قد يشهد لبنان زيادةً ملحوظةً في عدد النساء اللواتي سيشغلن مقاعد في البرلمان في أيار/ مايو 2018 القادم نتيجة مبادراتٍ قدّمتها مجموعاتٌ نسائيةٌ وناشطون في «المجتمع المدني »، وكذلك بسبب العدد الكبير من المرشّحات 113 في بداية الفترة الانتخابية. غير أنّ النساء اللبنانيات لا يزلن يتعرّضن لتحدّياتٍ عديدةٍ للتواجد في الحكومة، مثلما تظهِر الورقة الآتية. إذ لا يقدّم القانون الانتخابي الجديد الذي أُقرَّ في حزيران/ يونيو 2017 فرصةً متساويةً للنساء كي يتمّ انتخابهن، وسيظهَر لاحقاً إن كان سيزيد تمثيل النساء في البرلمان فعليًا. غير أنّ العدد التاريخي للنساء المرشّحات لهذه الانتخابات يبرهن على أنّ النساء أكثر تصميماً من أيّ وقتٍ مضى على زيادة حضورهنّ في السياسة اللبنانية

ملخّص النتائج الرئيسية 1
قد يشهد لبنان زيادةً ملحوظةً في عدد النساء اللواتي سيشغلن مقاعد في البرلمان في أيار/ مايو 2018 القادم نتيجة مبادراتٍ قدّمتها مجموعاتٌ نسائيةٌ وناشطون في «المجتمع المدني »، وكذلك بسبب العدد الكبير من المرشّحات 113 في بداية الفترة الانتخابية. غير أنّ النساء اللبنانيات لا يزلن يتعرّضن لتحدّياتٍ عديدةٍ للتواجد في الحكومة، مثلما تظهِر الورقة الآتية. إذ لا يقدّم القانون الانتخابي الجديد الذي أُقرَّ في حزيران/ يونيو 2017 فرصةً متساويةً للنساء كي يتمّ انتخابهن، وسيظهَر لاحقاً إن كان سيزيد تمثيل النساء في البرلمان فعليًا. غير أنّ العدد التاريخي للنساء المرشّحات لهذه الانتخابات يبرهن على أنّ النساء أكثر تصميماً من أيّ وقتٍ مضى على زيادة حضورهنّ في السياسة اللبنانية
النساء في السياسة في لبنان: «المساومة مع البطريركية 2»
لقد حقّقت اللبنانيات تقدّماً ملموساً في مجالي التعليم 3 والاقتصاد 4، غير أنّ نجاحهنّ أقلّ بكثيرٍ في عالم السياسة 5. ويمكن أن ننسب وصول معظم النساء اللواتي دخلن عالم السياسة إلى نقصٍ في الورثة الذكور لملء مقعد قريبٍ ذَكَرٍ بعد وفاته 6. إنّ العوامل الأوّلية التي تساهم في نقص مشاركة النساء في السياسة اللبنانية تنحدر من بنية المجتمع بالصلة مع النوع الاجتماعي. وتشتمل هذه البنية نظام الزعامة البطريركي 7 وأساس القرابة الأبوية في المجتمع 8 ونظام الحكم الطائفي وسلطة المؤسسات الدينية 9 وإرث الاستعمار الفرنسي 10.
سوف ينتخب لبنان برلماناً جديداً بتاريخ 6 أيّار/ مايو 2018 ، بعد ما يقارب العقد من آخر انتخابات نيابية له 11. وقد قدّم القانون الانتخابي الجديد الذي أُقرّ في حزيران/ يونيو 2017 نظاماً انتخابياً «نسب » وأعاد رسم الدوائر الانتخابية 12. بحدود منتصف شهر آذار/ مارس 2018 ، بلغ عدد النساء المسجّلات لخوض الانتخابات النيابية 113 امرأة، وهي زيادةٌ مدهشةٌ مقارنةً مع العام 2009 حيث ترشّحت 12 امرأةً وانتُخبت أربعٌ منهنّ. هؤلاء النساء ال 113 متبايناتٌ في انتماءاتهنّ وهنّ غير تقليديّات إلى حدٍّ كبير. معظمهنّ لا ينحدرن من سلالاتٍ سياسيةٍ و 103 منهنّ ترشّحن بصورةٍ مستقلّةٍ أو بوصفهنّ مرشّحات عن «المجتمع المدني 13» .
