الأمن الذي يحمي :سياسة المعلومات حول توفير الأمن المحلي في المجتمعات اللبنانية التي تستضيف لاجئين سوريين

إنّ الهدف من موجز السّياسات العامّة هذا هو الدّعوة لِصياغة سياسات تتناول توفير الأمن على المستوى المحلّي وحماية اللاجئين، واقتراح وسائل لِتَطْوير أنظمة المؤسّسات الأمنيّة اللبنانيّة بشكلٍ يُعزِّز حماية المجتمعات المحليّة اللبنانيّة واللاجئين السوريّين الذين تستضيفهم هذه المجتمعات. فبناءً على بحثٍ ميدانيٍّ أُجري بين شهرَيْ شباط/فبراير وأيّار/ مايو 2016 في ثلاثة مواقع حول لبنان، يُحلِّل موجز السّياسات العامّة هذا التحدّيات لِحماية المجتمعات المحليّة واللاجئين في نظامٍ هجين، تتعايش ضمنه الجِهات الأمنيّة الفاعِلة الرسميّة وغير الرسميّة لِتُطبِّق مزيج من التّدابير الأمنيّة. كما وتُقدِّم حجج تثبت بأنّ مقاربة التّرهيب الحاليّة، والتي تعتمد على الرّدع السّلبي، تُضخِّم تصوّرات انعدام الأمن بين اللبنانيّين وتنتهك حقوق اللاجئين وكرامتهم.

طور هذا الموجز للسياسات في إطار العمل على مشروع دعم لبنان "حماية اللاجئين في المناطق الحضرية في لبنان ضمن نظام الأمن الهجين: بحث وأجندة عمل"، وبالشراكة مع إنترناشنول آليرت ودعم WOTRO-NWO. يرتكز هذا الموجز للسياسات على تقريرنا "الأزمة والسيطرة. الأمن الهجين غير الرسمي في لبنان"

المُلخَّص التنفيذيّ

إنّ الهدف من موجز السّياسات العامّة هذا هو الدّعوة لِصياغة سياسات تتناول توفير الأمن على المستوى المحلّي وحماية اللاجئين، واقتراح وسائل لِتَطْوير أنظمة المؤسّسات الأمنيّة اللبنانيّة بشكلٍ يُعزِّز حماية المجتمعات المحليّة اللبنانيّة واللاجئين السوريّين الذين تستضيفهم هذه المجتمعات. فبناءً على بحثٍ ميدانيٍّ أُجري بين شهرَيْ شباط/فبراير وأيّار/ مايو 2016 في ثلاثة مواقع حول لبنان، يُحلِّل موجز السّياسات العامّة هذا التحدّيات لِحماية المجتمعات المحليّة واللاجئين في نظامٍ هجين، تتعايش ضمنه الجِهات الأمنيّة الفاعِلة الرسميّة وغير الرسميّة لِتُطبِّق مزيج من التّدابير الأمنيّة. كما وتُقدِّم حجج تثبت بأنّ مقاربة التّرهيب الحاليّة، والتي تعتمد على الرّدع السّلبي، تُضخِّم تصوّرات انعدام الأمن بين اللبنانيّين وتنتهك حقوق اللاجئين وكرامتهم.

وفي سبيل الحؤول دون النّزاع والإجرام بصورةٍ فعّالةٍ، يتطلّب تَوْفير الأمن على المستوى المحلّي تكييف لِمُقاربة حفْظ الأمن بغية جعلها مجتمعيّة المنحى أكثر، وأكثر إستباقيّة، وسهلة المنال أكثر. فيوصي موجز السّياسات العامّة هذا بالدّعم المُستمِرّ للشّرطة البلديّة للإفادة من درجة الثّقة العالية بالمؤسّسة بين المجتمعات المحليّة، إضافةً إلى إمكانيّة وصول اللاجئين إليها حسبما تبيّن. وبالتّالي، وبغية تَكْييف التّدابير الأمنيّة لِتستجيب للمستوى الفعليّ للتّهديد والمخاوف القائمة، يجب على التّنسيق بين الوكالات الأمنيّة أنْ يُشرك ويأخذ بعَيْن الإعتبار الأصوات التي تُمثِّل الإحتياجات الأمنيّة لكِلا المواطنين اللبنانيّين واللاجئين السوريّين. فيُمكن للوكالات الأمنيّة مثلاً أنْ تُقيم حواراً على المستويَيْن المحلّي والمناطقي مع المنظّمات الإنسانيّة ومنظّمات حقوق الإنسان، بما فيها تلك العامِلة في مجال ضمان حقوق اللاجئين وحمايتهم، وكذلك لِجان الأهل في المدارس الحكوميّة. ويجدر اعتبار مُراجعة القوانين المُتعلِّقة بالإقامة الشرعيّة للاجئين السوريّين كخطوة تجاه تَخْفيف العبء عن نظامَيْ الأمن والعدالة اللبنانيّيْن، ما يسمح للرّعايا السوريّين بأنْ يُبلّغوا عن الجرائم والإنتهاكات بدون الخوف من الإعتقال، وما يُطمئِن اللبنانيّين بأنّه يجوز تعقُّب الأجانب ومحاسبتهم أمام القانون.

مقدّمة

منذ نهاية الحرب الأهليّة في لبنان، غالب ما تجلّى عدم الإستقرار السّياسي بشكل حوادث انطبعَتْ بالتوتُّر المُتزايِد، وانعدام الأمن، وفورات عنف. على الصّعيد المحلّي، ارتبط انعدام الأمن عموم بالمناخ السياسيّ في البلاد لِيعكس مراحل الجمود السياسيّ أو التحوّلات في الإصطفافات السياسيّة. وجاء تدفُّق اللاجئين السوريّين منذ العام 2011 حتّى العام 2014 لِيُشكِّل تحدّي جديداً للأمن. فوفق دراسة تعود للعام 1،2014 أبلغَتْ عيّنة من اللبنانيّين عن تصوّرٍ بأنّ السوريّين يُشكّلون تهديداً أمنيّا ،ً رغم قلّة الدّلائل التي تُشير إلى تحديّات أمنيّة فعليّة ناجمة عن وجود اللاجئين السوريّين. وقد اتّخذَتْ الحكومة اللبنانيّة سلسلة من الإجراءات الأمنيّة عقب أزمة عرسال والتي وقعَتْ في آب/أغسطس عام 2،2014 كإقامة حواجز والسّماح للجيش بتنفيذ مُداهمات، وما كادَتْ تمرّ شهورٌ، وفي شهر كانون الثاني/ يناير عام 2015 ، حتّى فرضَتْ الحكومة عينها قوانين تُلزِم جميع الرّعايا السوريّين بأنْ يتسجّلوا لدى مكتب الأمن العامّ لقاء كلفة باهظة ووفق شروطٍ يصعب إستيفاؤها. 3

