغة الإنكليزية. تألّفت مجموعة محاورينا من سوريّين رجالٍ ونساء، تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والستين. وقد نوقشت النتائج الأولية لهذه الدراسة في اجتماعٍ للمعنيين المتعدّدين في شهر تموز/يوليو 2016 ، وأُدرجت الملاحظات في التحليل.
2. تواريخ متشابكة
بما أنّ لبنان وسوريا بلدان متجاوران، فقد تشابكت تاريخياً سياستاهما واقتصاداهما وثقافتاهما إلى حدٍ بعيد. لم يمنع الاستقلال، الذي أُحرز في نهاية الانتداب الفرنسي في العامين 1943 و 1946 على التتالي، مواطني البلدين من التنقّل ذهاباً وإياباً بينهما. لليد العاملة السورية في لبنان على وجه الخصوص تاريخٌ طويلٌ وواسع. ففي حين قامت الطبقة العليا من السوريين بالاستثمار في الأعمال المربحة في لبنان، عمل السوريون من الطبقة الدنيا تقليدياً في هياكل غير رسميةٍ ومنخفضة الأجر ومتدنية المهارات ومتدنية الحماية. أمّا ظروف العمل والإقامة المزدهرة إلى حدٍ ما في لبنان، مقترنةً ب“القواسم الثقافية المشتركة، والروابط التاريخية، واللغة، والتقاليد، وحتى الانتساب العائلي الحقيقي”، فقد شجّعت المهاجرين السوريين على الاستقرار في لبنان .9
تاريخ الهجرة السورية إلى لبنان
بدأت موجة الهجرة الاقتصادية الأولى من سوريا إلى لبنان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بعد أن أحرز البلدان استقلالهما.10 غادر سوريا مئات ألوف الرجال السوريين سنوياً11 – حذت حذوهم نساء كثيرات في نهاية المطاف – بصورةٍ طوعية12 بحثاً عن فرصٍ اقتصادية في لبنان، ولاسيّما في البقاع وعكّار وجنوب لبنان.13 آنذاك، كان لبنان بؤرةً ثقافيةً وفكريةً والأكثر أهميةً بؤرةً اقتصادية، وكثيراً ما أُطلقت عليه تسمية “سويسرا الشرق الأوسط”.14 ومع النمو الاقتصادي السريع لبيروت وبناء ميناءٍ جديد أواخر القرن التاسع عشر، أصبحت بيروت المركز الرئيسي للتجارة في المنطقة.
بعد أن قام حزب البعث الحاكم ]في سوريا[ بالإصلاحات الزراعية وتأميم المصارف والشركات والتجارة في ستينيات القرن العشرين، تجاوز سوريون كثرٌ من الطبقة الاجتماعية للمشتغلين بالأعمال الحرة الموسرين دمشق ونقلوا أعمالهم وأسرهم إلى بيروت واستثمروا أموالهم في المصارف والعقارات، جالبين معهم رأسمالاً سورياً إلى لبنان.15 فضلاً عن ذلك، تهاوت الليرة السورية بين خمسينيات القرن العشرين ومطلع سبعينياته بحوالي 40 بالمئة مقارنةً بقيمة الليرة اللبنانية.16 ولهذا السبب، اعتزم المهاجرون السوريون من الطبقة الدنيا والطبقة المتوسطة الدنيا جني المال في لبنان، “للعودة إلى بيوتهم بموارد متزايدة”.17 عملت الغالبية العظمى من المهاجرين السوريين إلى لبنان في وظائف موسميةٍ ضئيلة الأجر ولا تتطلّب مهارة، وظائف مزرية أساساً كأعمال البناء أو الزراعة أو الصناعة.18
في تسعينيات القرن العشرين، فقد لبنان معظم بهائه، إذ كان يعاني من عواقب حربه الأهلية التي استمرت خمسة عشر عاماً. غير أنّ ذلك لم يمنع موجةً ثانيةً من الهجرة السورية إليه. في المقام الأول، وجدت تحالفات الأعمال الحرّة التي ساندت سياسات نظام البعث في دمشق فرصاً استثماريةً في لبنان ما بعد الحرب. ومع استقرارها في لبنان، تدفّق رأس المال السوري إليه على نحوٍ ملحوظ، ولاسيما من خلال شركات الهاتف المحمول ومشاريع إعادة الإعمار،19 ما صاغ وعزّز العلاقات بين الطبقات الاجتماعية العليا في كلا البلدين.20 وعلى نحوٍ مشابه، عبّد سوق إعادة إعمار ما بعد الحرب الدرب أمام فرص العمل لمئات آلاف السوريين من الطبقتين الدنيا والمتوسطة الدنيا. تقلّد هؤلاء العمّال السوريون وضعاً اجتماعياً متدنّياً وعملوا في ظروف عملٍ قاسية، الحماية فيها قليلةٌ أو منعدمة.21 لكن وعلى الرغم من وضع السوريين المزري، فهم يواصلون الاستقرار في لبنان إلى يومنا هذا.
يمكن اقتفاء أثر أحد تفسيرات الوجود السوري المديد في لبنان بالعودة إلى وجود الجيش السوري في لبنان بين العامين 1976 و 2005 .22 ففي شهر أيار/مايو 1992 ، جرى إضفاء الطابع المؤسّسي على آليةٍ ناظمةٍ للسياسة الأمنية والخارجية بين سوريا ولبنان: “معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق”. في ضوء هذه المعاهدة، وقّع المجلس الأعلى السوري اللبناني اتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي23 الذي نظّم العلاقات بين الدولتين أثناء الاحتلال السوري للبنان. نتيجةً لذلك، كان وجود السوريين في سوق العمل اللبناني كبيراً.
إضافةً إلى المعاهدة، لم يُبنَ الاقتصاد اللبناني الليبرالي الموجّه للخارج على العمال الأجانب زهيدي الأجر وذوي الإنتاجية المرتفعة فحسب، بل اعتمد كذلك عليهم. وعلى الرغم من أنّ ثلث قوة العمل اللبنانية تقريباً كان “أساساً من الفقراء وغير المتعلمين ومن المنخرطين بالعمل المؤقّت غير الماهر أو شبه الماهر”،24 فقد جرى التعاقد مع السوريين على حساب اللبنانيين. السبب الرئيسي في ذلك أنّ السوريين يمكن أن يقبلوا أجوراً تقلّ عن أجور زملائهم اللبنانيين بمعدل 40 بالمئة25– ذلك لأنّ السوريين العاملين في قطاع الزراعة الذي يستضيف تقليدياً الأعداد الأكبر من العمال السوريين مستبعدون من قانون العمل اللبناني، وهو القانون الرائد الذي يُجمِل حماية اليد العاملة )ومن ضمنها الحدّ الأدنى للأجور( على الأراضي اللبنانية بالنسبة إلى المواطنين والأجانب.26
وفي المقام الثاني، كان المال المكتسب يحوّل إلى سوريا حيث التكاليف أخفض،27 وبالتالي حيث تكون لأجورهم المنخفضة قيمةٌ أكبر بصورةٍ ملحوظة بالنسبة إليهم من قيمتها بالنسبة إلى اللبنانيين، ولأنّ احتمال أن يحتجّوا كان أقل. وعلى الرغم من أنّ النفقات اليومية في لبنان كانت أعلى بصورةٍ ملحوظة، فقد ظلّت التكاليف في حدودها الدنيا لأنّ السوريين يميلون للعيش معاً، ما بين خمسة إلى ستة أشخاص في غرفةٍ واحدة، أو في “مدن الصفيح المحيطة ببيروت، في مساكن بائسة مصنوعةٍ من الصناديق الخشبية القديمة وعلب الكرتون المشمّعة والصفائح المعدنية”.28
أمّا السبب الثالث لاستخدام السوريين على حساب اللبنانيين، فهو أنّ أرباب العمل كانوا ملزمين بعد العام 1963 – من حيث المبدأ29 – بتسجيل العاملين اللبنانيين في نظام الضمان الاجتماعي المنشأ حديثاً والذي يحمي العاملين من ]عواقب[ المرض وفقدان الوظيفة والتقاعد والحوادث، وما شابه. بالنسبة إلى السوريين، لم يكن تصريح العمل أو عقد العمل ضرورياً، ناهيك بالحماية الاجتماعية. علاوةً على ذلك، بات السوريون مشهورين بقدرتهم على التكيّف وعلى القيام بالعمل المجهد. نتيجةً لذلك، شُجّعت اليد العاملة السورية المنخفضة الأجر وغير المنظّمة لأنّ استخدامها كان يتضمّن تكاليف منخفضة وأعمالاً ورقيةً أقلّ بالنسبة إلى أرباب العمل. ذُكر في العام 1972 أنّ العمال السوريين في لبنان “يشكّلون على الأقلّ 90 بالمئة من العمال اليدويين وقرابة 70 بالمئة من اليد العاملة الأكثر مهارة”.30 وعلى الرغم من أنّ السوريين كانوا ملزمين رسمياً بدفع رسوم التسجيل والضرائب، إلا أنّ وزارة العمل، المؤلفة بغالبيتها من الموالين لسوريا، كانت تغضّ الطرف.31 كما أنّ عاملاً آخر قد يُنسب إلى استقرار السوريين المديد في لبنان، هو أنّه في نهاية فترة الانتداب واستجابةً للعديد من الأزمات الاقتصادية والتطوّرات السياسية، انتشرت أسرٌ كثيرةٌ وهاجرت إلى عدّة مناطق في المشرق، ما أدّى في كثيرٍ من الأحيان إلى بناء تضامنٍ وشبكاتٍ متينةٍ ما وراء الحدود.32
٢٫٢ الاتفاقات الثنائية وتأثيرها في سوق العمل اللبناني
بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، رشَّدت في العامين 1993 و 1994 سياسةَ الحدود المفتوحة ثلاثةُ اتفاقاتٍ ثنائية لا تزال تحكم حتى الآن وجود العمال السوريين في لبنان. يسعى الاتفاق الثنائي الأول حول تنظيم انتقال الأشخاص ونقل البضائع لتسهيل انتقال الأشخاص ونقل البضائع.33 ثانياً، يوفّر اتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي حرية انتقال الأشخاص، فضلاً عن حرية الإقامة والعمل والتشغيل وممارسة النشاط الاقتصادي.34 ثالثاً، تشدّد الاتفاقية الثنائية في مجال العمل على أنّ عمال كلا البلدين سيتمتعون بمعاملة وحقوق وواجبات الدولة الأخرى وفق القوانين والتنظيمات والتعليمات المطبّقة في كلا البلدين.