يثير هذا السياق الأسئلة التالية:
- هل ستضع هذه الانتخابات لبنان على طريق تمثيلٍ نسائيٍ أكبر في البرلمان، أم أنّ أمراء الحرب السابقين والرجال من السلالات السياسية سيواصلون السيطرة على الحكومة؟
- هل ستأتي النساء المنتخَبات من الأحزاب والعائلات السياسية التقليدية أم ستظهر وجوهٌ سياسيةٌ جديدة؟
- هل يوفّر القانون الجديد مساحةً للنساء، ولاسيّما أولئك اللواتي لا ينتمين إلى السياسة السائدة، أم أنّه سيعزّز فحسب الوضع القائم؟
- أخيراً، هل تحدّت تحالفات «المجتمع المدني » الجديدة الديناميات الطائفية والجندرية المسيطرة؟
يطرح موجز السياسات الآتي أنّه في حين يبدو العدد التاريخي للمرشّحات واعداً بتوسيع المشاركة السياسية النسائية في لبنان، فإنّ هذه الظاهرة هي بالأساس نتيجة مبادراتٍ قامت بها نساءٌ بمفردهنّ ومجموعاتٌ نسائية، وكذلك نتيجة مبادراتٍ أخرى من «المجتمع المدني »، أكثر ممّا هي تشجيعٌ مؤسّساتيٌّ أو تغيّراتٌ بنيوية ضمن الحكم. علاوةً على ذلك، وفي حين يصعب التنبّؤ بما إذا كان القانون الانتخابي الجديد سيؤدّي إلى زيادةٍ في تمثيل النساء في البرلمان، فمن الواضح من البداية أنّ القانون الجديد لا يعطي للنساء فرصاً متساوية في الفوز بالانتخابات. هنالك أصلاً عدم توافقٍ سافرٌ بين التساوي في الفرص والتساوي في النتائج. إضافةً إلى ذلك، لم تساعد الأحزاب السياسية السائدة النساء في هذا المجال. وقد أدّى ذلك إلى اصطفاف معظم المرشّحات مع مجموعات «المجتمع المدني »، في محاولةٍ لتحدّي الوضع الطائفي القائم والمستند إلى التمييز بين الجنسين عبر خلق تحالفاتٍ تعارض الأحزاب المقامة على أساسٍ طائفي، وعبر ترشيح نساءٍ ضمن صفوفها.
القانون الانتخابي الجديد: حصصٌ للطوائف – وليس للنساء
يتضمّن القانون الانتخابي الجديد تغييراتٍ في الدوائر الانتخابية ويتمتّع بمظهرين جديدين بوضوح: التمثيل «النسبي » واختيار مرشّحٍ «تفضيلي ». فالمواطنون لا ينتخبون المرشّحين كأفراد، بل عليهم التصويت لقائمة مرشّحين في دائرتهم، ثمّ التصويت لمرشّحٍ تفضيليٍّ واحد من القائمة التي اختاروها. يتمّ تحديد عدد المقاعد العائدة لكلّ لائحة انطلاقاً من الحاصل الانتخابي 14 وعدد الأصوات التي تحرزها القائمة. يُقسّم العدد الإجمالي للأصوات التي فازت بها القائمة على الحاصل
الانتخابي الذي يحدّد العدد النوعي للمقاعد التي ستحظى بها القائمة. بعد ذلك، يتمّ اختيار المرشّحين في دائرةٍ معيّنة وفق أكبر عددٍ حازوا عليه من الأصوات التفضيلية. وبعد اكتمال حصةّ مذهبٍ ما أو عدد المقاعد التي حازت عليها لائحةٌ ما، يصبح باقي المرشّحين من هذه الطائفة أو القائمة غير مؤهّلين. بالتالي، يمكن أن يخسر مرشّحٌ حصل على عددٍ أعلى من الأصوات التفضيلية لصالح مرشّحٍ حاز على أصواتٍ أقل، وذلك فحسب بسبب تخصيص المقاعد حسب المذهب. ويصعب أن يؤدّي أيٌّ من جوانب هذا القانون الجديد إلى تنافسٍ عادلٍ بين المرشّحين.