وعلى الصّعيد المحلّي، يُوفَّر الأمن عبر نظامٍ «هجين» تتولّاه جهات فاعِلة رسميّة وغير رسميّة تعمل جنبا إلى جنب وتتكامل مع بعضها البعض فارِضةً مزيجا غريب من الإجراءات. 4 فغالبا ما تتداخل سلطات الوكالات الأمنيّة الرسميّة - القوّات المُسلّحَة اللبنانيّة )أي الجيش اللبناني(، وقوى الأمن الدّاخلي، ومكتب الأمن العامّ، والمخابرات العسكريّة، والشّرطة البلديّة - إضافةً إلى هذه الوكالات، تُشارك سلسلة من الجِهات الفاعِلة غير الرسميّة بتوفير الأمنعلى الصّعيد المحلّي: فشركات الأمن الخاصّة، ومجموعات المواطنين، والأجنحة  الميليشياويّة للأحزاب السياسيّة غالب ما تقوم بدوريّات في الشّوارع، وتجمع المعلومات، وتتدخّل لِحلّ الخلافات، وتفرض تعميمات حَظْر تجوّل محلّي. هذه الإجراءات، ووفق الخطاب الرّسمي لِمُزوِّدي الأمن المحلّيين، غالبا ما تُتّخَذ لِحماية اللبنانيّين واللاجئين على حدٍّ سواء. 5

إنّ الهدف من موجز السّياسات العامّة هذا هو الدّعوة إلى صياغة سياسات تتناول توفير الأمن على المستوى المحلّي وحماية اللاجئين. ويُناقش موجز السّياسات العامّة تحديداً وسائل لِتَطوير أنظمة المؤسّسات الأمنيّة اللبنانيّة والتي تهدف إلى توفير السّلامة والحماية للمجتمعات المحلّية اللبنانيّة واللاجئين السوريّين الذين هم باستضافة تلك المجتمعات. ويستند الموجز إلى بحثٍ ميدانيٍّ أُجرِي ما بين شهرَيْ شباط/فبراير وأيّار/مايو 2016 في قرية عبرين في شمال لبنان، وفي قرية شبعا في جنوب لبنان، وفي بلدة عاليه في جبل لبنان. وقد اختيرَتْ هذه المناطق نظراً لِتاريخها السياسيّ المُختلف، كما لِخصائصها الإجتماعيّة- الإقتصاديّة والديموغرافيّة. 6

ويتألّف موجز السّياسات العامّة من ثلاثة أجزاء. فيُناقش الجزء الأوّل التحدّيات الرئيسيّة التي تواجه توفير الأمن على المستوى المحلّي في نظامٍ هجينٍ. ويستعرض الجزء الثّاني خيارات محدّدة لِسياسات عامّة تُركِّز على تَوفير خدمات أمنيّة غير متحيّزة ومهنيّة للمواطنين اللبنانيّين وللاجئين السوريّين المُستقرّين في المجتمعات المُضيفة. ويرسم الجزء الثالث خطوط عريضة لِتوصيات مُحدَّدة وُجِّهَتْ للمؤسّسات الأمنيّة والحكومة والقادة السياسيّين، فضلاً عن الوكالات المانِحة ووكالات الأمم المتّحدة والمنظّمات غير الحكوميّة. ويُرافق موجز السّياسات العامّة هذا تقريرٌ بحثيّ 7 يُناقش بالتّفصيل النّتائج الصّادرة عن البحث الذي أجراه مركز «دعم لبنان » في المواقع الثلاثة في شمال لبنان وجنوب لبنان وجبل لبنان.

  1.  إستجابات الأمن في نظامٍ هجينٍ

«إنّ الدّولة اللبنانيّة هي دولة مُنحَلّة وشاقّة بالنّسبة للبنانيّين أنفسهم، وبالنّسبة للسوريّين في مقامٍ ثانٍ ... جميعنا نسمع هذه العبارة أكثر فأكثر في معرض حديثنا عناللاجئين: ففي كلّ مكان، النّزوح هو تجريدٌ من القوّة؛ هو القشّة التي قصمت ظهر البعير في أيّ قضيّة إجتماعيّة كانَتْ موجودة أصلاً ». لاجئ سوريّ، عاليه 8

«الوقاية » من خلال التّرهيب

تُطبَّق الإجراءات الأمنيّة على الصّعيد المحلّي في إطار سياسة شاملة وضعَتْها الحكومة تجاه اللاجئين السوريّين في لبنان، وهي تعتمد مقاربة التّرهيب - أي إستخدام الرَّدْع والتّخويف لِمَنْع السّلوك الإجراميّ أو القتاليّ. وغالب ما يتمّ وَصْف هذه المقاربة بصورةٍ غير دقيقة من قِبَل السّلطات المحليّة والوطنيّة على أنّها «وقاية من النّزاع » و «وقاية من الجريمة 9» - وهما تعبيران يُلمحان عادةً إلى تدخّلات من قِبَل عدّة قطاعات تستهدف الأسباب الضمنيّة للنّزاع والإجرام. وتتراوح جملة الإجراءات القانونيّة والأمنيّة المَفْروضة على اللاجئين السّوريّين من المتطلّبات التي يصعب إستيفاؤها للحصول على تصاريح الإقامة، إلى مُداهمات الجيش، والإعتقالات القصيرة الأمد، وتعميمات حَظْر التجوّل المحلّي، والمُراقبة من قِبَل مجموعات المواطنين. وقد اتُّخِذَتْ هذه الإجراءات لِحماية المجتمع المحلّي من التّهديدات الخارجيّة، والمُتمثِّلةباللاجئين السوريّين الذين تخشى السّلطات أنْ يُصبحوا «متطرّفين» ويتسبّبوا بحالة عدم أمن في المساحة «المُضيفة »، بدون دليل وجيه على الحاجة الفعليّة أو التّأثير المُترتِّب على هذه الإجراءات.

منذ عام 2014، زادت القوّات المُسلّحَة اللبنانيّة أي الجيش اللبناني عدد الحواجز، وكِلا الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي عزّزا وجودهما على الأرض في المناطق ذات الأهميّة الإستراتيجيّة والتي تقع في جوار الحدود والطّرق الرئيسيّة. وقد نُقِل العديد من المساكن غير الرسميّة حيث يعيش اللاجئون السوريّون في الخِيَم على أراضٍ مُستأجَرة بالقوّة على أساس أنّ موقعها يتواجد على مقربة من الطّرقات الرئيسيّة التي يستخدمها الجيش. وأكثر ما طالَتْ المداهمات 10 هي مساكن غير رسميّة مماثلة، مِمّا أدّى عادةً إلى اعتقال سوريّين ذكور بسبب فقدانهم لأوراقهم الثبوتيّة أو انتهاء صلاحيّتها. وفي حين أنّ المُداهمات ليسَتْ غير شرعيّة، إلّا أنّ البعض منها ترافق بتَوْقيفات غير شرعيّة ومُصادرة ممتلكات تمّت بدون أمر تفتيش صادِر عن مُدّعٍ عامّ وفي غياب المختار، حسبما أُبلِغنا. وقد قيل لنا في مناطق بحثنا إنّ المخابرات العسكريّة تقوم بمداهمات منتظمة لِبيوت اللاجئين السوريّين في شبعا )سُمِّيَتْب «أيّام أمنيّة »(، مُستهدِفةً على وجه الخصوص الشّبان المُشتبَه بانتمائهم لِمجموعات مُقاتِلة ناشِطة عبر الحدود في سوريا. 11