تسمح هذه الاتفاقات الثنائية للسوريين المسافرين إلى لبنان بالحصول على تأشيرة عملٍ وإقامةٍ تصدر عند الحدود لمدّة ستة شهور، تُجدّد لستة شهورٍ أخرى.35 بعد مدة الإثني عشر شهراً المجانية، يستطيع السوريون طلب تصريح إقامةٍ آخر لمدة ستة شهور مقابل مئتي دولار أمريكي. أدّت سياسة الحدود المفتوحة بين سوريا ولبنان إلى خلق سوق عملٍ حرةٍ غير تقليدية بين البلدين. وكان السوريون مطالبين بالحصول على تصريحٍ بالعمل لمواصلة العمل في لبنان. خلافاً للأجانب الآخرين، كان بوسع السوريين الحصول على مثل هذا التصريح بكلفةٍ لا تتجاوز ربع الرسوم الأصلية.36 وعلى الرغم من أنّ السوريين مطالبون من حيث المبدأ بالحصول على تصريحٍ بالعمل، فعددٌ ضئيل من العمال السوريين تقدّموا بطلبٍ للحصول عليه، لاسيما أنّ معظم العاملين السوريين كانوا لا يزالون عاجزين عن دفع الرسوم المطلوبة بسبب أجورهم المنخفضة.37 فضلاً عن ذلك، لم يكن يُقبل إلا عددٌ ضئيلٌ نسبياً من الطلبات المقدَّمة.38 قد نجد تفسيراً لذلك في حقيقة أنّ الحكومة اللبنانية تعتمد مبدأ تفضيل المواطنين الذي لا يسمح بمنح تصريحٍ بالعمل إلا بحالة عدم وجود لبنانيين متقدمين لهذا العمل.39 ع اوةً على ذلك، لا بدّ في النهاية من مصادقة الوزير نفسه على تصاريح العمل. وبالتالي، يمكن أن يتباين عدد التصاريح الممنوحة بناءً على استراتيجية حماية العمل الخاصة بالوزير.40 وكما يوضح خبيرٌ قانوني مقربٌ من وزارة العمل:
"من الصعوبة لأيّ أجنبي – وليس للسوريين فحسب – الحصول على تصريح عملٍ في لبنان. فالوظائف التي تعتبر غير مرغوبةٍ بالنسبة إلى اللبنانيين هي وظائف أعمال التنظيف والزراعة والبناء والحراسة. هذه هي أنواع الوظائف التي استخدمها السوريون لتقديم طلبات الحصول على تصاريح عمل. لكن ينبغي على الوزير نفسه التثبّت من كلّ واحدٍ من هذه التصاريح، وهو يرفضها جميعاً تقريباً. الوزير الحالي صارمٌ جداً وهو يناهض عمل السوريين في لبنان، لذلك يأخذ قرار الحدّ من منح الوظائف للأجانب بجديةٍ كبيرة "41
تعود الأرقام التي توضح سياسة لبنان المتعلّقة بدخول السوريين القانوني إلى سوق العمل اللبناني إلى ما قبل اندلاع الأزمة السورية إلى العام 2011 . فوفقاً للأرقام الرسمية لدائرة العمال السوريين – وهي دائرةٌ في وزارة العمل معنيةٌ بخاصةٍ بدخول السوريين إلى سوق العمل اللبناني – بلغ العدد الإجمالي للعمال السوريين في لبنان ثلاثمئة ألف عامل على الأقلّ في ذلك الوقت. غير أنّ 390 عاملاً سورياً فقط قدّموا طلباتٍ للحصول على تصريح عمل و 571 جدّدوا تصاريحهم، أي أنّ نسبة طلب تصريح عمل تعادل 3 , 0 بالمئة.42
تشير السياسات والممارسات المتضاربة المتعلقة بالتشغيل القانوني للسوريين إلى أنّ عدداً كبيراً منهم لم يكونوا قادرين على تسوية وضعهم القانوني، لأنّ تصاريح إقامتهم كانت نتيجةً للاتفاقات الثنائية وليست بغرض بقائهم )المتصل بالعمل(. نتيجةً لذلك، وعلى الرغم من تشديد المحاورين مراراً وتكراراً على أنّ وزارة العمل – على الرغم من مواردها المحدودة43– أظهرت محاولاتٍ لتنظيم السوق، فقد سمحت بظهور سوقٍ غير رسمية وغير نظامية للعمل.44 لكنّ السوريين، من وجهة نظرٍ قانونية، كانوا يخرقون الأنظمة الخاصة بالتشغيل القانوني في لبنان من خلال السعي للشغل غير الرسمي.45
هكذا، وبينما كانت إقامة السوريين في لبنان قانونيةً، فإنّ شغلهم كان غير رسمي أساساً ،46 لاسيما في قطاعي الزراعة والبناء. من المعروف أنّ هذين القطاعين يستقطبان تقليدياً الأعداد الأكبر من السوريين ويعتمدان إلى حدٍ كبير على هياكل تشغيل غير رسمية، مع معدّل تشغيلٍ غير نظامي في العام 2009 يعادل 92,47 و 80,74 على التتالي.47
سوق العمل اللبناني قبل العام 2011 إنّ المعطيات المتعلقة بسوق العمل اللبناني “ضئيلة وغ ر مكتملة وقديمة ومتناقضة في بعض الحالات، 48ما يعيق الحصول ع ى أرقامٍ تمثيلية. لكن من الممكن تعيين اتجاهاتٍ معينة.49 ففي العام 2011 ، قبل اندلاع الأزمة السورية، تميّز سوق العمل اللبناني بمعدّلات بطالةٍ تراوحت ب ن 6 بالمئة و 25 بالمئة 5050 ، ووصلت إلى 34 بالمئة ب ن الشبان اللبنان.51 وع ى الرغم من أنّ الأزمة السورية زادت هذا العدد، إلا أنّ معدلات البطالة كانت في تزايدٍ أص اً. في الوقت عينه، كانت معدلات التشغيل غ ر النظامي مرتفعةً في لبنان، بوجود حوالي 50 بالمئة من اللبناني ن يعملون في أوضاعٍ غ ر نظامية. ويعدّ معدل التشغيل غير النظامي أك ر ارتفاعاً في قطاعاتٍ مثل الزراعة والبناء، ما يش ر أيضاً إلى قصور الحماية الاجتماعية بالنسبة إلى العمال.52 ع اوةً ع ى ذلك، تميّز الاقتصاد اللبناني منذ العام 1997 بمعدلات هجرةٍ مرتفعة ) 32 بالمئة( بين الأشخاص المهرة. ومقارنةً بهجرة الفئات الأخرى من اللبنانيين، فإنّ معدلهم أعلى بمرتين. كانت مساهمة النساء تاريخياً متواضعة نسبياً في الحياة الاقتصادية في لبنان. لكنّ مساهمتهن لم تكن غائبةً تماماً، وهي في تزايدٍ حالياً. أمّا عمالة الأطفال، ف ا توجد إحصاءاتٌ حولها في لبنان، لكنّ أدلةً غير مؤكدة تش ر إلى أنّها ظاهرةٌ متواصلة .53 |
٣. الإطار القانوني الجديد المنظّم لليد العاملة السورية بعد العام ٢٠١٥
بعد بدء النزاع السوري في العام 2011 ، قُدّر العدد الرسمي للسوريين في لبنان في العام 2011 ما بين 300 ألف54إلى 600 ألف شخص،55 وارتفع العدد حتى بلغ 1,03 مليون في حزيران/ يونيو 2016 .56 تختلف هذه الموجة الثالثة من الهجرة عن الموجات السابقة بمظهرين أساسيين. أولاً، السوريون القادمون إلى لبنان كلاجئين لم يهاجروا طواعيةً، فقد أكره النزاع معظمهم على مغادرة بلدهم. ثانياً، تغيّر التركيب السكاني للمهاجرين إلى حدٍّ كبير؛ ففي حين كان السوريون القادمون إلى لبنان في البداية يتألفون من ذكورٍ في سن العمل، بات هذا الجزء من السكان هو الأقلّ تمثي اً حالياً.57 قد يكون أحد تفسيرات هذا التباين أنّ العمال المهاجرين في السابق والمقيمين في لبنان قبل العام 2011 أحضروا أسرهم بعد بدء النزاع، وتسجّلوا بدورهم بوصفهم لاجئين.58 يبدو أنّ عملنا الميداني يؤكّد هذه الفرضية. وقد يكون التفسير الآخر أنّ اللاجئين الذكور الواصلين حديثاً تعمّدوا عدم تسجيل أنفسهم كلاجئين.59
هنالك تقديراتٌ بأنّه بعد عامين من اندلاع النزاع في سوريا، ازدادت قوة العمل السورية في لبنان بين 30 و 50 بالمئة،60 مشكّلةً قرابة 14 بالمئة من إجمالي قوة العمل اللبنانية.61 قد لا يكون مفاجئاً، نظراً إلى معدلات البطالة والتشغيل غير النظامي المرتفعة والموجودة سابقاً في لبنان، أنّ الحكومة اللبنانية ظلّت حذرةً بصورةٍ ملحوظة في مراقبة حقّ السوريين في العمل62 بعد اندلاع النزاع السوري. وبالمثل، أثار سياسيون وبعض التقارير الإعلامية مخاوف من تصاعد المنافسة بين السوريين واللبنانيين في سوق العمل، مع الإشارة إلى ضرورة حماية العمالة اللبنانية. اعتُمدت بالتالي سلسلةٌ من التدخلات تستهدف النزوح السوري في تشرين الأول/أكتوبر 2014 ، في محاولةٍ لإضفاء طابعٍ رسمي على وجود وعمل اللاجئين السوريين في لبنان ومراقبته والحد منه.
لقد أُنجز ذلك في ث اث خطوات. أولاً، دخول السوريين إلى سوق العمل غير محدّدٍ بالقانون – ولم يكن كذلك يوماً، بل بمراسيم وأوامر وتعاميم وزارية. أعلن وزير العمل سجعان قزّي أنّ كافّة الأعمال والمهن – نظرياً – التي يمكن أن يقوم بها اللبنانيون ينبغي أن يقوم بها لبنانيون.63 وعلى الرغم من هذا، أُعلن اعتباراً من 2 شباط/فبراير 2013 عن استثناءاتٍ للعمالة السورية في قطاعاتٍ محدّدة على أساسٍ سنوي. أمّا في الوقت الراهن، فقد حُصر64 دخول المواطنين السوريين غير المسجلين إلى سوق العمل بقطاعات الزراعة والبناء والبيئة.65
ثانياً، اعتباراً من كانون الثاني/يناير 2015 ، يجب على السوريين غير المسجلين الراغبين في العمل ضمن هذه القطاعات الحصرية الحصول على “تعهدٍ مسبقٍ بالمسؤولية” من كفيلٍ لبناني يتحمل المسؤولية عن الأفعال القانونية )وبالتالي الجنائية( للسوريين.66 يمكن أن يوقّع التعهّد المسبق بالمسؤولية مواطن لبناني أو ربّ عمل.67 ثالثاً، يُمنَع المواطنون السوريون المسجلون فعلياً لدى المفوضية العليا68 ويستفيدون من خدماتها منعاً باتاً من دخول سوق العمل اللبناني في لبنان. هكذا، يلزمون بتوقيع تعهدٍ بعدم العمل عند تجديد تسجيلهم كلّ سنتين. من جانبٍ آخر، لا يطلب من الزوجات التوقيع على تعهدٍ بعدم العمل. كذلك، يجب توقيع هذا التعهد لدى كاتب العدل، وهو يفيد كاتفاقٍ رسمي وملزم وينصّ على أنّ الشخص لا ينوي البحث عن شغلٍ في لبنان69.