فضلاً عن ذلك، يعيد القانون ترتيب لبنان ضمن 15 دائرة انتخابية تتضمّن 27 قضاءً، أو دائرةً صغرى 15 . يقسم هذا التحيّز في تقسيم الدوائر الانتخابية الطوائفَ إلى دوائر منفصلة بدلاً من أن يخلق دوائر انتخابية مختلطة 16 ، ما سيجعل التآلفات والأنظمة الزبائنية في الدوائر الأصغر كما هي وأكثر قوّةً. سيبدو أنّ ذلك يؤذي المرشّحين المستقلّين، بما أنّ الناخبين قد يميلون إلى منح تصويتهم التفضيلي لعضوٍ من طائفتهم أو حزبهم 17 . يستند هذا الافتراض إلى تاريخ الولاءات المسبقة المتشابكة في البلاد ويبدو منطقياً أنّ المرشّحين الجدد الذين لا يتمتّعون بقاعدة ولاءٍ سوف يكافحون للحصول على أكبر قدرٍ من الأصوات. وبما أنّ غالبية المرشّحات المئة والثلاث عشرة ينشطن على نحوٍ مستقلٍّ وليست لديهنّ قاعدةٌ سياسيةٌ راسخة، فمن غير المرجّح أن يكنّ قادراتٍ على الفوز بعددٍ كبيرٍ من المقاعد في النظام الانتخابي الجديد، على الرغم من ترشح النساء في كافّة الدوائر الانتخابية الخمس عشرة.
طُلب من المرشّحين تشكيل قوائم انتخابية بحلول أواخر شهر آذار/ مارس 2018 كي يبقوا مؤهّلين. كان العدد الكلّي للمرشّحين المسجّلين بدايةً 976 مرشّحاً، 113 منهم نساء 18 . لكن نظراً لشروط القانون الانتخابي الجديد، فقدَ المرشّحون الذين لم يتمكّنوا من الانضمام إلى قوائم أهليّتهم للبقاء في السباق الانتخابي. في وقت كتابة هذه السطور، بقي 597 مرشّحاً عند انتهاء مدّة الانسحاب، بعد انسحاب 379 شخصاً 27 امرأة و 352 رجل (الرسم البياني ١) 19 . قبل الإدلاء بأيّ صوت، حرم القانون حوالي ربع النساء اللواتي قدّمن ترشيحهنّ من فرصة الترشّح. ويشير ذلك إلى أنّ القانون الجديد لا يسهّل الوصول إلى البرلمان، ولاسيّما للمرشّحات، حيث أنّه قد أبعد كثيراً من النساء اللواتي لم يتمكنّ من الانضمام إلى قوائم. لا يزال 511 مرشحّا و 86 مرشّحةً يخوضون السباق الانتخابي، بعد انسحاب 41 بالمئة من الرجال و 24 بالمئة من النساء. على الرغم من انسحاب 24 بالمئة من النساء، ثمة أغلبيةٌ طفيفةٌ من القوائم المسجّلة تتضمّن مرشّحات. فمن أصل 77 قائمة، تتضمّن 48 قائمة ( 62,3 بالمئة) امرأةً واحدةً على الأقل، في حين لا تتضمّن 28 قائمة ( 36,4 بالمئة) أيّ امرأة (الرسم البياني 2). ثمة قائمةٌ واحدةٌ فقط نساء عكّار مكوّنة بكاملها من النساء 20 . قائمة نساء عكّار هي القائمة الوحيدة التي تتحدّى جذرياً الديناميات الجندرية التقليدية في المشهد السياسي اللبناني، ليس باستثناء الرجال منها فحسب، بل كذلك بكونها تهدف إلى أن تملأ النساء نصف المقاعد النيابية 21 .