وما يُثير السّخرية هو أنّ مقاربة التّرهيب تُعزِّز تصوُّر إنعدام الأمن بين المواطنين اللبنانيّين12 وتُعمِّق الشّرخ ما بين السكّان اللبنانيّين المحليّين واللاجئين السوريّين، ما يُقوِّض بالتّالي الإستقرار الإجتماعي. وفي الوقت عينه، غالبا ما تكون الإجراءات الأمنيّة تمييزيّة إذ تستهدف أفراداً على أساس جنسيّتهم، وهي تُعتبَر تعدِّي على كرامة الرّعايا السوريّين وقيمتهم الذاتيّة. وقد تدفع إجراءات مماثلة ببعض الأفراد إلى الإنضمام لِمجموعات تدّعي بأنّها تحمي اللاجئين، وتُقنعهم بالعودة إلى سوريا في رحلة مَحْفوفة بالمخاطر أو بالسّفر إلى أوروبا في رحلة غير شرعيّة وقد تتسبّب بغرقهم وهلاكهم.

ضَبْط الأمن الرسميّ وغير الرسميّ أو الهجين

تتشارك قوى الأمن الدّاخلي والشّرطة البلديّة مسؤوليّة ضَبْط الأمن في لبنان. فتتولّى قوى الأمن الدّاخلي مسؤوليّة حفْظ النّظام ودَعْم الأمن، وتوفير السّلام المجتمعيّ، وصَوْن الحريّات ضمن إطار القانون، وحماية الممتلكات العامّة 13 . أمّا الشّرطة البلديّة - وكونها الذّراع التنفيذيّة للبلديّات - فهي مسؤولة عن «حماية الرّفاه العامّ، والسّلامة والصحّة العامّتَيْن، شرط ألّا تتضارب مهامها مع مهام وكالات الأمن المركزيّة 14» . وفي حين تتمتّع الشّرطة البلديّة بحقّ التّحقيق بجريمة ما قبل وصول قوى الأمن الدّاخلي، يبقى المختار وكونه رئيس الشّرطة البلديّة هو المسؤول عن مناشدة دَعْم قوى الأمن الدّاخلي حين تُرتكَب جريمة

)المادّة 74 من القانون 118/ 1977 ( 15 ، وحين تبرز الحاجة إلى تَسْليم أيّ مَوْقوفين إلى قوى الأمن الدّاخلي. ومع وصول اللاجئين السوريّين، تولّى ضُبّاط الشّرطة البلديّة مسؤوليّات جديدة، مثل «التّنسيق والمساعدة على تَوْزيع الإعانات ومُرافقة المنظّمات إلى مواقع مخيّمات اللاجئين السوريّين أو مواقع ]أخرى[ إذا ما تواجدَتْ ضمن البلديّة 16» .

إنّ الشّرطة البلديّة هي غير مُسلّحة وتتفاوت قدراتها تفاوتا كبيراً حسب المواقع؛ ففي البلدات حيث يتساوى عدد المُقيمين اللبنانيّين بعدد اللاجئين السوريّين، قد تتولّى الأمن قوّة من الشّرطة مختلفة تمام 17 . حتّى وفي مواقع حيث تُعتبَر قوّة الشّرطة البلديّة صغيرة من حيث العدد، كما هي الحال في عبرين، تتمتّع البلدة بمستويات عالية من الثقة بين أفراد المجتمع المحلّي. اللاجئون السوريّون يقصدون هم أيضاا الشّرطة البلديّة: فوفق نتائج البحث 18 ، إنّ اللاجئين في عبرين وعاليه، والذين هم في الغالب مُسجَّلون لدى المفوضيّة السّامية لِشؤون اللاجئين التّابعة للأمم المتّحدة، يميلون إلى الرّجوع إلى الشّرطة البلديّة. وواحدٌ من الأسباب الرئيسيّة الكامِنة وراء السلوكيّات الإيجابيّة تجاه المؤسّسة هو التّوْظيف المحلّي لِضُبّاط الشّرطة البلديّة، على خلاف تناوب العناصر المُعتمَد من قِبَل قوى الأمن الدّاخلي. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ جهوداً تُبذَل لِزيادة عناصر الشّرطة البلديّة - كونها مؤسّسة تحتلّ مرتبة الصّدارة في خضمّ أزمة اللاجئين - ولا بُدّ من استكمال هذه الجهود.

وتنخرط الجِهات الفاعِلة غير الرسميّة أيضاا في «ضَبْط الأمن »: فتُشير نتائج البحث الذي أُجرِيَ في عبرين وشبعا إلى أنّ مجموعات محليّة من المواطنين أو أفراداً من عائلات نافِذة يقومون بتَنْظيم دوريّات في الشّوارع، ويتدخّلون لِحلّ الخِلافات، ويُراقبون تعميمات حَظْر التجوّل المحلّي ويفرضونها 19 . غير أنّ مُزوِّدي الأمن غير الرسميّين يستجيبون وفق مُقتضى الحال، وبصورةٍ غير شرعيّة أحيانا ،ً رغم اصطفافهم غالبا إلى جانب سياسات الدّولة وخاصّةً تلك المُتعلِّقة باللاجئين السوريّين. ومن هنا، يجب مُراقبة أفعالهم من قِبَل قوى الأمن الدّاخلي وينبغي أنْ تتمّ محاكمة أيّ أفعالٍ جرميّة.

تُطبَّق الإجراءات الأمنيّة، كفَرْض تعميمات حَظْر التجوّل البلديّة، ضمن نظام أمنٍ هجينٍ: فيتمّ التّنسيق بشأن حَظْر التجوّل بين البلديّة التي فرضَتْهُ والقوّات المُسلَّحة اللبنانيّة أي الجيش اللبناني، وغالبا ما يتمّ تنفيذه من قِبَل مجموعات من المواطنين بمعونة الأحزاب السياسيّة المحليّة. ورغم أنّ شرعيّة تعميمات حَظْر التجوّل نفسها هي محطّ جدل 20 ، فمن الواضح أنّ تطبيقها من قِبَل الجهات الفاعِلة غير الرسميّة هو غير قانوني. إنّ استخدام أسلوب التّهديد والإعتداء يُعَدّ جريمة، وإنّ تَسْليم حُرّاسٍ محليّين للسوريّين إلى الشّرطة البلديّة 21 هو غير شرعي بما أنّ انتهاك حَظْر تجوّلٍ لا يُعاقب عليه القانون اللبنانيّ. وبالتّالي، فإنّ هذا التّطبيق الهجين لِتعميمات حَظْر التجوّل يشرح إلى حدٍّ كبيرٍ النّقص في المعلومات الواضحة حول مدى صحّتها وتَطبيقها بين السكّان. ففي حالة عبرين مثلاً، «يُثبت كِلا اللاجئين والسكّان المحليّين بأنّهم ليسوا على علمٍ تماما إنْ كانت تعميمات حَظْر التجوّل ما زالَتْ تُطبَّق، وفي أيّ وقت من اليوم تأخذ إجراءات مماثلة مجراها، وإذا ما كانت إجراءات مماثلة مؤسّساتيّة أو غير شرعيّة، وإنْ كان مَنْ يُطبِّقها أساسا هو الجيش أو قوى الأمن الدّاخلي أو الأحزاب السياسيّة أو الشّرطة البلديّة 22» .