مؤتمر لندن في شهر كانون الثاني/يناير 2016 ، نظّمت الأمم المتحدة والبلدان المضيفة 70مؤتمراً في لندن تعهّد برصد أك ر من أحد ع ر مليار دولار لدعم سوريا والمنطقة. ووفقاً لما عُرض في إع ان النوايا، بحثت الحكومة اللبنانية عن طرقٍ لمراجعة شروط الإقامة الحالية وتصاريح العمل. سيتضمن ذلك “تنازلاً دورياً عن رسوم الإقامة وتبسيطاً للمتطلبات الوثائقية، التنازل عن مطلب ‘التعهد بعدم العمل بالنسبة للسوريين’، وعن طريق ذلك تسهيل دخول السوريين إلى قطاعات محدّدة من سوق العمل لا ينافسون فيها اللبناني ن مباشرةً مثل الزراعة والبناء والقطاعات الكثيفة العمالة” 71. ع اوةً ع ى ذلك، اقترحت الحكومة اللبنانية سلسلةً من التدخ ات لتحس ن النمو الاقتصادي ستخلق ما مجموعه 300 ألف إلى 350 ألف فرصة عمل، يمكن تخصيص 60 بالمئة منها للسوريين. وفي ما يتعلق بدخول السوريين القانوني إلى سوق العمل اللبناني، تتضمن هذه التدخ ات مشاريع ع ى مستوى البلديات لخلق فرص عمل 72، وعلى وجه الخصوص أيضاً برنامج التوظيف المؤقت المدعوم )ستيب(. يهدف هذا البرنامج بصورةٍ رئيسية إلى تحفيز الأعمال التجارية لخلق فرص عملٍ جديدةٍ دائمةٍ بالنسبة إلى العمال اللبنانيين ومؤقتةٍ بالنسبة إلى العمال السوررين 73. إضافةً إلى ذلك، تضمّنت التدخلات السماح للعمال السوريين بجمع اشتراكات الضمان الاجتماعي التي ستوزع عند انتهاء البرنامج وعودتهم السالمة إلى سوريا أو إعادة توطينهم في بلدٍ ثالث 74. وعلى الرغم من تتبع ومراجعة التقدم المحرز في برنامج ستيب أثناء مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني، إلا أنّ المعلومات المتاحة للجمهور ضئيلة. |
٤.الديناميات الناجمة عن الإطار القانوني الجديد
يشير العمل الميداني إلى أنّ الإطار التنظيمي القائم أدى إلى تحدياتٍ بالنسبة إلى تنظيم الإقامة القانونية للاجئين السوريين، إضافةً إلى دخولهم إلى سوق العمل. فض اً عن أنّ بحثنا يشير إلى أنّ إضفاء الطابع الرسمي المتزايد ساهم في الإجراءات غير النظامية وغير القانونية، وأحدث أنماطاً مختلفةً من الديناميات المتحدية التي تؤثر على نحوٍ أكثر تحديداً في الحياة اليومية وسبيل العيش. في هذا السياق، يسعى هذا القسم إلى تسليط الضوء على العواقب الأساسية التي جرى تحديدها.
٤٫١ التحديات الملازمة للإطار التنظيمي الجديد
في شهر كانون الثاني/يناير ٢٠١٥ ، وضعت المديرية العامة للأمن العام – جهاز الاستخبارات الذي ينظّم من بين مهام أخرى دخول الأجانب وإقامتهم ومغادرتهم – فئاتٍ يستطيع السوريون على أساسها تنظيم إقامتهم. هنالك حالياً خياران رئيسيان متاحان للاجئين السوريين الذين يسعون أو يريدون الإقامة لمدةٍ طويلةٍ في لبنان. الخيار الأول على أساس تسجيلٍ في المفوضية العليا للاجئين. لكنّ المفوضية العليا في لبنان علّقت مؤقتاً منذ ٦ أيار/مايو 2015 التسجيلات الجديدة بناءً على طلب الحكومة. وقد طُلب من المسجلين سابقاً التوقيع على تعهّدٍ بعدم العمل يستبعدهم عن سوق العمل. وكتعويضٍ عن ذلك، يتلقّى ٦٥ بالمئة من اللاجئين قسائم أغذية شهرية يوزعها برنامج الأغذية العالمي. تعتمد هذه القسائم على التمويل إلى حدٍ كبير، وتتراوح قيمتها بين ١٣٬٥ و ٢٥ دولاراً للشخص الواحد شهرياً، وتقوم على أساس تضرر اللاجئين.75 المساعدة الوحيدة الأخرى إلى جانب قسائم الأغذية هي مساعدةٌ نقديةٌ متعددة الأغراض. تبلغ قيمة هذه المساعدة ١٧٧ دولاراً شهرياً للأسرة الواحدة، وتُمنح ل ١٧ بالمئة من اللاجئين السوريين.76 يقدّم المانحون الدوليون هذا التعويض، على الرغم من أنّ تجدر الإشارة إلى أنّ الدعم الدولي لقطاع المعيشة كان في حدوده الدنيا حتى الآن، ما يفضي إلى استبعاد اللاجئين عن سوق العمل مقابل حصولهم على تعويضٍ هزيل. وعلى الرغم من النوايا الحسنة التي قُدّمت أثناء مؤتمر لندن، لم يُحشَد سوى ١٢ مليون دولار في العام ٢٠١٦.77 يمثّل هذا المبلغ ٩ بالمئة من الاستجابة الشاملة البالغة ١٤٣ مليون دولار، ما يجعل من قطاع المعيشة ثاني أخفض قطاع مموَّل. وعلى نحوٍ مشابه، لم يُخصصَّ لسُبُل العيش إلا ١٬٧ بالمئة من إجمالي التمويل الذي تلقته خطة الاستجابة للأزمة اللبنانية في العام ٢٠١٦.78 يوضح أحد المحاورين من منظمةٍ غير حكوميةٍ محليةٍ كبيرة:
"أحد الأسباب الرئيسية لكون الدعم الدولي إسمياً هو ممانعة الحكومة اللبنانية للسماح للسوريين بالعمل. يدفع هذا الأمر كثيراً من المانحين المهتمين بالاستثمار في سُبُل عيش اللاجئين في لبنان لاستكشاف إمكانياتٍ أخرى، في تركيا والأردن على سبيل المثال. ما نراه إذاً أنّ المانحين عينهم يعملون في قضايا الحماية في لبنان، لكنّهم يعملون في قضايا سُبُل العيش في تركيا"79
نتيجةً لذلك، يشير تقييم تضرّر اللاجئين السوريين الخاصّ بالمفوضية العليا إلى تدهورٍ صارخٍ في شروط العيش،80 حيث أنّ 70 بالمئة من اللاجئين المسجلين هم دون مستوى خط الفقر اللبناني الذي يعادل 3,84 دولاراً للفرد يومياً.81 أمّا الراغبون بفرص تشغيلٍ غير منتظمة بدوامٍ جزئي أو دوامٍ كامل، فلديهم خيار العمل بصورةٍ غير قانونية أو إلغاء تسجيلهم لدى المفوضية العليا. لكنّ إلغاء التسجيل يعني أيضاً فقدان الحصول على شتى الخدمات وأشكال المساعدة التي تقدّمها المفوضية العليا والمنظمات الشريكة في مجالات الرعاية الصحية والحماية والمعيشة .82
لا يزال الخبراء مرتابين بشأن إدخال التعهد بعدم العمل والمدى الذي يمكن أن يحمي به سوق العمل اللبناني، لأنّه “ لطالما كان السوق بالنسبة للعمال السوريين غير رسمي ومرناً إلى أن أصبح فجأةً – ومن دون سابق إنذار – مقيداً جداً من حكومةٍ تفتقر إلى الموارد اللازمة لتقييده في المقام الأول. إذاً، لماذا ‘تنظّمه’ الآن؟”.83 علاوةً على ذلك، يشدّد الخبراء على أنّ القطاعات التي يعمل فيها السوريون لا يرغب فيها اللبنانيون، مفترضين أنّ العمالة السورية لا تهدّد تشغيل اللبنانيين. كما أنّهم يشيرون إلى أنّ سوق العمل اللبناني يستفيد بطريقةٍ ما من العمالة السورية. ذلك أنّ التدفق الكبير للاجئين زاد الطلب، وخلق دفقاً من أموال المساعدات، وأدى إلى ازدياد الإنتاجية لأنّ السوريين قوةُ عملٍ أرخص لا يضطر أرباب العمل اللبنانيين إلى دفع ضرائب ولا ضماناتٍ اجتماعيةٍ عنها.84] كذلك، سلّط أستاذٌ مشهور في علم الاقتصاد أجرى فريقنا معه مقابلةً لصالح هذا التقرير الضوء على أنّه، “فضلاً عن ذلك، لعلّ السوريين الذين افتتحوا أعمالاً تجاريةً قد ساهموا بانخفاض الأسعار في منافسة السوق، إلا أنّ اللبنانيين من الطبقة الوسطى الدنيا استفادوا كذلك من هذا الأمر”. وأضاف أنّ:
"تدفّق اللاجئين الهائل يفرض ضغوطاً على البيئة والبنى التحتية المحلية والموارد والأمن. لكنّ تأثير اللاجئين على الاقتصاد لم يكن سلبياً. بل إنّه، خلافاً لذلك، كان إيجابياً "85
أثناء كتابة هذا التقرير – 7 حزيران/يونيو 2016 – عمّم رئيس المديرية العامة للأمن العام مذكرةً على جميع مكاتبه تنصّ على أنّه ينبغي استبدال “تعهدٍ بالتقيّد بالقوانين اللبنانية” بالتعهد بعدم العمل، بعد ثمانية عشر شهراً من دعوة المجتمعات المحلية والدولية إلى ذلك. لم تؤكّد المديرية هذا الاستبدال رسمياً، لكنّ عدداً من المحاورين أبلغونا أنّ الإجراء بات ساري المفعول فعلاً، على الرغم من أنّ جميع مكاتب المديرية لا تقوم به بصورةٍ منتظمة. إلا أنّ الفاعلين الأساسيين العاملين ميدانياً والذين أجرينا معهم مقابلات لصالح هذا التقرير لا يزالون على ما يبدو حذرين من تأثير إلغاء التعهد بعدم العمل. يوضح ممثلٌ لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي قائلاً:
"لم يكن للتعهد بعدم العمل تأثيرٌ على أرض الواقع؛ إذ يعمل اللاجئون بصورةٍ غير نظاميةٍ على الرغم من ذلك. كان أشبه بإجراءٍ رمزي باسم الحكومة اللبنانية؛ لا يريدون صراحةً أن يعمل اللاجئون، ويحتاجون إلى مزيدٍ من الدعم للمعيشة، لكلٍّ من اللاجئين والمجتمع المضيف. بالتالي، إلغاء التعهد هو لفتةٌ رمزية ."86
يؤكد ممثلٌ للمفوضية العليا للاجئين أنّ:
إلغاء التعهد بعدم العمل بالغ الأهمية على المستوى السياسي لأنّه كان غير قانوني: مسموحٌ للاجئين بالعمل ولا يوجد في القانون اللبناني نصٌّ يمنعهم – أو يمنع أي أجنبي من حق الدخول إلى سوق العمل. لكنّ إحالل تعهّدٍ بالتقيّد بالقوانين اللبنانية محلّ هذا التعهد يبدو غير ضروري؛ فعلى الأشخاص التقيّد بالقوانين اللبنانية في كلّ الأحوال، وكذلك من دون تعهّد. أودّ القول بأنّ الأمور لن تتغيّر كثيراً بالنسبة إلى السوريين. لكن من الصعوبة بمكانٍ تقييم ذلك في الوقت الراهن.87
يتضمّن التقيّد بالقوانين اللبنانية، بالنسبة إلى السوريين الراغبين في دخول سوق العمل بصورةٍ قانونية، الحصول على تصريح عمل. وكما جادلنا سابقاً، فإنّ عدداً ضئيلاً من تصاريح العمل يُمنح سنوياً. يوضح ذلك خبيرٌ قانوني مقرّبٌ من وزارة العمل:
"نادراً ما يمنح الوزير تصاريح عملٍ للسوريين لأنّ الوزارة تفترض أنّهم يكذبون. يقولون إنّهم يعملون في قطاع البيئة، لكنّهم جميعاً يعملون في السوق السوداء لكسب مزيدٍمن المال ."88
يفضي هذا الأمر عملياَ إلى حلقةٍ مفرغة: ترفض وزارة العمل منح تصاريح للاجئين السوريين، لأنّهم جميعاً في “السوق السوداء” غير الرسمية. وعلى نحوٍ مشابه، يعمل السوريون في القطاع غير الرسمي، لأنّهم لا يستطيعون الحصول على تصاريح عملٍ قانونية. أضاف أحد المحاورين بأنّه حتى لو كانت الوزارة لا تواصل بفاعليةٍ انتهاج سياسةٍ بشأن القيود المفروضة على تصاريح العمل، إلا أنّ نظام تصاريح العمل لا يستوعب على ما يبدو إلا أعداداً ضئيلةً من العمال الأجانب. فزيادة تصاريح العمل الممنوحة إلى مئات الآلاف لا تقتضي تعزيز قدرات وزارة العمل فحسب، بل كذلك مراجعة نظام تصاريح العمل، لأنّه من المرجح أنّ النظام غير مهيأ بعد لمثل هذا التغيّر. أوضح المحاورون أيضاً بأنّ الأمن العام يطلب منهم البحث عن كفيلٍ حين يمسكهم بجرم مخالفتهم للتعهد بعدم العمل. إلا أنّ عواقب مخالفة التعهد بالتقيّد بالقوانين اللبنانية غير واضحةٍ بعد.