لو كانت الحصص الجندرية قد اعتُمدت، لأمكن أن تشجّع على تشكيل قوائم نسائية حصراً، ولضمنت تساوي الفرص للنساء. يستخدم لبنان الحصص الدينية للطوائف في البرلمان، لكنّه لم يضع حصصاً جندرية لهذه الانتخابات، على الرغم
من الحملات النشيطة التي شنّتها المجموعات النسائية 22 . تقدّم حزب الكتائب إلى البرلمان بمشروع قانونٍ اقترح وجود حصةٍّ للنساء تبلغ ثلث مقاعد البرلمان، لكن لم تتمّ المصادقة على هذا المشروع 23 . وكان حزب الله أحد أكثر المعارضين صراحةً لهذا المشروع، فقد عبّر عن معارضته الصريحة لوجود النساء في مواقع صنع القرار 24 . وبصرف النظر عن المواقف الرسمية تجاه الحصص، فإنّ كافّة الأحزاب السياسية فشلت في تسمية عددٍ ذي دلالةٍ من المرشّحات لانتخابات العام 2018 . ثمة مثالٌ يبيّن هذا التناقض هو مثال لارا سعادة، رئيسة السياسة العامة والتشريع في حزب الكتائب، التي أرادت أن تخوض انتخابات العام 2018 وتوقّعت أن يرشّحها الحزب. وعندما وصل الاختيار بين سعادة وعضوٍ آخر في حزب الكتائب هو إيلي ماروني، اختار الحزب ماروني بدلاً منها 25 . ولم يمنع تصريح ماروني علناً في السنة المنصرمة بأنّ النساء المغتصبات مذنبات 26 الحصةّ المزعومة لدى حزب الكتائب والمحابية للجندر من تسميته على حساب امرأة مؤهّلة.
النساء في الأحزاب التقليدية: سياسة التنافر
في تموز/ يوليو 2012 ، شارك ممثّلون وممثّلات للأحزاب السياسية اللبنانية في ورشات عملٍ نظّمتها وحدة شؤون المرأة في وزارة الشؤون الاجتماعية لتوسيع وجود النساء في الحكم 27 . وعلى الرغم من ذلك، فلم تفعل الأحزاب السياسية أكثر من زيادة عدد المرشّحات بهامشٍ صغير )الرسم البياني 3(. في انتخابات 2018 اللبنانية، يبلغ عدد مرشّحي حركة المستقبل 37 مرشّحاً، منهم أربعة نساءٍ فقط؛ كما يدفع التيّار الوطني الحرّ قدُماً امرأتين من أصل 46 مرشّحاً؛ ورشّح حزب الكتائب امرأتين من أصل 17 مرشّحاً؛ ومن مجموع المرشّحين عن حركة أمل والذين يبلغ عددهم 16 مرشّحاً، توجد امرأة واحدة فقط، كما لا توجد في قوائم الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله أيّ مرشّحةٍ من بين المرشّحين العشرة والثلاثة عشر على التتالي 28 . تبلغ نسبة المرشّحات في هذه الانتخابات اللواتي رشّحتهنّ أحزابٌ سياسيةٌ راسخة 9 بالمئة فقط 29 . وهذا يؤكّد أنّ الحصة الجندرية أكثر الطرق واقعيةً لزيادة عدد النساء في البرلمان. سوف يرغم تبنّي حصةٍّ جندريةٍ الأحزاب السياسية على ترشيح مزيدٍ من النساء. غير أنّ المتشكّكين في الحصةّ الجندرية، مثل نعمت بدر الدين التي ترشّحت عن المقعد الشيعي في دائرة بيروت الثانية، يقولون بأنّ زعماء الأحزاب سوف يكتفون ب «إدخال قريباتهم وصديقاتهم » في حال أرغموا على الالتزام بحصة 30 .
يبدو أنّ الأحزاب السياسية غير مهتمّةٍ بترشيح النساء إلى البرلمان بخاصّة. ثمة نتيجةٌ كبرى غير متوقّعة لهذه الدراسة تتمثّل في أنّ النساء يلعبن أدواراً بارزة في صنع القرار في بعض الأحزاب السياسية الراسخة. فعلى سبيل المثال، ثمة سبع نساءٍ في المكتب السياسي لحركة المستقبل 31 ، في حين أنّ الأمين العامّ في كلٍّ من التيار الوطني الحرّ 32 والقوّات اللبنانية 33 من النساء. معظم الأحزاب السياسية الرئيسية لديها لجانٍ للمرأة، ما يشير إلى ما يبدو أنّه انفتاحٌ لهذه المجموعات على إدماج النساء، على الرغم من عدم وضوح الدور الفعلي الذي يُتوقّع من النساء أن يلعبنه.
من العائلة والتحدّيات المالية...