2. خيارات السّياسات العامّة لِتحسين الأمن المحلّي في ظلّ نظامٍ هجين

«لا أمانع وجود سوريّين في الليل إذا كانوا جميعا مُسجَّلين في البلديّة... إذ يمكننا ]حينئذ[ أن نعرف مَنْ هم وما إذا كانوا يرتبطون بمجموعات مسلّحة في سوريا ». مواطن لبناني من سكّان عاليه 23 يتناول هذا القسم خيارات السّياسات العامّة لِتقوية أمن المجتمعات المحليّة اللبنانية واللاجئين السوريين على الصعيد المحلي. ويستند التّحليل إلى إدراك بأنّ الإحتياجات الأمنيّة يجب أن تُوفَّر على نحو محترف وغير منحاز من أجل حماية المواطنين اللبنانيّين والنازحين السوريّين )وحقوقهم( بشكل فعّال، وتَعْزيز الإستقرار الإجتماعي.

تَكْييف مقاربة ضَبْط الأمن

كما ناقشنا في القسم السابق، للشّرطة البلديّة إمكانيّة الإضطلاع بدورٍ مركزيٍّ أكبر في المجتمعات المحليّة، وتأمين الحماية اليوميّة، والتّنسيق عن كثب مع قوى الأمن الداخلي والقوات المسلّحة اللبنانيّة أي الجيش اللبناني، والتّواصل مع المُحاوِرين المحليّين )بمَنْ فيهم الأحزاب السياسيّة ومجموعات المواطنين التي تعمل بصفتها مزوِّدةً غير رسميّة للأمن(. وإذ تفيد الشّرطة البلديّة من ثقة المجتمع المحلّي وتقبُّل اللاجئين لِعناصرها باعتبارهم نقطة الإتّصال الأساسيّة في ما يتعلّق بالشؤون الأمنيّة، ينبغي أن تكون هذه الشرطة مُجهَّزةً

للإتّصال بالسكّان باستخدام مبادئ ضَبْط الأمن المجتمعي أو التقاربي. وفي حين أنّ التّوافق على تعريفٍ لِضَبْط الأمن المجتمعي غائب، تتضمّن المبادئ الرئيسة كلاً من الشّراكة، وتوافق المجتمع المحلّي، والمساءلة، والتوجّه الخدماتي، والمبادرة الإستباقيّة، وحلّ المشاكل، والوصول 24 . أمّا «ضَبْط الأمن التقاربي » فهو مصطلح يُفضَّل استخدامُه في فرنسا، ويشتمل على التواجد العملياتي للشّرطة في المجتمعات المحليّة أكر مِمّا يشتمل على التّغيير في ثقافة ضَبْط الأمن 25 .

يجب على ضَبْط الأمن المجتمعي أو التّقاربي في قُرى مثل عبرين أو شبعا - بما يشمله من دوريّات راجِلة والتّواصل المُنتظِم مع السكّان المحليّين واللاجئين - أنْ يهدف إلى الحِفاظ على التّواصل، والإستجابة للمخاوف والشّكاوى المحليّة، والرّجوع إلى المؤسّسات المعنيّة حين لا ترتبط الشّكاوى بالجريمة والأمن، والوساطة لِحلّ الخِلافات المحليّة، وجَمْع المعلومات ذات الصّلة. وفي سبيل التّواصل مع المجتمع المحلّي في هذا الإطار، سوف يلزم الشّرطة البلديّة لا مجموعة إضافيّة من المهارات فحسب، بل أيضا فهمٌ جديدٌ لتوفير خدمة الأمن وتلبية الإحتياجات الأمنيّة المختلفة للنّساء والرّجال. مثلاً، سوف يُركِّز التّدريب المهني على نزاهة المؤسّسة، وعملها اللاسياسي، والتزامها باحترام حقوق الإنسان ودَعْم هذه الحقوق. كما يجب نَشْر التّوعية بين ضُبّاط الشّرطة حول العمل مع المجموعات والأفراد المُستضعَفين، بمَنْ فيهم اللاجئون والنّاجون من العنف الجنسيّ والعنف القائم على الجنس وآخرون. ويُمكن لِقواعد السّلوك المهنيّة أن تدعم أيضاا تَشْكيل شرطة بلديّة مُحترِفة.

إنّ منافع ضَبْط الأمن المجتمعي أو التقاربي تُبرِّر نقلة مُماثلة: إذ يُمكن لِضَبْط الأمن المجتمعي أنْ يُعزِّز شرعيّة الدّولة على المستوى المحلّي، ويبني الثّقة بالمؤسّسات الرسميّة، ويسلِّط الضوء على آراء المجتمع المحلّي، ويُتيح الفرصة للشّرطة كي توعّي المجتمع المحلّي وتثقّفه بشأن المخاطر المُحدِقة 26 . ويُمكن للمقاربة الجديدة في المجتمعات المحليّة التي تُضيف اللاجئين السوريّين، أنْ ينتج عنها تواصُل المؤسّسات المنُتظِم مع اللاجئين والحصول على المعلومات منهم، وفي الوقت عينه توفير الحماية لهم ومُعالجة مخاوفهم قبل أنْ تتفاقم هذه الأخيرة وتُصبح مصدراً للتوتُّر. إنّ الإرادة السياسيّة القائمة لِتقوية الشّرطة البلديّة، والأمثلة المُتوافِرة عن تجربة ضَبْط الأمن المجتمعي في لبنان والمنطقة 27 ، تُمثِّ ان فرصة للتحرُّك. ويُمكن إختبار مقاربات ضَبْط الأمن المجتمعي والتقاربي في المجتمعات المحليّة المختلفة، وبالتّالي صياغة نموذج لبنانيّ محليّ يرتكز على الدّلائل من الميدان.