أما الخيار الثاني أمام اللاجئين السوريين الراغبين بالإقامة لمدةٍ طويلة، فهو بواسطة تعهدٍ مسبقٍ بالمسؤولية يوقّعه مواطنٌ لبناني أو ربّ عمل – كفيل – لدى كاتب عدلٍ بكلفةٍ تتراوح بين ثلاثين ألف وخمسين ألف ليرة لبنانية.89 إذا كان الكفيل ربّ العمل، فإنّ التعهد المسبق بالمسؤولية يلزِم الكفيل ب”طلب تصريح عملٍ وفقاً للأنظمة، ويفترض مسؤولية الكفيل عن ]السوريٍ/السورية[ ونشاطاته/ نشاطاتها والأعمال التي قد تسبب ضرراً للآخرين أو يكون لها تداعيات أمنية، إضافةً إلى ضمان اتخاذ التدابير الضرورية للقيام بالمعالجة الطبية والإيواء”.90 غير أنّ التعهد المسبق بالمسؤولية لا يتضمّن أيّ إشارةٍ إلى حقوق العمال السوريين المتعلّقة بالأجور أو ساعات العمل أو ظروفه أو حلّ النزاعات.
علاوةً على ذلك، يربط التعهد المسبق بالمسؤولية على أساس العمل الوضع القانوني للسوري/للسورية بشغله/شغلها. هذه الوضعية لا تجعل العامل/العاملة معتمداً/معتمدةً على الكفيل فحسب، بل تجعله/تجعلها عرضةً إلى حدٍ كبير لسوء المعاملة والاستغلال.91 لطالما انتقد دعاة حقوق الإنسان نظام الكفالة المطبّق سابقاً على عاملات المنازل المهاجرات، لأنّه يُفسح مجالاً للاستغلال إضافةً إلى تحويل أعباء مسؤوليات الدولة إلى المنظمات غير الحكومية وفاعلي المجتمع المدني المسؤولين عن الحماية.92 إلا أنّ النظام توسّع الآن نظراً لأنّه يطبّق أيضاً على المواطنين السوريين.93 يوضح ذلك خبيرٌ قانوني مقربٌ من وزارة العمل:
"إنّها أساساً وسيلةٌ للمحافظة على رقابةٍ صارمةٍ على السوريين. إذ يستطيع الأمن بفرضه نظام الكفالة الحصول على كافة المعلومات الضرورية المتعلقة بالعمال السوريين. كما أنّ فرض هذا النظام يعني أيضاً أنّ المواطن اللبناني مسؤولٌ قانونياً عنهم ]العمال السوريين[. لا يمكن أن يقبل/تقبل أيّ لبناني/لبنانية هذه المسؤولية إن راودته/راودتها أيّ شكوكٍ بمن سيكفلونه من السوريين."94
ومن الجدير بالملاحظة أنّ ربّ العمل الذي سيكفل الشخص المعني سيقوم بذلك في مجالات القطاعات التي حدّدتها المراسيم الوزارية. في العام 2016 ، كانت القطاعات الرئيسية هي الزراعة والبناء والبيئة. كذلك، أشار المحاورون إلى أنّ السوريين ذوي التأهيل العلمي العالي محصورون على حدٍ سواء بهذه القطاعات التي لا توفّر لهم فرصاً تكشف أقصى إمكانياتهم. كما أنّهم شدّدوا على الطابع المرتجل إلى حدٍ ما لهذه المراسيم، ما يدفع كثيراً من السوريين إلى التسجيل ضمن إحدى الفئات في حين يكون لديهم وظائف )غير رسمية( في قطاعاتٍ أخرى. إلا أنّ تدقيقاً أوثق يفترض أنّ المراسيم ليست نتيجة مقاربةٍ متعمدةٍ للحكومة، إذ يبدو أنّها وسّعتها نحو قطاعاتٍ كانت تاريخياً مع ذلك تستقطب العمال السوريين.95
إذاً، يستطيع اللاجئون السوريون الراغبون بالحصول على إقامةٍ لمدةٍ طويلةٍ في لبنان القيام بذلك بالتسجيل إمّا لدى المفوضية العليا أو لدى كفيل. لا يخلق اختيار أحد هذين الخيارين صعوباتٍ فحسب للاجئين السوريين، بل إنّ تصنيفهما بذاته يبدو إشكالياً أيضاً. فبما أنّ الحكومة اللبنانية لم تصدّق اتفاقية العام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين ولا بروتوكول العام 1967 الخاص بها، فليس هنالك في لبنان وضع لاجئ رسمي. أمّا الأشخاص المسجلون لدى المفوضية العليا والذين سيعتبرون في بلدانٍ أخرى لاجئين، فيُشار إليهم بوصفهم “نازحين”، أو – منذ أن لم يعد مسموحاً للمفوضية العليا تسجيل حالاتٍ جديدة – “أشخاصاً موضع اهتمام”. ومنذ وضع فئات الدخول والإقامة الجديدة موضع التنفيذ، اعتُبر اللاجئون الذين يعملون في لبنان مهاجرين. وكما أوضح ممثلٌ للمفوضية العليا:
"تنصّ هذه السياسة على عدم عمل اللاجئين. ما يعني أنّك إذا كنت تعمل، فلست بالتالي لاجئاً – وبخاصةٍ إذا كنت سورياً في لبنان، في ضوء الهجرة التاريخية ."96
غير أنّ هنالك فارقاً مهماً بين اللاجئين والمهاجرين. إذ لا يمكن استخدام هذين المصطلحين بشكلٍ متبادل،لأنّ ذلك ينطوي على عواقب ذات شأنٍ تتعلّق بالوضع القانوني للاجئين وحقهم في العمل وحمايتهم. أي أنّ أولئك الراغبين في دخول سوق العمل اللبناني ينبغي عليهم الحصول على وضعٍ قانوني بوصفهم مهاجرين، أي أنّهم سيخسرون إمكانية الاستفادة من الخدمات وأشكال المساعدة التي تقدمها المفوضية العليا ومنظمات الإغاثة الأخرى. أمّا الذين يختارون الإبقاء على وضعهم ك”لاجئين تابعين للأمم المتحدة” وما يترتب على ذلك من حماية، فهم مستبعدون من سوق العمل. تعرض هذه السياسة على السوريين الاختيار الصعب بين الحصول على سُبُل العيش أو الاستفادة من الحماية والمساعدة )غير الكافيتين(. شدّد كثيرٌ من الخبراء الذين قابلناهم على أنّه ينبغي اعتبار جميع السوريين الهاربين من الحرب والاضطهاد ودخلوا لبنان بعد العام 2011 لاجئين بمعزلٍ عن وضعهم القانوني. اللاجئون هم أشخاصٌ غادروا بلدهم الأصلي بسبب الخوف من التعرّض للاضطهاد أو الصراع أو العنف بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو عضوية مجموعةٍ اجتماعيةٍ محدّدة أو الرأي السياسي. ولا تشكّل عودتهم إلى بلدهم الأصلي خياراً لأسبابٍ تتعلق بسلامتهم. وهم يحتاجون إلى الحماية الدولية في بلدانٍ أخرى لأنّهم يفتقرون إلى الحماية في بلدانهم. كما أنّ وضعهم القانوني تحدّده اتفاقية العام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكولها للعام 1967 ، ويحميهم مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يحظر طرد اللاجئين أو إعادتهم إلى أوضاعٍ تعرّض حياتهم أو حريتهم للخطر.97
المهاجرون هم أشخاص يسعون إلى اللجوء إلى بلدانٍ أخرى بحثاً عن فرصٍ أفضل. قد يكون ذلك من خلال إيجاد عملٍ أو التعلم أو لمّ شمل الأسرة، لكنّه قد يكون أيضاً من أجل التخفيف من المصاعب الكبيرة الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو المجاعة أو الفقر المدقع. وعلى الرغم من أنّ أسباب مغادرة المهاجرين لبلدانهم قد تكون مقنعةً، إلا أنّ الهجرة غالباً ما تنطوي على عمليةٍ طوعية. قد تكون عودتهم إلى بلدانهم شائكةً، لكنَ س امتهم ليست على المحك بصورةٍ تمنع عودتهم. يخضع المهاجرون للقوانين السائدة في بلدان وجهتهم ولا يتمتعون بوضعٍ قانوني خاص. وباستثناء قانون حقوق الإنسان، فإنّهم غير محميين بموجب القانون الدولي.98
من خلال الربط بين حماية اللاجئين وإدارة الهجرة، قيّدت الدول الحصول على اللجوء وحدّت من حقّ حماية اللاجئين الأساسي. فضلاً عن ذلك، لا تأخذ تدابير الدخول والإقامة دائماً بالحسبان الدوافع المختلطة التي تحمل الأشخاص على الهجرة الطوعية )غير الطوعية(، ما يؤدي إلى الحرمان الظالِم من الوصول إلى المناطق والحصول على الحماية 99.