ثمة قيودٌ أخرى على مشاركة النساء في السياسة، تتمثّل في الضغوط العائلية والاعتبارات المالية. ومن المثير للدهشة أنّ 14 من أصل 15 مرشّحة تمّ استجوابهنّ أعلنّ بأنّ عائلاتهنّ تدعم إلى أقصى حدٍّ طموحاتهنّ السياسية. يشير هذا الأمر إلى أنّ دعم العائلة مهمٌّ في اتّخاذ النساء قرارَ الترشّح لمنصبٍ عامّ. وتأتي التحدّيات المالية لتكون عامل تعقيدٍ إضافي. فمن أصل 15 مرشّحة، كانت 13 منهنّ يكافحن لتمويل حملاتهنّ. وقد صرّح علي سليم، من الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات 34 ، قائلاً: «الأمر أكثر صعوبةً بالنسبة إلى النساء في التصويت التفضيلي بسبب السقف المرتفع للإنفاق. لدى كلّ مرشّحٍ خيارٌ وحقٌّ في أن ينفق ما يصل إلى 200 ألف دولار أمريكي، وهو مبلغٌ من المال لا يصل إليه عموماً إ لّ أعضاء الأحزاب السياسية الراسخة أو الأثرياء على نحوٍ مستقلّ 35 . سقف كلّ مرشّحٍ مرتفعٌ جدّاً 36» . العوامل المالية تهمّش النساء والقادمين الجدد وأولئك الذين ليسوا شديدي الثراء، وتعزّز النظام الراهن عبر تقوية مواقع الزعماءالموجودين من أصحاب رأس المال الاقتصادي الضخم
... إلى تحدّي البنى البطريركية الشاملة
الترابط حتميٌّ بين تمكين النساء سياسياً وقوانين الأحوال الشخصية. وبالفعل، يبدو كثيرٌ من المرشّحات متحمّساتٍ لتغيير قوانين الأحوال الشخصية الموجودة بين أيدي رجال الدين والتي تملي حقوق النساء في الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والإرث. وقد شدّدت نايلة جعجع التي كانت مرشّحةً في دائرة بيروت الثانية عن المقعد الشيعي ثمّ سحبت ترشيحها على الطبيعة الظالمة لقوانين الأحوال الشخصية عبر الإشارة إلى أنّها تسمح «بتطليق بعض النساء المسلمات عبر تطبيق الواتساب، في حين تبقى النساء المسيحيات عالقاتٍ في زيجاتٍ مجحفة أو تعيسة 37» . أمّا المرشّحة زويا روحانا المرشّحة لمقعد الروم الأرثوذكس في دائرة الشوف عاليه، فتوضّح بأنّ أهدافها الرئيسية تتمثّل في تمرير قانونٍ شاملٍ يتعامل مع كافّة أشكال العنف التي تواجهها النساء، بالإضافة إلى قانونٍ مدنيٍّ إلزاميٍّ للأحوال الشخصية يلغي تحكّم المحاكم المذهبية في حياة النساء الخاصّة. تؤمن روحانا بأنّ «عقلية اللبنانيين وثقافتهم لا يمكن تغييرها. وإصلاح القوانين حلٌّ أبسط بكثيرٍ من تغيير الثقافة البطريركية 38» . وكما ذكرت روحانا، فإنّ الثقافة البطريركية عقبةٌ كُبرى تمنع النساء من أن يلعبن دوراً فعّالاً في السياسة العامة، وهي متغلغلةٌ في كلّ الهياكل الاجتماعية في لبنان 39 .
ارتقاء مشاركة النساء السياسية في لبنان
الإصلاحات الأساسية في القانون الانتخابي التالي
أهمّ إصلاحٍ انتخابي ينبغي إجراؤه هو إقرار قانونٍ انتخابيٍّ جديدٍ قبل الانتخابات القادمة، يسمح للمرشّحين بالتنافس كأفرادٍ من دون أن يكون عليهم الانضمام للائحة. فقد قيّد نظام اللوائح بوضوحٍ النساء في هذه الانتخابات، حيث لم يستطع 24 بالمئة من المرشّحات الانضمام إلى لائحة.
علاوةً على ذلك، يجب على الحكومة اللبنانية أن تتخلّى عن رسم تسجيل المرشّحين والذي يبلغ 5000 دولارًا أمريكيًا لتشجيع النساء والرجال الذين ليست لديهم خلفية نخبوية على التقدّم للوظائف العامة، ولخلق فرصٍ أكثر تساوياً بين المرشّحين، بصرف النظر عن نوعهم الاجتماعي.