دَعْم قوى الأمن الداخلي للشّرطة البلديّة

يتحدّث السكان المحليّون في أماكن عدّة، ولا سيّما في المناطق الصغيرة مثل عبرين وشبعا، عن غياب قوى الأمن الداخلي أو تواجدٍ محدودٍ جداً لها. فمع أرجحيّة وجود شرطة بلديّة أقوى، قد لا تضطر قوى الأمن الدّاخلي إلى التواجد بكثافة في كلّ مجتمع محلّي. وفي ظلّ وجود شرطة بلديّة أقوى، ينصبّ التركيز على رفع جهوزيّة قوى الأمن الداخلي للاستجابة للإشارات التي تبعثها الشرطة البلديّة في حال حصول نشاط جرمي أو اضطراب مدني. وفي المناطق حيث الخطر الأمني متدنّ، ينبغي على قوى الأمن الداخلي أن تضع في صلب أولويّاتها التنسيق مع الشرطة البلديّة وغيرها من الجهات الأمنية الفاعلة، والتزام سلوك محترف، واحترام حقوق الإنسان لجميع الأشخاص، بمَن فيهم غير المواطنين. أما في المناطق حيث الخطر الأمني أعلى، فيجب أن تشكّل قوى الأمن الداخلي جزءاً من استراتيجيّات أمنيّة مُنسَّقة أشمل، يجري وضعُها وتطبيقُها بالاشتراك مع المؤسّسات الأمنيّة والسّلطات المدنيّة الأخرى.

كذلك ينبغي الإقرار بالدّور غير الرّسمي للجهات الأمنيّة الرسميّة الفاعِلة، مثل التوسّط غير الرسمي لِضُبّاط الشرطة في النزاعات، وتقدير هذا الدّور. فالواقع أن التدخّلات غير الرسمية لِضبّاط الشرطة تُعَدّ مؤاتيةً، ومراعيةً لسياق النزاع، وفعّالةً من حيث التكلفة، وإذا جرى القيام بها من دون تحيّز، فيمكن أن تؤثّر إيجابا على تصوّرات المدنيين حول المؤسسة الأمنيّة. وفي حين أن التدخّلات غير الرسميّة عُرْف مُتّبَع في العديد من البلدان، يُعَدّ اعتمادها ملائِما أكثر حتى في نظام هجين، حيث يكون الحلّ غير الرسمي للخلافات هو المعيار المُتّبَع على الأرجح. لذا يجب أن تدعم المؤسّسات الأمنيّة تطوير مهارات موظّفيها في مجال حلّ الخِلافات، وتناقش صراحةً أدوارهم الرسميّة وغير الرسميّة، وتضع تدابير إحترازيّةً ضدّ حالات إساءة إستعمال السّلطة المُحتمَلة في الأطر غير الرسميّة.

الوعي والتّنسيق المؤسّساتيان في ظلّ نظام هجين

يُعَدّ التنسيق أساسيّاً في الأنظمة الأمنيّة التي تضمّ جهات رسميّة متعدّدة. وكما تشير الخليّة الأمنيّة في محافظة النبطيّة 28 ، والتي تضمّ ممثّل ن عن تسعة كيانات، يمكن أن تكون آليّات التّنسيق «المرجعَ في السّياسة العامّة الأساسيّة المُرتبطة باللاجئين السوريين على الصّعيد المحلّي 29» . ويمكن لآليّات التّنسيق هذه المُطبَّقة على المستوى المناطقي، أن تؤثّر مباشرة في السّياسات العامّة الأمنيّة المحليّة، وينبغي بالتالي أن تضمن وصول هذه السّياسات إلى المعلومات من المصادر كافةً ذات الصّلة. وتستطيع الجهات الأمنيّة الفاعِلة غير الرسمية،

على غرار الأحزاب السياسيّة، أو مجموعات المواطنين المحليّة، أو أرباب الأُسَر النافذة، أنْ تقدّم معلومات قيّمة حول التحدّيات الأمنيّة المحليّة. فضلاً عن ذلك، تُعَدّ المنظّمات الإنسانيّة ومنظّمات حقوق الإنسان، بما فيها تلك المعنيّة بحماية اللاجئين، في موقعٍ يتيح لها تقديم المعلومات ومناقشة الإحتياجات الأمنيّة للمجتمعات المحليّة التي تخدمها.

يجري التّنسيق غير الرّسمي أيضاا على المستوى البلدي، ما بين الشّرطة البلديّة وقوى الأمن الداخلي والجهات الأمنية الفاعلة غير الرسميّة، مثل مجموعات المواطنين التي تتولّى القيام بدوريات في الشّوارع. ومن المفيد للشّرطة البلديّة أن تجهد من أجل إدراج النازحين السوريين في هذا التّنسيق، وذلك بغية الحرص على معالجة مخاوفهم الأمنيّة والتّهديدات الفعليّة. أما إحدى نقاط الإنطلاق الجيّدة لِمثل هذا التّنسيق، فيمكن أن تكون آليّات الحماية المستندة إلى المجتمع المحلّي، والتي وضعتها الجهات الإنسانيّة الفاعِلة في المجتمعات المحليّة في أرجاء لبنان كافّةً، على غرار مجموعات المجتمع المحلّي ومراكز تَنْسيق شؤون الحماية. كما يمكن دعوة لِجان الأهل في المدارس الحكوميّة المحليّة - بما أنّها المؤسّسات الوحيدة حيث يحظى اللاجئون السوريّون بتمثيلٍ رسميٍّ، وحيث أصوات النّساء تُسمَع – لإلقاء الضّوء على وجهات نظر المجتمعات المحليّة السوريّة واللبنانيّة. هذا ومن شأن حوارات المجتمع المحلّي، التي تضمّ مؤسّسات أمنيّة وإداريّة إلى جانب المجتمعات المحليّة المُضيفةومجتمعات اللاجئين المحليّة، أن تمهّد الطريق أمام فهمٍ مشتركٍ للمخاوف الأمنيّة المحليّة والتّدابير الأمنيّة المطلوبة.

إنْهاء تَجْريم النّزوح

تتطلّب الحماية الفعّالة للنّازحين السوريّين تنظيم لإقامتهم في البلاد. هذا التّدبير يُطَمئِن أيضا السكّان المُضيفين بأنّ الدّولة قادرةٌ على معالجة تداعيات أزمة اللاجئين الأمنيّة والإنسانيّة على السّواء. من جهة، يزيل اعتمادُ وضعٍ مؤقّتٍ للاجئين عبءاً عن كاهل نظامَي الأمن والعدالة اللبنانيَّيْن، اللذين يعمدان حاليا إلى اعتقال السوريين «غير الشرعيّين »، وتوجيه الإتّهامات لهم ومقاضاتهم ومعاقبتهم )بأحكامٍ بالسّجن وغراماتٍ في أغلب الأحيان(، وذلك لغياب وثائق عاديّة. من جهة أخرى، يُشجّع هذا الإجراء النّساء والرّجال السوريين على العمل مع المؤسّسات الأمنيّة اللبنانيّة وتَبْليغها بطوعيةٍ أكبر، الأمر الذي يحمي بشكل فعّال المجتمعات المحليّة اللبنانيّة. كما أنّ مراجعة عمليّة تَنْظيم اللاجئين السوريّين وتَوْثيقهم تُسهّل إستجابة السّلطات في حال ارتكب لاجئ جريمة ما، وتُطَمئِن اللبنانيين أنّ الرّعايا الأجانب يمكن ملاحقتهم ومساءلتهم أمام القانون.