٤٫٢ نتائج عكسيّة: إجراءات غير نظامية وغير قانونية متزايدة
يُظهر بحثنا الميداني أنّ قيود الإقامة وتصاريح العمل لم تساهم في إضفاء مزيدٍ من الطابع الرسمي على شروط الإقامة والعمل بالنسبة إلى السوريين، بل ساعدت بالأحرى على توسيع ديناميات الإجراءات غير النظامية وغير القانونية. وكما أشرنا آنفاً، يقدَّم للاجئين المسجلين لدى المفوضية العليا والمستبعدين بالتالي من سوق العمل تعويضٌ على هيئة مساعدةٍ غذائية )تعادل 27 دولار للفرد( ومساعدةٌ نقديةٌ متعدّدة الأغراض ) 175 دولار(. وإذا أخذنا في الحسبان أنّ 14 بالمئة فقط من اللاجئين يتلقّون المساعدتين الغذائية والنقدية، فهذا يعني أنّ 86 بالمئة من اللاجئين يعوّضون بمبلغٍ أقل أو لا يتلقّون أيّ تعويض. في الوقت عينه، يجني اللاجئون غير المسجلين والذين يعملون مبلغاً وسطياً يعادل 177 دولاراً شهرياً. يُظهر بحثٌ مشتركٌ أجرته وكالات الأمم المتحدة أنّ الأسرة التي تعيش في مستوى خط الفقر تنفق 604 دولار شهرياً .100 من الواضح إذاً أنّه من غير الممكن أن يغطّي مقدار المساعدة الغذائية والنقدية ولا متوسط الراتب الشهري للاجئ ولا حتى الجمع بينهما جميع نفقات العيش. فضلاً عن أنّ مقداراً كبيراً من المال يُنفَق مع توقيع تعهدٍ بعدم العمل عند كاتب العدل )حوالي أربعين ألف ليرة لبنانية 101( أو تجديد الإقامة )مئتي دولار 102.
ومثلما قال أحد المجيبين: “الأشخاص الذين يريدون أن يكون وضعهم قانونياً لا يستطيعون العمل”.103 ما يؤدي، إلى جانب الحاجة الحتمية إلى العمل، إلى سوق عملٍ تسيطر عليه بصورةٍ رئيسيةٍ أشكالٌ غير قانونية وغير نظامية. حيث يقدّر ممثلٌ لوزارة العمل أنّ 90 بالمئة من السوريين يعملون في هياكل غير قانونية في لبنان. ووفقاً لعملنا الميداني، يعتمد معظم السوريين وكذلك أرباب عملهم اللبنانيون على قطاعٍ غير رسمي هائل لعقود عملٍ زائفة وكف اء زائفين. هكذا، غالباً ما تكون محاولات اتخاذ وضعٍ قانوني – كعاملٍ أو كلاجئ – قائمةً على تصاريح غير قانونية، كما يتّضح في بحثنا السابق.104 أوضح المحاورون أيضاً أنّ الشركات التي لا ترغب في اللجوء إلى قطاع السوق السوداء غير الرسمي تُكرَه على “طرد موظفيها الذين ليست لديهم إقامة”.105 إضافةً إلى ذلك، أشار كثيرٌ من المجيبين إلى أنّ عدم التمكّن من الحصول على الإقامة أو المحافظة عليها أو الحصول على تصريح عمل يجعل من الصعب على معظم السوريين في لبنان التنقّل على أساسٍ قانوني خشية المرور بحواجز التفتيش. كما أنّ عدم امت اك إقامةٍ لا يعني فقط إبعاد فرص العمل عن السوريين؛ فقد تذكّر كثيرٌ من المحاورين اضطرارهم للتخلّي عن وظائفهم لهذا السبب بالذات، وهو أمرٌ بالغ القسوة بخاصةٍ لمن هم في حاجةٍ ماسّةٍ للمال. مثلما يوضح أحد محاورينا وهو عاملٌ سوري مياوم:
"كنت أعمل في المناطق اللبنانية كافةً، ولكن لأنّه ليس لدي تصريح إقامةٍ بسبب التنظيمات الجديدة، لم أعد أتنقل أو أمتلك حرية التنقل كما في السابق. هنالك كثيرٌ من حواجز التفتيش، وإذا أمسكوني من دون وثائق قانونية، سينتهي الأمر بي في السجن لمدة أسبوعٍ على الأقل. لذلك أحاول تجنّب حواجز التفتيش قدر الإمكان، لكنّ ذلك يعني أيضاً أنّ حركتي ستكون محدودةً للغاية. إن كان هنالك أيّ حاجز تفتيشٍ في طريقي إلى العمل، فلن يعود بوسعي الذهاب. هكذا، يتلاشى كثيرٌ من فرص العمل ولا يزال. لكنّني لا أستطيع حقاً البقاء من دون عمل، لأنّني بغير ذلك لا أستطيع إطعام أسرتي"106
أبلغنا عاملون في منظمةٍ غير حكوميةٍ بإمكانية امت اك اللاجئين بطاقات هويةٍ خاصةٍ، إلا أنّ الأمر لم يؤكّد رسمياً أو يطبّق حتى الآن. وعلى الرغم من أنّ بطاقات الهوية هذه لن تحلّ محلّ تصاريح الإقامة، فقد تُعدّ مُكمّلاً لها وتفيد في تعزيز حرية حركة اللاجئين. لكنّ بعض القضايا لا تزال غير واضحة:
"لا نعلم إن كانت وزارة الشؤون الاجتماعية قادرةً على إصدار 1033513 بطاقة هوية. لا نعلم إن كانت هذه البطاقات ستمنح للاجئين المسجلين فحسب أم لغير المسجلين أيضاً. من الناحية المثالية، نحتاج إلى العمل باتجاه حلٍ ربما تكون فيه هذه البطاقة بمثابة تصريح عملٍ في قطاعات الزراعة والبناء والبيئة على الأقل"107
من الجدير بالملاحظة أنّ اللجوء إلى السلوك غير القانوني قد يكون كذلك قراراً واعياً. مثلما أوضح صاحب عملٍ سوري:
"افتتحتُ عملاً مع ابن عمي. إنّه لبناني وزوجتي لبنانية، لذلك سيكون امتلاك عملٍ قانوني سهلاً من الناحية النظرية. لكنّنا لا نزال غير مسجلين لدى السلطات. فلو فعلنا، لكان علينا دفع نصف دخلنا كضرائب "108
كان السلوك غير القانوني وعواقبه بالنسبة إلى معظم شركائنا الذين أجرينا معهم المقابلات القضيةَ الأكثر تحدياً التي غيّرت حياتهم بصورةٍ جذريةٍ في السنتين الماضيتين. وصفت واحدةٌ من محاورينا أنّ ذلك “قلب حياتها رأساً على عقب”.109 إنّ ذلك لا يؤثّر سلبياً على اللاجئين فحسب، بل كذلك على فاعلي المنظمات غير الحكومية. يجادل أحد ممثلي منظمةٍ غير حكومية محلية في أنّ:
"هنالك كثيرٌ من المنظمات غير الحكومية السورية واللبنانية التي تأسّست مؤخراً لتغطية حاجات اللاجئين. كانت تعيّن موظفين سوريين مؤهّلين، لكنّ معظم الموظفين السوريين غادروا لبنان حالياً. إذا لم يكن بوسعهم جعل وجودهم قانونياً ولا يستطيعون العمل، فكيف سيبقون على قيد الحياة هنا؟ لقد تأثّر عمل منظّمتنا إلى أبعد الحدود بقيود الإقامة، ليس لأنّه لم يعد لموظفينا أيّ خيارٍ سوى المغادرة فحسب، بل كذلك لأنّ اللبنانيين المؤهلين لا يرغبون في العمل مع المنظمات غير الحكومية المحلية. فمن الأسهل والمنطقي مالياً العمل مع المنظمات غير الحكومية الدولية. لكن ينبغي على السلطات إدراك أنّنا ‘نحن الفاعلين المحليين’ نتحمّل أعباء كبيرة عليها هي تحمّلها، من حيث تنظيم إقامة السوريين في لبنان. ينبغي عليها أن تدرك أيضاً أنّ إعاقة الفاعلين المحليين بهذه الطريقة لن يحلّ المشكلة؛ بل إنّه سيفاقمها"110
تبعية متزايدة
ثانياً، يؤدي إضفاء الطابع الرسمي المتزايد إلى تبعيةٍ متزايدة في علاقات العمل. وقد تجلّى لنا ذلك بصورةٍ رئيسية بخصوص ثلاث شخصياتٍ مهمّةٍ من “السلطة”: المالك والشاويش والكفيل. أظهر عملنا الميداني أنّ معظم النقود التي يجنيها اللاجئون تُنفق على الإيجارات. فقد أوضح المحاورون أنّ الإيجارات أخفض في أماكن الاستيطان المبنية من الخيام، لاسيما حين تكون “الأرض سيئة”.111 كما أنّهم أوضحوا أنّ المالكين يميلون لزيادة الإيجارات حين يعلمون أنّ المستأجرين سوريون. معظم اللاجئين السوريين الذين يعملون يقومون بذلك على أساسٍ غير منتظم،112 الأمر الذي يُضاف إلى أعباء دفع الإيجار والخوف من فقدان منازلهم، ويُكرههم على العيش في سكنٍ غير لائق. يوضح بوّابٌ الأمر كما يلي: كنت أعمل بالبناء في سوريا وأحياناً حتى في لبنان. لكنّ العمل بالبناء لم يعد سهلاً كما كان في السابق:
"قد أعمل ليومٍ واحدٍ وأبقى من دون عملٍ لشهرٍ كامل. لذلك بدأت العمل كبوّاب. أكسب فقط 300 دولار في الشهر، لكنّ الأمر أفضل بكثير، فعلى الرغم من أنّ أسرتي كلّها تعيش في غرفةٍ واحدة، لكنني أنا غير مضطرٍ لدفع الإيجار. هذا هو المصروف الأكبر والأهم”"113
علاوةً على ذلك، شدّد محاورونا على أنّ المالكين، لاسيّما في أماكن الاستيطان غير الرسمية، يمارسون القوة حين لا يُدفع الإيجار، لأنّه ليس لسكان المخيم مكانٌ آخر يرحلون إليه في معظم الأحيان. نتيجةً لذلك، لا يكون رفض طلب المالك خياراً بالنسبة للاجئين، ويستفيد المالكون من ذلك الوضع. يصرّح عامل في منظمةٍ غير حكوميةٍ أنّه:
"ينبغي على اللاجئين الذين يعيشون في خيامٍ أن يدفعوا إيجاراً شهرياً للمالك مقابل مكان الخيمة. لكنّهم لا يستطيعون أحياناً دفع الإيجار. من حينٍ لآخر، وحين يحدث ذلك، يُكره المالكون اللاجئين على العمل لصالحهم من دون مقابل، وإن لم يفعلوا ذلك يطردونهم. في الوقت عينه، حين تريد هذه الأسر شراء الطعام يقوم المالك ببيعهم الطعام من متجره على الأرض. وفي حال لم يستطيعوا الدفع يجعلهم يوقّعون على كمبيالة. ينتهي الأمر باللاجئين إذاً للدفع لقاء استئجار خيمة، والعمل من دون مقابل، وفوق كلّ ذلك يكونون غارقين في الديون. ومن المستفيد؟ المالك ."114
ثانياً، وصف كثيرٌ من مجيبينا الدور الإشكالي الذي يقوم به الشاويش داخل مكان الاستيطان غير الرسمي. قد يكون الشاويش لبنانياً، لكنّه غالباً ما يكون لاجئاً سورياً، يقوم بدور الوسيط بين المالكين واللاجئين والمنظمات غير الحكومية وأجهزة الأمن.115 فمن جانب، يصفه المحاورون بأنّه شخصٌ يُكرِه الناس – بمن فيهم الأطفال – في المخيم على العمل بتشغيلهم في المطاعم والمتاجر والمزارع المجاورة. في هذه الحالة، لا يدفع القاطنون الإيجار بل يتقاضون رواتبهم عن طريق الشاويش الذي يأخذ بدوره حصةً منها. أوضحت عاملةٌ مُسنّةٌ أنّ:
"شاويش المخيم هو من يرسلنا إلى المزارع. لقد عقد صفقةً مع المالك يتركنا بموجبها نقوم بالأعمال الزراعية هناك. راتبنا اليومي حوالي ثمانية آلاف ليرة لبنانية. يحصل الشاويش على نقودنا ويأخذ ألفي ليرة مقابل الإيجار. وفي نهاية الموسم يعطينا ستة آلاف ليرة عن اليوم الواحد مضروبةً بعدد أيام عملنا. كما أنّه يملك متجراً صغيراً داخل المخيم، لذلك حين نكون بحاجةٍ لشراء الطعام أو السلع الأخرى يعطينا ما نحتاجه، وفي نهاية الموسم يقتطع هذا المبلغ من رواتبنا ويعطينا البقية ."116
أضافت عاملتان زراعيتان:
"في هذا المخيم، نستطيع اختيار الطريقة التي نريد أن نعمل بها، سواء من خلال الشاويش أم مع المالك مباشرةً. لكنّ الأمر واحدٌ في النهاية. فإذا عملنا من خلال الشاويش، سيدفع لنا في نهاية الموسم بعد أن يقتطع إيجار الخيمة إضافةً إلى ما ندين له به مقابل الطعام والماء والكهرباء وما شابه. سيدفع لنا إن بقي أيّ مال. أمّا إذا عملنا مع المالك مباشرةً، لأسبوعٍ على سبيل المثال، فسيدفع لنا مقابل يومين" .117
ومن جانبٍ آخر، غالباً ما يكون الشاويش أيضاً الشخصية الوحيدة المتحكّمة والقادرة على حماية كثيرٍ من السوريين من الطرد أو من عدم حصولهم على أجورهم، في حين يكون مسؤولاً أيضاً عن توزيع مساعدات المنظمات غير الحكومية. أوضح العاملون في المنظمات غير الحكومية أنّه على الرغم من أنّ معظم اللاجئين يدركون عدم إمكانية إكراههم على العمل، لأنّ الشاويش “شخصٌ مثلهم”، فقد شدّدوا أيضاً على أنّ الحماية التي توفّرها المنظمات غير الحكومية لا تكفي، أو أنّهم لا يستطيعون إيجاد وظائف من دون الشاويش.118 أوضح عامل أنّ: العمل من خلال الشاويش أكثر أماناً من العمل من خلال المالك، لأنّ هنالك كثيراً من المالكين يجعلون الناس يعملون لكامل الموسم. وحين يأتي وقت الدفع للناس، يطردون العاملين من دون أن يدفعوا لهم شيئاً.119
يمنح هذا الدور المزدوج الشاويشَ موقعاً “تحكميّاً” متضارباً، ما يخلق علاقات تبعيةٍ بينه وبين بقية قاطني المخيم.120
أمّا الشخصية الثالثة في التبعية، فهي الكفيل. لقد أكّد مجيبونا على وجود تضاربٍ سلطوي حين يكون لديهم عملٌ على أساس التعهد المسبق بالمسؤولية. أولاً، لأنّ وضعهم القانوني ووظيفتهم يعتمدان على الكفيل. وثانياً، لأنّ الكفيل يمكن أن يسحب كفالته في أيّ وقت. هذا الأمر يجعل السوريين معتمدين إلى حدٍ كبير على كفيل بطرقٍ عديدة. كذلك، وصف المحاورون صعوبات إيجاد كفيلٍ في المقام الأول. هذا جزئياً بسبب مسؤولية الكفيل القانونية تجاه اللاجئين السوريين وأسرهم – من الواضح أنّه أمرٌ رادعٌ لكثيرين – وكذلك لأنّ إيجاد كفيلٍ مُكلفٌ للغاية. التزم معظم المحاورين بالقول بأنّ الكفيل يمكن أن يطلب مبالغ باهظة مقابل توقيع تعهدٍ مسبقٍ بالمسؤولية، تتراوح قيمتها بين مئتي وألف دولار. أوضح مجيبٌ أنّ:
"المتعهدين الذين أعمل لديهم لم يوافقوا على مساعدتي بالكفالة. فأخذت تقرير ابنتي الطبي – الذي يتضمّن إصابتها بالسرطان – من المستشفى وذهبت إلى الأمن العام لتقديم طلبٍ للحصول على الإقامة بسبب أنّ ابنتي تعالج في لبنان. لكنّهم لم يقبلوا ذلك، قائلين إنّنا نحتاج إلى كفيلٍ أو إلى التسجيل لدى المفوضية العليا للاجئين. حاولت أن أشرح لهم أنّ المفوضية العليا لم تعد تسجّل لاجئين سوريين وأنّ ذلك غير منطقي. ليس بوسعي الدفع للحصول على كفيل كما يفعل آخرون. تتراوح تكلفة الحصول على كفالة في الوقت الحالي وفي أيّ مكانٍ بين 600 و 800 دولار للشخص".121
ليست هذه التكاليف إشكاليةً بالنسبة إلى معظم السوريين فحسب، بل إنّ تكلفة تجديد الإقامة وهي 200 دولار مرتين سنوياً تطرح أيضاً بعض الصعوبات:
"لا نملك أنا وأسرتي أوراقاً قانونية. نستطيع تجديد إقاماتنا مقابل 200 دولار لكلّ واحدٍ منا، لكنّنا لا نستطيع تحمّل ذلك، ولم يساعدني ربّ عملي على تغطية الرسوم. وحتى لو عرض عليّ أن يكون كفيلي فأنا بحاجةٍ لدفع الرسوم بنفسي. مشكلتي إذاً في مسألة تجديد الإقامة تكمن في الرسوم وليس في الكفيل. وإذا أردت الحصول على الإقامة، فينبغي عليّ أن ادفع 500 دولار عني وعن زوجتي، لأنّ هنالك تكاليف إضافية للوثائق المطلوبة وتكلفة وسائل النقل" .122
إضافةً إلى ذلك، يبدو أنّ الكف اء يفلتون من عواقب العمل القسري والاستغلال والتحرّش. يشير المجيبون إلى أنّ الكفيل/الكفيلة يملك/ تملك سلطة دفع أجورٍ منخفضة أو عدم دفع أجورٍ على الإطلاق. وفي الوقت عينه، يستطيع/تستطيع الحدّ من حرية السوري في البحث عن شغلٍ في مكانٍ آخر. وصف ذلك عاملٌ مصاب:
"أتيت إلى لبنان أثناء الصيف. وجدت كفيلاً وكنت أعمل تسع ساعاتٍ في اليوم مقابل 15 دولاراً يومياً، ثمّ جاء الشتاء، وقال كفيلي بأنّه ليس لديه عمل في الشتاء. طلب مني العودة إلى سوريا، لكنّني بطبيعة الحال لم أستطع ذلك ولا أستطيع. لذلك استأجرت غرفةً، ثمّ أنجبت زوجتي طفالً آخر. لم يعد بوسعي دفع تكاليف الإيجار والولادة معاً، فطردنا المالك مع مولودنا الجديد. عدت إلى كفيلي لأطلب منه عمالً أو مكاناً للإقامة، لكنّه طردني أيضاُ. بعد ذلك، وجد لي صديقي عملاً ومسكناً في مزرعةٍ أسريةٍ زراعية. جاء شخصان وسدّدا ديني لمتجرٍ كنت أشتري منه بالدين، واصطحباني مع أسرتي إلى المزرعة لأعمل وأعيش فيها. بعد بضعة أيامٍ علم وكيلي أنّني أعمل لصالح شخصٍ آخر، فجاء إلينا وطلب منا مغادرة هذه المزرعة قائلاً إنّنا لا نستطيع العمل لصالح أيّ شخصٍ آخر غيره، بما أنّه الكفيل الرسمي. أخبرته الأسرة في المزرعة أنّهم سدّدوا ديني وأجور وسائل النقل وإذا أراد أخذنا فعليه دفع نقودهم، لكنّ الكفيل قال إنّه لا يملك أيّ نقود وأخذنا بالقوة... في اليوم التالي، خطفتني الأسرة وزجّتني في غرفةٍ فارغة. قاموا بتعذيبي ليومٍ كاملٍ بالماء والكهرباء. وفي نهاية المطاف، أطلقوا النار على قدمي ببندقية صيد وأخذوا بطاقة هويتي وقسيمة دخولي. قالوا لي بأنّهم لن يعيدوا لي وثائقي إذا لم أدفع لهم نقودهم ما مجموعه 400 ألف ليرة لبنانية. ثمّ ألقوني في الشارع. وكان على الجار أخذي إلى المستشفى."123
غالباً ما وُصفت التبعية لنا أيضاً بالصلة مع تزايد الديون الناشئة عن واقع أنّ كثيراً من الأشخاص يعملون مقابل أجورٍ منخفضة ويتلقّون تعويضاتٍ ضئيلةً من وكالات الأمم المتحدة ومنظّمات الإغاثة. يُقدّر متوسط دين الأسرة ب 940 دولاراً، بما أنّ غالبية الأسر تعيش تحت مستوى خط الفقر.124 أوضح المحاورون أنّ الدائنين كانوا في كثيرٍ من الأحيان شاويشاً أو مالكاً أو كفي اً، هدّدوا بمصادرة أوراق المحاورين القانونية إذا لم يسدّدوا ديونهم.125 يفترض خبراء قابلناهم أنّ حوالي 90 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان غارقون في الدين 126 وشدّدوا على التأثير السلبي لذلك على الاقتصاد اللبناني، بما أنّ اللاجئين لا يدفعون ضرائب أو ضماناً اجتماعياً.