يجب على الأحزاب التقليدية أن تقوم بخطواتٍ فوريةٍ لتشجيع مشاركة النساء الرسمية والفعلية في السياسة
تحتاج الأحزاب التقليدية لأن تكون أكثر انفتاحاً على النساء ولاسيما بتبنّيها لحصةٍّ جندرية. من أهمّ ما خلصت إليه هذة الورقة هو أنّ معظم المرشّحات قليلات الارتباط بالأحزاب السائدة وانضممن إلى تحالفاتٍ جديدةٍ بدلاً من ذلك؛ بالتالي، يجب توسيع مشاركة النساء ضمن الأحزاب السياسية التقليدية. ثمة خطوةٌ عاجلةٌ يمكن القيام بها قبل الانتخابات القادمة، وهي أن تُفرض نسبة 30 أو 50 بالمئة كحصةٍّ جندريةٍ لكلٍّ من مرشّحي الأحزاب السياسية والمقاعد البرلمانية. سوف يشجّع هذا القانون مزيداً من النساء على التنافس بعد أن يعلمن بأنّ هنالك مقاعد مضمونة لهنّ، مع إرغام الأحزاب السياسية في الوقت عينه على تسمية مرشّحات. إضافةً إلى ذلك، سوف يسمح وجود حصةٍّ جندريةٍ بتطبيع صورة النساء في السياسة وتبدد الصورة النمطية الشعبية التي تقصر المجال السياسي على الرجال.
الإصلاحات المتعلّقة بالاقتصاد والعمل: فتح كامل إمكانات النساء السياسية
الإصلاحات الاقتصادية ضروريةٌ هي أيضاً. سوف يكون تقديم مزيدٍ من فرص العمل للنساء وزيادة وجودهنّ في قوّة العمل اللبنانية والذي لا يتجاوز 25 بالمئة 40 مكسباً كبيراً لحرّية النساء ولاستقلاليتهنّ الاقتصادية. يجب أن تستخدم النساء اللواتي يرغبن في خوض سباق الانتخابات البرلمانية واللواتي تنقصهنّ الإمكانات المالية وسائل التواصل الاجتماعي لتخفيف الكلفة الكبيرة للترويج لأنفسهنّ عبر الظهور على التلفزيون، وكذلك لتنظيم الحملات وورشات العمل والمناسبات والترويج لها.
قوّة التعاون: الحملات البديلة الموحّدة
ينبغي أن تتعاون الحملات والتحالفات الناشئة من منظّمات «المجتمع المدني » مع الفاعلين الآخرين الذين يشاركونها في القيم والأهداف، وبعد ذلك القيام بحملاتٍ فعّالة. لقد افتقرت مجموعات «المجتمع المدني » إلى التعاون في هذه الانتخابات، وحضورها ليس بقوّة حضور المرشّحات. تتسابق النساء في كافّة الدوائر الانتخابية الخمس عشرة، غير أنّ مجموعات «المجتمع المدني » لا تتنافس سوى في تسعٍ منها. وعلى الرغم من أنّ هذا الرقم لا يمثّل إ لّ أكثر بقليلٍ من نصف الدوائر، فإنّ تعاوناً أكثر جدّيةً كان سيؤدّي إلى وجود المجتمع المدني في كافّة الدوائر. وكان ذلك سيؤدّي أيضاً إلى مزيدٍ من تحدّي الأحزاب التقليدية الطائفية. ومثلما عبّرت المرشّحة جمانة حدّاد التي تنافس على مقعد الأقلّيات في بيروت، فإنّ «المجتمع المدني يحتاج إلى جبهةٍ موحّدة لأنّهم الأقلّية التي تتحدّى نظاماً شديد التقليدية 41» . إنّ تحالفاً قوّياً للفاعلين السياسيين غير التقليديين سيزيد فرص تحدّى الإقطاع السياسي والنظام الزبائني بهدف تحسين التناوب السياسي في الحياة السياسية اللبنانية.
الإصلاحات القانونية نحو المساواة الكاملة والمواطنة
تواجه المرأة اللبنانية عددًا كبيراً من العقبات في وجه تحقيقها لحضورٍ مهمٍّ في الفضاء السياسي. ليس هنالك عاملٌ وحيدٌ يمكن أن يفسّر نقص النساء في السياسة العامة، وبالتالي ليس هنالك حلٌّ وحيد. فالمرأة تعاني من كثيرٍ منالحرمان في النظام القانوني اللبناني و «تنظيم التباين الجنسي لا يقتصر على مجال الأحوال الشخصية، بل إنّه العقدة الجوهرية في صميم القانون المدني والجنائي والإجرائي في لبنان 42» .