3. توصيات

يتطلّب تأمين السّلامة والحماية لِكلٍّ من المجتمعات المحليّة اللبنانيّة واللاجئين الذين يعيشون ضمن هذه المجتمعات، إعادة تقييمٍ للتّهديدات التي يطرحها اللاجئون علىالأمن والسّلامة، وتَكْييف المقاربات الأمنيّة. فيمكن مثلاً إلغاء التّدابير الأمنيّة المحليّة، على غرار حَظْر التجوّل أو الدّوريات في الشّوارع أو مصادرة الوثائق الشخصيّة، إلغاءً تدريجيّا واستبدالها بقوّة شرطة محليّة )بلديّة( محترفة غير منحازة، تكون مجهّزةً للتّواصل بشكل فاعل مع السكّان واللاجئين، وحَلّ مشاكلهم والحَيْلولة دون حصول إنتهاكات. إنّ توفير الحماية الملائمة للاجئين - مع الأخذ في عين الإعتبار مختلف إحتياجات النّساء والرجال ومكامن ضعفهم - وذلك عن طريق التّشريع المؤقّت لإقامتهم واعتماد ضَبْط الأمن المجتمعي أو التقاربي، من شأنه أنْ يضمن الأمن للمجتمعات المحليّة اللبنانيّة.

إستناداً إلى خيارات السّياسات العامّة التي جرَتْ مناقشتها، تستهدف التّوصيات التّالية المؤسّسات الأمنيّة الحكوميّة، والحكومة اللبنانيّة، والقادة السياسيّين، إضافةً إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظّمات غير الحكوميّة.

توصيات إلى المؤسّسات الأمنيّة التّابعة للدّولة:

ينبغي على قوى الأمن الدّاخلي والقوّات المُسلَّحة اللبنانيّة أي الجيش اللبناني ومكتب الأمن العام أنْ ينخرطوا بشكل فاعل في حوارات منتظمة حول أمن المجتمعات المحليّة، وذلك بمشاركةٍ من المؤسّسات الأمنيّة المَعْنيّة كافّةً، والسّلطات المحليّة، والمجتمع المدني، والأحزاب السياسيّة، وممثّلين عن المجتمع المحلّي واللاجئين السوريين. من شأن هذه الحوارات أنْ تساعد المؤسّسات والمجتمعات المحليّة في التوصّل إلى تقييمٍ مشتركٍ للإحتياجات الأمنيّة، وتشارُك المسؤوليّة في توفير الأمن.

يتعيّن على وزارة الداخليّة وقوى الأمن الداخلي الإستثمار في إضفاء صفة الإحتراف على قوّة الشرطة البلديّة، مستفيدةً من الثقة القائمة ضمن المجتمعات المحليّة. كما لا بدّ من دَمْج مبادئ ضَبْط الأمن المجتمعي أو التقاربي )الشراكة، والمبادرة الإستباقيّة، وإمكانيّة الوصول، والمساءلة( في اختصاص الشّرطة البلديّة، وبناء قدرات الموظّفين على التّواصل مع المجتمعات المحليّة واللاجئين من خلال الإصغاء إلى مخاوف النّساء والرّجال وحلّ مشاكلهم.

ينبغي على وزارة الداخليّة وقوى الأمن الدّاخلي دَعْم تَدْريب ضبّاط الشّرطة على الوساطة، والتّحكيم، وحقوق الإنسان، ومُراعاة إعتبارات النّزاع، وتَطْوير مهارات العاملين مع الفئات الضعيفة، بمَنْ فيهم النازحون من النّساء والرجال. كما لا بدّ من الحرص على أن تتضمّن قواعدالسلوك المهنيّة الخاصّة بالشّرطة البلديّة، والتي تعمل وزارة الداخليّة على تَطْويرها حاليا بدعمٍ الوكالات الأخرى، إلتزام بتأدية المهام بنزاهةٍ مع احترام حقوق الإنسان لِجميع الأشخاص.

يجب أن تحرص المؤسّسات الأمنيّة كافّةً على أنْ تكون الخدمات الأمنيّة متاحةً للجميع، بما في ذلك النّساء والرّعايا الأجانب والأقليّات الجندريّة. كما يجب أنْ تحظّر لجوء موظّفيها إلى التّهديد والتّرهيب غير المبرّرَيْن، أو التّوقيفات الإعتباطيّة، أو رَفْض الخدمات على أساس الجنسيّة أو الوضع الإجتماعي أو الجندرة، أو غير ذلك من علامات الهويّة.

ينبغي على المؤسّسات الأمنيّة أنْ تُقِرّ بدور مزوّدي الأمن غير الرسميّين، مثل مجموعات المدنيّين المحليّة، وبقدرتهم على المساعدة في الحماية الذاتيّة للمجتمعات المحليّة وحلّ الخلافات على المستوى المحلّي. لا بدّ أيضا من المحافظة على علاقات متينة مع مزوِّدي الأمن غير الرسميّين بغية الحرص على أن تُحال الجرائم والإنتهاكات إلى السّلطة الحكوميّة المَعْنيّة وفق الأصول. كما يتعيّن على هذه المؤسّسات، عند الضرورة، أن تثني بشكلٍ فاعلٍ عن التّدابير الأمنيّة غير الشرعيّة التي تطلقها الجِهات الفاعلة غير الرسميّة، ومتى اقتضى الأمر، أنْ تعمل على إنهائها وأنْ تُعاقِب عليها.

توصيات إلى الحكومة اللبنانيّة والقادة السياسيّين:

مراجعة القوانين المتعلّقة بالإقامة الشرعيّة للاجئين السوريّين، واتّخاذ التّدابير لِمَنْح وضع قانوني مؤقّت لكلّ مَن نزحوا بسبب العنف، إلى أن يتمكّنوا من العودة إلى سوريا أو يستقرّوا مجدّداً في بلد آخر يراعي شروط السّلامة.

تَعْزيز التّعاون بشكل فاعل ما بين المؤسّسات الأمنيّة نفسها، وما بين المؤسّسات الأمنيّة والسّلطات المحليّة والمجتمعات المحليّة. تَشْجيع إعتماد مبادئ ضَبْط الأمن المجتمعي أو التقاربي من جانب الشّرطة البلديّة، ودَعْم المشاريع التجريبيّة في البلديّات حيث يتواجد اللاجئون السوريّون بأعداد كبيرة.

الإقرار بأنّ تَجْييش مخاوف المجتمع المحلّي، عبر اتّخاذ اللاجئين السوريّين كبش محرقة على نحو مستمرّ، يقوّي انعدام الأمن المُتصوَّر، ويولّد التوتّرات ما بين السكّان المحليّين واللاجئين. تَطْوير قدرة قطاع الأمن على جَمْع البيانات حول الحوادث والتّهديدات الأمنيّة، والتحقُّق منها ونَشْرها. إستخدام البيانات المؤكَّدة في البلاغات العامّة، والتّمييز بوضوح ما بين المُقاتلين والسكّان المدنيين.