٤.٤ ظروف العمل القاسية وغير المستقرة
لا يساهم الإطار التنظيمي الجديد في السلوك غير القانوني وتوسيع التبعية فحسب، فانعدام الحضور القانوني والحقّ غير المنظم في العمل والتبعية للكفيل أو الشاويش تجعل السوريين عُرضةً للاستغلال بشكلٍ كبير، ولاسيما في عالم العمل. تصرح عاملةٌ بأنّه: “علينا قبول ما لا يُقبل” .127 كما أنّ معظم المحاورين أوضحوا أنّهم عملوا في هياكل عملٍ غير رسمية، من دون تصريح عملٍ وعقدٍ رسمي. يوضح ذلك رئيس فريقٍ في قطاع البناء:
لديّ عقد عمل مع الشركة، لكنّه ليس عقداً رسمياً: إنّه بيني وبين الشركة فحسب. عادةً ما نرتدي أزياء موحدة، لكنّ وزارة العمل تأتي أحيانأ لتفقّد الشركات. لذا نبدّل ثيابنا ونقول إنّنا نعمل ‘بالمياومة’، على أساسٍ مستقل. وإذا لم نفعل ذلك، تجازف الشركة بمواجهة مشكلاتٍ كثيرة لأنّنا لا نملك تصاريح عمل128.
علاوةً على ذلك، وصف المحاورون ساعات العمل الطويلة وغير المنتظمة، من دون إنشاء صناديق ما بعد التقاعد. تتكون أجورهم مما “يقارب نصف ما يتقاضاه اللبناني”،129 بل إنّ الأجر يتراوح أحياناً 5000 و 8000 ليرة لبنانية في اليوم، مع دفع رواتب غير منتظم.130 كذلك، صرح اللاجئون العاملون في الزراعة بأنّهم لا يتلقّون أجورهم إلا في نهاية الموسم 131. وعلى غرار معظم العمال المياومين في القطاع غير الرسمي، لم يُشر أيٌّ من مجيبينا إلى استفادتهم من التأمين أو الأرباح. كما أنّ الإجراءات غير النظامية تمهّد الدرب لأرباب العمل لممارسة سوء المعاملة. غالباً ما يتعرّض العمال للضرب أو يُكرهون على العمل، حتى في حالة الإصابة أو المرض. وبسبب هياكل العمل غير الرسمية، أوضح معظم مجيبينا أنّه ما من سلطةٍ يرجعون إليها في حال تعرّضهم لسوء المعاملة أو انتهاك حقوقهم. قال عاملٌ في منظمةٍ غير حكومية:
"أعرف فتاةً تعمل في مصنع؛ تعرّضت يدها لإصابةٍ بليغةٍ أثناء العمل، لكنّ أحداً لم يبالِ بها. وضع المشرفون عليها كحولاً (إيثانول طبي) على الجرح وضمّدوه، لكنّ إصابتها ازدادت سوءاً فيما بعد. كما أنّني أعرف فتاةً أخرى كانت تعمل في مصنع أغذيةٍ معلبة. تعرّضت لضربٍ مبرحٍ لقولها إنّها اكتشفت حشرات داخل العلب ".132
وأضافت عاملة زراعية سورية:
"منذ بضعة شهور، أصيب جميع من في المخيم بالجرب. جاءت بضع منظماتٍ غير حكومية وقدموا لنا أدوية. ثمّ اكتشفوا أنّ السبب في ذلك هو المبيدات الحشرية التي نستعملها في المزارع. ولا يزال علينا الذهاب إلى العمل على الرغم من مرضنا، بمعزلٍ عن سوء حالتنا، لأنّنا إذا أضعنا يوماً واحداً، فسيقوم الشاويش بإعطاء عملنا إلى شخصٍ آخر. أو أنّه سيقوم حتى بطردنا من المخيم."133
٤٫٥ ديناميات ضمنية وناجمة
أخيراً، تُظهر السياسة الجديدة وظروف العمل غير المستقرة دينامياتٍ كامنةً متعدّدة الأوجه تؤثر في الحياة اليومية للسوريين. أولاً، تقوم هذه السياسة على دينامياتٍ طبقيةٍ ضمنية. يُظهر العمل الميداني أنّ السوريين المنتمين إلى الطبقتين الدنيا والوسطى الدنيا والذين يكافحون لتأمين معيشتهم تأثّروا بصورةٍ رئيسية بالمضاعفات السلبية الموصوفة آنفاً. إذ إنّ العمال السوريين الذين يُعتبرون “خبراء” في مجالاتٍ معينة غالباً ما يستطيعون إيجاد كفيل. أوضح ذلك أحد المجيبين:
"طلبتُ من الشركة التي أعمل فيها أن تصبح كفيالً لي. في البداية أجّلوا ذلك، ثمّ أخبرتهم بأنّني سأستقيل إن رفضوا مساعدتي. حينها أخذوني على محمل الجد. أنا حرَفيٌّ وقد وضعوا استثناءً للحرفيين أمثالي. في الوقت عينه، هنالك شيء من الثقة لأنّني كنت أعمل هناك قبل أن تبدأ الحرب، وهم يعرفونني جيداً. لكنّ كثيراً من السوريين الآخرين في الشركة عينها لم يُقبل طلبهم، لأنّ بعضهم جدُدٌ أو لأنّهم عمالٌ غير مهرة”134
كذلك، غالباً ما يكون بوسع كثيرٍ من الخبراء التفاوض على رواتبهم، وهي أعلى بصورةٍ ملحوظة من رواتب العمال غير المهرة، بحيث تبلغ 850 دولاراً كحدٍ أقصى. فضلاً عن أنّ رواتبهم تُدفع بصورةٍ منتظمة، ومن ضمنها ساعات العمل الإضافية. وعلى الرغم من عدم استفادتهم من التأمين الطبي، إلا أنّهم واثقون بأنّ أرباب عملهم سيدفعون لهم ما يترتب على العناية الطبية الضرورية إضافةً إلى حصولهم على رواتبهم أثناء تغيّبهم. بصورةٍ عامة، لم يواجه كثيرٌ من محاورينا المنتمين إلى الطبقتين الوسطى والوسطى الدنيا معاملةً سيئة. يوضح فنانٌ أنّ “المثقفين مقبولون في المجتمع اللبناني، حتى عند حواجز التفتيش: يشاهدون أنّ ثيابنا حسنة وأنّنا نحسن التحدث .135
عبّر السوريون المنتمون إلى الطبقة الوسطى كافةً عن إدراكهم لواقع أنّهم “حالات خاصة”، وأنّ الآخرين، السوريين الأكثر فقراً، يتعرّضون لمعاملةٍ مختلفة. ولكن، وصف كثيرون أنّ الشعور العام باليأس وانعدام الآفاق المستقبلية يجعلهم يفكرون بمغادرة لبنان، كما يتضح من هجرة كثيرين من فاعلي المجتمع المدني في السنة الماضية. أوضح ذلك صاحب عملٍ سوري:
"كنت أتعامل مع أسواق الذهب والألماس، لكنّني هنا في لبنان أملك متجراً صغيراً. زوجتي لبنانية ولديّ ما يكفي من المال في حسابي المصرفي، ولذلك حصلت على الإقامة. أعيش بسالمٍ هنا، لكنّني بصراحةٍ لا أخطّط للبقاء. لا أستطيع ممارسة مهنتي هنا، ولا أحد يعلم متى سينفجر الوضع ."136
وأضاف سوري آخر:
"لا أرى أيّ مستقبلٍ هنا. أنتظر تحسّن الوضع في سوريا فحسب، بحيث أستطيع العودة إلى وطني. لبنان ملجأ مؤقت بالنسبة لي."137
ثانياً، تُحفّز السياسات الجديدة ديناميات مختلفة تتعلق بالنوع الاجتماعي. أكّد المجيبون على أنّ قوة العمل السورية في لبنان تكوّنت تقليدياً من الرجال، في حين تساهم النساء حالياً بصورةٍ متزايدة في الحياة الاقتصادية، ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى أنّه لا يُطلب من زوجات اللاجئين المسجلين التوقيع على تعهدٍ بعدم العمل، وكذلك لأنّ حرية أزواجهنّ مقيدةٌ بسبب الخوف من عبور حواجز التفتيش.138 أوضح العاملون في المنظمات غير الحكومية أنّه بسبب ذلك، النساء وحتى الأطفال “مُكرهون على القيام بدور الرجال في البحث عن مساعدة المنظمات غير الحكومية وتوفير الدخل”.139 وعلى الرغم من أنّ النساء أبلغننا أيضاً بأنّهنّ بدأن أولاً بمبادراتٍ لبيع الأطعمة المنزلية، لكنّ ذلك لم يوفّر لهنّ مالاً كافياً. شدّدت امرأةٌ من أحد أماكن التوطن المبنية من الخيام على أنّ “الناس حين يعلمون أنّ هذه الوجبات تأتي من المخيم يرفضون هذا الطعام فوراً، حتى لو كان من نوعيةٍ جيدة أو منخفض السعر”. نتيجةً لذلك، تُضطر النساء للانضمام إلى قوة العمل من خلال أساليب تشغيلٍ أكثر تقليديةً. كما أنّهنّ يواجهن ظروف عملٍ قاسيةً أثناء العمل، وبأجورٍ تتراوح في كثيرٍ من الحالات بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة لبنانية في اليوم.140 ويؤكّدن على أنّ أرباب العمل، لاسيما في الزراعة، يفضّلون تشغيل النساء لأنّهن سيجعلن العمالة أرخص. إضافةً إلى أنّ الرجال يفضّلون العمل في أماكن أخرى، بما أنّهم يجنون مالاً أكثر عبر العمل في قطاعاتٍ أخرى. صرحت عاملتان بأنّ:
"أتعابنا اليومية تتراوح بين 6000 و 8000 ليرة لبنانية ويدفعون لنا في نهاية الموسم. لكنّ كثيراً من المالكين لا يدفعون لنا. في الموسم الماضي، عملت لثلاثة شهور ولم يدفعوا لي إلا مئة ألف ليرة. كما أنّ صديقتي عملت لعدة شهور وحين طالبت بنقودها والتي كانت تعادل سبعمئة ألف ليرة، قال لها المالك: ‘لا أدين لك بشيء’."141
كذلك، شدّد عاملون في منظمةٍ غير حكومية على أنّ النساء غالباً ما يُكرهن على تحمّل التحرش وحتى الاعتداء الجنسي،142 ويُجبرن بالتالي على ترك أعمالهن. ويبدو أنّ النساء اللواتي يقمن بإعالة أُسرهّن أكثر عرضةً لسوء المعاملة وليس بوسعهنّ ترك العمل، ما يُجبرهنّ على قبول العمل وفق أيّ شرط. أوضح عاملٌ في منظمةٍ غير حكومية أنّ:
"قالت لي إحدى النساء حرفياً: ‘جِد لي عمالً من فضلك، أو أنّني سأرضخ لكلّ ما يطلبه مني ربّ عملي"143