بهدف تشجيع مزيدٍ من النساء اللبنانيات على الدخول إلى البرلمان، يجب عليهنّ أوّلاً أن يتمتّعن بكافّة مواصفات المواطنة وبحقوق متساوية. ينبغي أن يتمتّع جميع اللبنانيين، بصرف النظر عن الطائفة أو النوع الاجتماعي، بحقوقٍ متساوية في ظلّ قوانين مدنية. سوف يجعل ذلك الأمر النساء مواطناتٍ يتساوين مع الرجال، ما سيؤدّي إلى زيادة تواجدهن في القطاعين الاقتصادي والسياسي. لا يمكن الطلب من اللبنانيات أن يشاركن بالكامل في المجتمع طالما أنّهنّ لا يتساوين مع الرجال، ولا مع بعضهنّ بعضاً. ويستتبع ذلك إصلاح العقبات الاجتماعية والقانونية التالية التي تقهر النساء: قوانين الأحوال الشخصية وقانون الجنسية والقوانين الجنائية التي تتعامل مع العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي والقوانين الانتخابية.
إنّ إنهاء تحكّم النظام الطائفي اللبناني بحياة المواطنين هو إلى حدٍّ كبيرٍ أكثر القضايا إلحاحاً في ما يخصّ النساء، وهو أيضاً الأكثر صعوبةً لأنّه تجسيدٌ للنظام الاجتماعي والسياسي اللبناني. يمكن أيضاً أن يؤدّي إجراء إصلاحاتٍ جوهريةٍ في القوانين البطريركية التي تحكم شؤون النساء في مسائل الزواج والطلاق والإرث وحضانة الأبناء إلى تحسينٍ كبيرٍ في ظروف النساء. لقد برهن السياسيون اللبنانيون مراراً وتكراراً على أنّهم لا يضعون حقوق النساء أولويةً لهم. إنّ منع النساء من الحصول على مزيدٍ من الحقوق يسترضي النخب الدينية التي تمارس سلطةً قضائيةً كبيرة على وضع النساء الشخصي وعلى حراكهنّ الاجتماعي. استناداً إلى تحليل الحملة الانتخابية للعام 2018 ، يظهر أنّ أكثر الطرق نجاعةً لإنجاز هذا الأمر تتمثّل في الضغط بقوّةٍ على محاكم الأحوال الشخصية وعلى السياسيين عبر حملاتٍ شعبيةٍ تقوم بها مجموعات حقوق المرأة. المناصرة سلاحٌ قويٌّ في هذه الحالة وهي تحشد النساء وتضغط على الحكومة وتفضح السياسيين وأعضاء الأحزاب السياسية الذين يصوّتون ضد حقوق المرأة. كما ننصح بأن تعالج الحكومة العنف المستند إلى النوع الاجتماعي عبر تجريم التحرّش الجنسي والاغتصاب في إطار الزواج.
هنالك إصلاحٌ قانونيٌّ ملحٌّ آخر يتعلّق بتمكين جميع اللبنانيات من منح جنسيّتهنّ لأبنائهنّ. فالقانون الحالي تمييزيٌّ ضدّ النساء لأنّه يحرمهنّ من هذا الحق. وإذا ما كان الطفل لا يمكن أن يصبح لبنانياً إ لّ عبر الأب، فإنّ المواطنة هي ذكوريةٌ بطبيعتها. وكي تصبح النساء مواطناتٍ بالكامل، لابدّ من منحهنّ هذا الحق. يجب على المجموعات النسائية مواصلة تسييس هذه القضية حتّى يتم تعديل هذا القانون الظالم بالصورة المناسبة.
أخيراَ، لا يمكن النظر في مشاركة النساء السياسية بمعزلٍ عن الإصلاح القانوني والاقتصادي والاجتماعي. فالاعتماد المتبادل بين الأنظمة البطريركية والأبوية العديدة، القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، في لبنان يجعل إعادة تعريف هذه الهياكل أو تحدّيها أمراً شديد الصعوبة على النساء. سيؤدّي التغيير البنيوي إلى المساواة بين الجنسين، لكن على النساء أ لّ ينتظرن حدوث ذلك. وحتّى حدوثه، على النساء مواصلة المساومة مع «البطريركية 43»