توصيات إلى الوكالات المانحة، ووكالات الأمم المتّحدة، والمنظّمات غير الحكوميّة المحليّة والدوليّة:

المناداة بصوتٍ أعلى مع الحكومة اللبنانيّة بمراجعة القوانين المرتبطة بالإقامة الشرعيّة للاجئين السوريّين وتَأْمين الحماية.

على المدى القصير، تَسْهيل الحلول المؤقّتة لِحماية اللاجئين، مثلاً عبر رَبْط الأفراد المُستضعَفين بالجهات الأمنيّة المحليّة الفاعلة الرسميّة وغير الرسميّة، التي تُبدياستعداداً لِدَعْم الحلول المرتجلة من أجل تفادي الإعتقال، أو تَسْهيل إطلاق السّراح في الحالات حيث وثائق التّسجيل تكون مفقودة أو غير صالحة. مواصلة الجهود الآيلة إلى تَقْوية الحماية المستندة إلى المجتمع المحلّي، والضّغْط على المؤسّسات الأمنيّة التي تمارس التّمييز بشكل واضح ضدّ اللاجئين.

تَصْميم البرامج وتَأْمين الخدمات المستندة إلى فهمٍ سليمٍ للفرق ما بين التصوّرات الأمنيّة والتّهديدات الأمنيّة الفعليّة. مجابهة التصوّرات غير الدّقيقة للتّهديدات الأمنيّة من خلال التدخّلات الملائمة، التي تشمل مثلاً الحوارات المتعلّقة بأمن المجتمعات المحليّة، ونقاشات الخبراء حول انعدام الأمن الفعلي والمُتصوَّر، والتّوعية الهادفة، وانخراط وسائل الإعلام. الحرص على أنْ تستهدف برامج الإستقرار الإجتماعي العوامل المُحرِّكة للتوتّرات ما بين المجتمعات المُضيفة ومجتمعات اللاجئين، بما في ذلك التصوّرات غير المستندة إلى أيّ أساس والمتعلِّقة بانعدام الأمن والتّهديدات.

دَعْم المؤسّسات الأمنيّة من أجل تَطْوير قوّة أمنيّة مُراعية للإعتبارات الجندريّة تحمي الجميع. الحرص على أنْ تستجيب برامج الحماية المستندة إلى المجتمع المحلّي لِمختلف إحتياجات الحماية للرّجال والفتيان، كما للنّساء والفتيات.