على الرغم من ذلك، يدلّ التحرش الجنسي على أنّه موضوعٌ حساس، بما أنّ النساء غالباً ما يخجلن من التحدث بشأنه. فضلاً عن أنّهن غير متأكداتٍ من أنّ السلطات ستتخذ أيّ إجراء، أو أنّهن يخشين انتقام المعتدين. يوضح عاملٌ آخر في منظمةٍ غير حكومية:
"وثّقتُ خمس عشرة حالة اغتصاب في منطقة وادي خالد وحدها، حدث كثيرٌ منها في أماكن العمل. يأخذ بعض المالكين النساء الجميالت والأطفال كعبيدٍ للعمل وفعل ما يريدونه بهم. ولا تجرؤ أيّ من الضحايا على التحدث عن ذلك "144
ثالثاً، ليست النساء وحدهنّ من يتأثّرن بالسياسة الجديدة؛ فهي تؤثّر أكثر فأكثر في الأطفال أيضاً. تُجبر العواقب المترتبة على ذلك – ومن ضمنها الحركة المحدودة بسبب عدم وجود أوراق نظامية، أو الدخول المحدود أو المنعدم إلى سوق العمل – الأبوين اللاجئين على تنويع مصادر عيشهما.145 يوضح المجيبون أنّه حين تُسلب فرص العمل من الأبوين، وحين تكون رسوم التعليم المدرسي وحتى تكاليف النقل باهظة، لا يجد الأبوان غالباً خياراً آخر سوى إرسال أولادهما إلى العمل، ولاسيما أنّ الأطفال يشكّلون أكثر من خمسين بالمئة من تعداد اللاجئين السوريين.146 في العام 2013 ، أطلقت الحكومة اللبنانية خطة العمل الوطني في محاولةٍ للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال – التي سبقت بالفعل اندلاع الأزمة – بحلول العام 2016 .147 لكنّ تطور الأزمة السورية لم يسمح بتطبيق هذه الخطة بصورةٍ شاملة، ما دفع وزارة العمل والهيئات ذات الصلة148 إلى مراجعة الخطة في شهر تموز/يوليو 2016 .149 فض اً عن ذلك، وعلى الرغم من أن اليونيسيف والمنظمات غير الحكومية الأخرى مهتمة بمنع التسرب والحدّ من أرقامه، يجادل المحاورون في أنّ مزيداً ومزيداً من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والسادسة عشرة – وأصغر من ذلك في بعض الأحيان – يتسربون من المدارس لأنّ أباءهم يحتاجون إلى عونهم مالياً. يشرح ذلك عاملٌ في منظمةٍ غير حكومية:
"سمعت منذ بضعة شهور أنّ 25 طفالً من المخيم تركوا المدرسة وشرعوا في العمل بالزراعة. وحين سألتهم عن السبب، أخبروني بأنّ عليهم مساعدة أسرهم لأنّه لم يعد لديها ما يكفي من الدخل. هذا ما يحدث حين لا يكون لدى الأسر ما يكفي من المال لإطعامها. بطبيعة الحال، سيضطرون لإرسال أطفالهم إلى العمل ."150
يبادر الأطفال في بعض الأحيان لمساعدة أبائهم مالياً. أوضح ذلك أحد المحاورين:
"تبلغ ابنة جاري الرابعة عشرة من عمرها وتركت دراستها الثانوية لتشرع في العمل في المزارع. لم تحصل على فرصةٍ مناسبة للدراسة، لأنّها تريد مساعدة أسرتها في الحصول على بعض المال."151
وعلى الرغم من أنّ الأبوين يؤكدان على أنّهما يرفضان بدايةً الطلب من أطفالهما القيام بذلك، إلا أنّ شخصياتٍ مثل المالك والشاويش تلعب دوراً مهماً في إرسال الأطفال إلى العمل أو إلى التسوّل. يضيف عامل في منظمةٍ غير حكومية:
"وثّقنا عدة حالاتٍ لا يسمح فيها الشاويش للأطفال بالذهاب إلى المدرسة ما لم يكونوا قادرين على تعويض المال الذي كان سيحصل عليه الشاويش لو عمل الأطفال لصالحه بدل الالتحاق بالمدرسة ."152
لا يُكره الأطفال على العمل في ظروفٍ قاسية – بدنيةٍ وذهنيةٍ معاً –فحسب، بل إنّهم يُحرمون أيضاً من حقّهم الأساسي في التعليم. حذّر أحد مجيبينا من أنّ “جيلاً كاملاً سيصبح أُميّاً إن ظلّوا يتجاهلون حقّ الأطفال السوريين في التعليم”153. كذلك، أثار الخبراء المخاوف بشأن معدلات التسرب المتزايدة:
"أخشى من أنّ عمل الأطفال سيزداد، لأنّ أعمار معظم الأطفال حالياً تتراوح بين يومٍ وتسعة أعوام. ولكن بقدر ما تطول الأزمة السورية بقدر ما سيصبح هؤلاء الأطفال أكبر عمراً وأكثر ‘استعداداً’ للعمل."154
وفي الوقت عينه، وصف المحاورون مختلف المبادرات في السياقات الحضرية، من قبيل تنظيم بعض النساء مشاريع للأطفال لتعليمهم مبادئ القراءة وكيفية تنظيف الخضار وتحضيرها للبيع. أبلغنا المحاورون أيضاً أنّ بعض الآباء لجأوا إلى تزويج بناتهم زواجاً مبكّراً لأنّ ذلك “يُنقص عدد الأفواه التي يجب إطعامها”، كما عبّر أحد محاورينا .155
يوضح ذلك عاملٌ في منظمةٍ غير حكومية:
"أعرف حالات زواجٍ مبكّرٍ كثيرة. مرّةً، كانت هنالك فتاة زُوِّجت إلى حين. وحين طلّقها زوجها، حاولت العودة إلى أهلها في المخيم، لكنّهم لم يسمحوا لها بذلك لأنّهم لا يستطيعون العناية بها، فمضت إلى مخيمٍ آخر. لحسن الحظ، وجدت امرأةً لطيفةً تولّت إدخالها ."156
أكّد عاملون في منظماتٍ غير حكوميةٍ أجرينا معهم مقابلاتٍ أنّ عمل الأطفال إشكاليٌّ بصورةٍ خاصّة لأنّ الأطفال غالباً ما يواجهون استغلالاً مضاعفاً؛ أولهما يحدث في العمل، طالما أنّ عمل الأطفال استغلاليٌّ بالتعريف؛ وثانيهما في البيت، حين يواجههم الأبوان (أو الشاويش) إذا لم يحضروا إلى البيت مالاً كافياً .157
تساهم التأثيرات الموصوفة آنفاً في نشوء ما يُدعى آليات التلاؤم السلبي. إنّها استراتيجياتٌ قصيرة المدى للتعامل مع المواقف العصيبة بطريقةٍ مؤذية. شرح لنا المجيبون أنّه من أجل التعامل مع الفقر، يلجأ اللاجئون السوريون إلى كافة أنواع “الحلول” المريعة، مثل السوق السوداء وعمل الأطفال وزواج الأطفال المبكّر. تتضمّن استراتيجيات التلاؤم السلبي الأخرى بغاء الضرورة )بوصفه خياراً واعياً أو بوصفه استعباداً جنسياً( 158والهجرة غير الشرعية. أوضح ذلك أحد المجيبين:
"أعيش هنا منذ ست سنوات. وأنا متزوج ولديّ ثلاثة أطفال صغار. غالباً ما كانت زوجتي وأطفالي يأتون من سوريا لزيارتي، لكن منذ أحداث السنة الماضية لم يعد يُسمح لهم بالقدوم، فاتصلت بمهرّبٍ لإحضارهم عبر الحدود بطرقةٍ غير قانونية. دفعت نقوداً كثيرةً وهم معي هنا حالياً، على الرغم من أنّ وجودهم غير قانوني وليس لديهم أيّ أوراق. يدرس إثنان من أطفالي في مدرسةٍ حكومية على الرغم من أنّ وضعهما غير قانوني. دفعت رشوةً للمدرسة قيمتها مئة ألف ليرة لبنانية شهرياً. أنا مكرهٌ على مخالفة القانون لأنّ الحكومة اللبنانية لم تمنحنا خياراً آخر"159
إضافةً إلى ذلك، يذكر عاملون في منظماتٍ غير حكومية شبكةً متزايدةً من السوريين واللبنانيين المتورّطين في تهريب البشر، وبيع الأعضاء أو الاتجار بها، وتهريب واستخدام الأسلحة والمخدرات” 160
٥ خاتمة
يركّز هذا التقرير بصورةٍ خاصةٍ على الإطار التنظيمي القائم والتدابير السياسية التي تطبّقها الحكومة اللبنانية وتستهدف اللاجئين السوريين وعواقبها على سُبُل عيشهم. ويشير العمل الميداني إلى استخدامٍ ملتبسٍ لمصطلحي “مهاجرين” و”لاجئين”. ولا يقتصر الأمر على أنّ هذين المصطلحين غير قابلين للتبادل في ما بينها، فهذا الخلط يؤدّي إلى وضعٍ مربكٍ وينطوي على عواقب بالنسبة إلى وضع اللاجئين القانوني وحقّهم في العمل وكذلك حمايتهم. فضلاً عن أنّ تقديم مساعدةٍ غذائيةٍ ونقديةٍ لا يكفي لقمة العيش، وكذلك متوسط أجر من يعملون. بل إنّ جمع المساعدة والأجر معاً يبدو غير كافٍ. هكذا، تستتبع قلّة الاعتماد على الذات تبعيةً لشخصياتٍ متحكّمة. كما أنّ فقدان الوضع القانوني – وبالتالي الإنصاف القانوني وتقييد الوصول إلى سوق العمل أو منعه – دفع كثيراً من السوريين إلى هياكل غير قانونية وغير نظامية. نتيجةً لذلك، يُخضَع السوريون لظروف عملٍ قاسيةٍ وغير مستقرة، ما يخلق بالتالي فرصاً لسوء المعاملة والاستغلال. أخيراً، يسعى هذا التقرير لتسليط الضوء على الديناميات الضمنية والناجمة التي تؤثر في اللاجئين السوريين من الطبقتين الدنيا والوسطى الدنيا، إضافةً إلى النساء والأطفال.
موجز القول، بوسعنا استنتاج أنّ اعتماد تدابير السياسة الأخيرة في محاولةٍ لإضفاء طابعٍ رسمي على وجود السوريين ومراقبتهم في سوق العمل قد أضيفت إلى الوضع المربك وغير النظامي القائم. تُظهر نتائج بحثنا نشوء حلقةٍ مفرغةٍ من هذه التدابير السياسية، تعزّز الهياكل القائمة من الإجراءات غير النظامية والتبعية والاستغلال. أمّا من حيث المنظور البعيد المدى، فلا يدعو الخبراء بالإجماع إلى خلق فرص عملٍ وسوق منظم وملائم له فحسب – سيستفيد لبنان فيه من أموال الضرائب ويستفيد السوريون من الحماية – بل بخاصةٍ إلى مقاربةٍ أكثر استناداً إلى حقوق الإنسان.