Footnotes
[1]مركز بيروت للبحث والإبداع، تصوُّرات المواطنين حول التّهديدات الأمنيّة النّاجِمة عن وجود اللاجئين السوريّين في لبنان، دراسة خلفيّة، لندن: إنترناشونال أليرت، شباط/فبراير 2015
[2]في عرسال، إشتبك الجيش اللبناني وقوى الأمن الدّاخلي مع المقاتِلين في المناطق الحدوديّة، وتمّ اختطاف أكثر من 20 «جنديّ »ً. راجِعْ الجدول الزّمني لِدَعْم لبنان بشأن نزاع عرسال: نزاع عرسال )والذي بدأ في 2 آب/أغسطس 2014(، دَعْم لبنان، ومركز المعرفة التّابِع للمجتمع المدني، http://cskc.daleel-madani.org/ timelines/27778 ، تمّت زيارة الموقع في 13 حزيران/يونيو 2016
[3]إنّ الرّسم السنوي لِتَجْديد أوراق الإقامة هو 200 دولارٍ أميركيٍّ للشّخص الواحد، بالإضافة إلى رسوم كاتب العدل والمختار. وتشمل المستندات المَطْلوبة من السوريّين المُسجَّلين لدى المفوضيّة السّامية لِشؤون اللاجئين التّابعة للأمم المتّحدة عقدَ إيجار مسكن مُوقَّعاً من قِبَل مالِكٍ ومَخْتوماً من قِبَل مختار، ونُسَخاً مُصدَّقَة عن هويّة المالِك اللبناني وعن إتّفاق الإيجار أو صكّ العقار، وشهادة تسجيل من المفوضيّة السّامية لِشؤون اللاجئين التّابعة للأمم المتّحدة، وإثباتاً على الدَّخْل أو الإمكانيّات الماديّة، وتعهُّداً بعدم العمل. لِمزيدٍ من التّفاصيل، راجِعْ دَعْم لبنان، الشكليّة الرسميّة، آليّات الوساطة، وعدم الشرعيّة: أثر سياسات الدّولة اللبنانيّة على الحياة اليوميّة للسوريّين، بيروت: دَعْم لبنان، تمّوز/يوليو 2016 )يصدر قريباً)
[4]لِمناقشة نظريّة حول التّهجين، راجِعْ ف.بويجي، أ.براون، ك.كليمنتس وأ.نولان، حول الأنظمة السياسّية الهجينة والدُّوَل النّاشئة: تَشْكيل دولة في سياق «الهشاشة »، برلين: مركز بحوث برغوف لإدارة النّزاع البنّاء، http://www. ،2000 berghof-foundation.org/fileadmin/ redaktion/Publications/Handbook/ ؛Articles/boege etal handbook.pdf لِمناقشة حول التّهجين في تَوْفير الأمن في لبنان، راجِعْ دَعْم لبنان، الأزمة والسّيطرة: الأمن الهجين )غير( الرّسمي في لبنان، بيروت، دَعْم لبنان، تمّوز/يوليو 2016 )يصدر قريباً(
[5]ينطوي «الخطاب الرّسمي » لِمُزوِّدي الأمن المحلّيين على حماية اللاجئين. راجِعْ دَعْم لبنان، الأزمة والسّيطرة، 2016 ، مرجع سابق
[6]تمّ إجراء ثلاثين مقابلة عميقة شبه منظّمة في الثلاثة مواقع مع سُكّان محليّين ذكوراً وإناثاً، ومع لاجئين سوريّين وعُمّال مُهاجرين على المدى الطّويل، ومخاتير مسؤولين رسميّاً عن الشّؤون الإداريّة المحليّة، وبلديّات، والشّرطة البلديّة، وفروع محليّة لأحزاب سياسّية، ومنظّمات غير حكوميّة محليّة ودوليّة تعمل في المناطق. وكان العائق الذي انتصب أمام البحث هو أنّ المواقع الثلاثة أثبتَتْ بأنّها آمِنة تماماً – رغم أنّها مَطْبوعة بجوٍّ عامٍّ من الخوف وعدم الثقة والتّرهيب الإجتماعي – ولا تُسِّجل النّتائج التحدّيات التي تواجهها مناطق تعاني من انعدام أمنٍ ظاهرٍ أكثر. كما يستقي الموجز أيضااً من طاولة مُستديرة ناقشَتْ نتائج البحث الأوليّة وعُقِدَتْ في شهر أيّار/ مايو 2016
[7]دَعْم لبنان، الأزمة والسّيطرة، 2016 ، مرجع سابق
[8]لاجئ سوري، مقابلة، عاليه، تمّ الإستشهاد بقَوْله في دَعْم لبنان، الأزمة والسّيطرة، 2016 ، مرجع سابق
[9]دَعْم لبنان، الأزمة والسّيطرة، 2016 ، مرجع سابق
[10]راجِعْ الرّسم البياني للمعلومات: القائمون بالمُداهمات والتّمييز الإجتماعي، دَعْم لبنان، مركز المعرفة التّابِع للمجتمع المدني، . http://cskc.daleel-madani org/content/actors-and-raids-con- flicts-social-discrimination-0 ، تمّت زيارة الموقع في 13 حزيران/يونيو 2016
[11]دَعْم لبنان، الأزمة والسّيطرة، 2016 ، مرجع سابق
[12]راجِعْ مركز بيروت للبحث والإبداع، 2015 ، مرجع سابق؛ وس.الشراباتي وج.نمّور، إستطلاع حول تصوُّرات اللاجئين السوريّين في لبنان، بيروت: معهد العلوم السياسيّة في جامعة القدّيس يوسف، http:// ،2015 data.unhcr.org/syrianrefugees/ download.php?id=9335
[13]القانون 17 ، قوى الأمن الدّاخلي، http://www.isf.gov.lb/en/article/ 193/Law-17 ، تمّت زيارة الموقع في 20 حزيران/يونيو 2016
[14]الشّرطة البلديّة وتَوْفير الأمن، تقرير حول نتائج البحث النوعيّ، لندن: إنترناشونال أليرت، شباط/فبراير 2015 )لم يُنشَر)
[15]المرجع نفسه
[16]المرجع نفسه
[17]على سبيل المثال، وجد البحث الذي أجرَتْه إنترناشونال أليرت عام 2015 أنّ بلدة المرج في البقاع الغربي تتمتّع بثلاثة ضبّاط شرطة فقط يُغطّون سكاّناً يصل عددهم إلى 20000 مواطن محليّ و 10000 لاجئ سوري، فيما تتمتّع مدينة جبيل في جبل لبنان ب 42 ضابط شرطة و 30 حرس بلديّاً لِسكّانٍ يصل عددهم إلى 40000 مواطنٍ محليٍّ و 5000 لاجئ. راجِعْ الشّرطة البلديّة وتَوْفير الأمن، 2015 ، مرجع سابق
[18]دَعْم لبنان، الأزمة والسّيطرة، 2016 ، مرجع سابق
[19]راجِعْ، مث اً، إ.فارس، العنصريّة والتعصُّب والفوضى: كيف يُشكِّل مسقط رأسي بيئة حاضِنة لِداعش، حالة ذهنيّة منفصلة، 19 تشرين الأوّل/أكتوبر 2014، https://stateofmind13.com/tag/ /ebrine
[20]تدور الحجّة حول واقع أنّ تَعْميمات حظر التجوُّل ممكن أنْ تُطبّقها القيادة العسكريّة العُليا وحدها، ولا ينصّ القانون البلدي على أنّ البلديّات تتمتّع بصلاحيّة فَرْض تَعْميمات حَظْر تجوّل. راجِعْ ي.السعدي، بحثٌ في تَعْميمات حَظْر التجوّل ضدّ السوريّين في لبنان، مركز المعرفة التّابِع للمجتمع المدني، بيروت: دَعْم لبنان، http://cskc.daleel-madani. ،2014 org/content/examining-curfews- against-syrians-lebanon-0
[21]تَوْفير الأمن الهجين للاجئين السوريّين: التعلُّم من البحث والتّجربة، عَرْض على طاولة مستديرة نظّمها الكُتّاب لِحَصْد رُدود الفعل حول النّتائج الأوليّة للبحث الميدانيّ، 12 أيّار/مايو 2016 ، بيروت
[22]دَعْم لبنان، الشكليّة الرسميّة، آليّات الوساطة، وعدم الشرعيّة، 2016 ، مرجع سابق
[23]مواطن لبناني، مقابلة، عاليه، تمّ الإستشهاد بقَوْله في دَعْم لبنان، الأزمة والسّيطرة، 2016 ، مرجع سابق
[24]راجِعْ، مثلاً، ل.ديني وس.جنكينز، تَأْمين المجتمعات: ما هو ضَبْط الأمن المجتمعي وكيف يُطبَّق، دراسة خلفيّة، لندن: معهد التّنمية ما وراء البحار، https:// ،2013 www.odi.org/sites/odi.org.uk/ files/odi-assets/publications-opinion- files/8491.pdf
[25]المرجع نفسه
[26]س.راو، ضَبْط الأمن المجتمعي في الدُّوَل الهشّة التي طالها النّزاع، تقرير بحثي لِمكتب المساعدة، برمينغهام: الحوكمة ومركز موارد التّنمية الإجتماعيّة، http://www.gsdrc.org/docs/ ،2013 open/hdg997.pdf
[27]مثلاً، عمل سايرين آسوشيتس Siren Associates مع مركز الشّرطة في رأس ب روت )قوى الأمن الدّاخلي( في بيروت ومع مديريّة شؤون اللاجئين السوريّين في الأردن في مخيّمَْي اللاجئين الزّعتري والأزرق في الأردن. راجِعْ: الشّرطة البلديّة وتَوْفير الأمن، 2015 ، مرجع سابق
[28]تتألّف الخليّة الأمنيّة في النبطيّة من ضُبّاط شرطة يأتون من خمس مؤسّسات أمنيّة وثلاث وزارات، إضافةً إلى ممثِّل واحد عن المجتمع المدنيّ. راجِعْ م.المصري، سياق الإستقرار الإجتماعيّ في قضاءَيْ النبطيّة وبنت جبيل، تقرير حول تَحْليل النّزاع، برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ، آذار/ مارس 6201 ، صفحة https://data. ،8 unhcr.org/syrianrefugees/download. php?id=10748
[29]المرجع نفسه، صفحة 9
APA
(2016). الأمن الذي يحمي :سياسة المعلومات حول توفير الأمن المحلي في المجتمعات اللبنانية التي تستضيف لاجئين سوريين.
MLA
الأمن الذي يحمي :سياسة المعلومات حول توفير الأمن المحلي في المجتمعات اللبنانية التي تستضيف لاجئين سوريين, 2016.
Harvard
2016, الأمن الذي يحمي :سياسة المعلومات حول توفير الأمن المحلي في المجتمعات اللبنانية التي تستضيف لاجئين سوريين.
Chicago
الأمن الذي يحمي :سياسة المعلومات حول توفير الأمن المحلي في المجتمعات اللبنانية التي تستضيف لاجئين سوريين. 2016
مماثل
يناير.2022
يحلّل هذا الموجز للسياسات الثغرات في نظام الحماية...
يناير.2020
يستند هذا الموجز إلى الأبحاث التحويلية والمتعدّدة...
يناير.2019
يستكشف هذا الموجز كيف ساد الوضع الراهن - على الرغم من...
يناير.2018
قد يشهد لبنان زيادةً ملحوظةً في عدد النساء اللواتي سيشغلن...