دليل عملي لمنظمات المجتمع المدني في لبنان حول

يشكّل البحث القائم على الأدلّة حجر الأساس في أيِّ محاولةٍ جدّية لإنتاج المعرفة حول المجتمع أو فهم الظواهر والسلوكيات والمواقف الاجتماعية والثقافية والسياسية، وذلك في سبيل التخطيط لاستجابات وتدخّلات مناسبة (سواء التخطيط للمشاريع أو صياغة السياسات). وعليه، تقدّم هذه الوحدة التعليمية لمنظّمات المجتمع المدني وجهاته الفاعلة والعاملين فيه في لبنان مفاهيم أساسية حول تصميم الأبحاث، إلى جانب بعض المبادئ التوجيهية العملية التي تخوّلهم تحقيق الاستفادة القصوى من أدوات البحث في عملهم.

تنقسم هذه الوحدة التعليمية إلى خمسة أقسام رئيسية. يشكّل القسمان الأوّل والثاني ركيزةَ هذا الدليل، حيث يعرّفان القارئ على العملية العامّة للبحث العلمي، ويشرحان المقاربات والأهداف والخصائص الرئيسية للبحث التجريبي (القسمان 1 و2). أمّا القسمان اللاحقان، فيتناولان بمزيدٍ من التفاصيل مناهج البحث النوعي (القسم 3) والبحث الكمّي (القسم 4) تباعًا، بما في ذلك عملية إدارة البيانات وتحليلها. أخيرًا، تعالج الخطوة الأخيرة من حلقة البحث طريقة صياغة نتائج البحث وعرضها (القسم 5).

تمّ تطوير هذا الدليل كجزء من مشروع Ta'cir "نحو مشاركة نشطة من المجتمع المدني في عملية الإصلاح" وهو يُنَفّذ من خلال ACTED بالتعاون مع مركز دعم لبنان، عكارنا، وشيلد، بتمويل من الاتحاد الأوروبي. نُشِر هذا الدليل كجزء من برنامج حاضنة المجتمع المدني لدى مركز دعم لبنان.

 

مقدّمة

 

تلعب منظّمات المجتمع المدني في لبنان دورًا مهمًّا في تحديد القضايا الاجتماعية ومعالجة المشاكل الاجتماعية. إلّا أنَّ اعتماد الجهات الفاعلة في المجتمع المدني على البحث والتخطيط القائمَيْن على الأدلّة لا يزال محدودًا. ولعلَّ هذا الرابط المنقطع بين الاستقصاء الاجتماعي المنهجي والبحث القائم على الأدلّة والذي هو وليد العلوم الاجتماعية وعمل المجتمع المدني قد أدّى، في حالات كثيرة، إلى قرارات وتدخّلات وسياسات غير مدروسة.

يشكّل البحث القائم على الأدلّة حجر الأساس في أيِّ محاولةٍ جدّية لإنتاج المعرفة حول المجتمع أو فهم الظواهر والسلوكيات والمواقف الاجتماعية والثقافية والسياسية، وذلك في سبيل التخطيط لاستجابات وتدخّلات مناسبة (سواء التخطيط للمشاريع أو صياغة السياسات). وعليه، تقدّم هذه الوحدة التعليمية لمنظّمات المجتمع المدني وجهاته الفاعلة والعاملين فيه في لبنان مفاهيم أساسية حول تصميم الأبحاث، إلى جانب بعض المبادئ التوجيهية العملية التي تخوّلهم تحقيق الاستفادة القصوى من أدوات البحث في عملهم.

تنقسم هذه الوحدة التعليمية إلى خمسة أقسام رئيسية. يشكّل القسمان الأوّل والثاني ركيزةَ هذا الدليل، حيث يعرّفان القارئ على العملية العامّة للبحث العلمي، ويشرحان المقاربات والأهداف والخصائص الرئيسية للبحث التجريبي (القسمان 1 و2). أمّا القسمان اللاحقان، فيتناولان بمزيدٍ من التفاصيل مناهج البحث النوعي (القسم 3) والبحث الكمّي (القسم 4) تباعًا، بما في ذلك عملية إدارة البيانات وتحليلها. أخيرًا، تعالج الخطوة الأخيرة من حلقة البحث طريقة صياغة نتائج البحث وعرضها (القسم 5).

 

 

القسم 1. التفكير كباحث

 

1.1 التفكير كباحث: ما هي المعرفة القائمة على الأدلّة؟

إنَّ التقييمات الواضحة للاحتياجات تُعتبَر ضروريةً، كي تتمكّن منظّمات المجتمع المدني من تخطيط وتصميم وتنفيذ ودعم تدخّلاتها بالسُبُل الأمثل والأكثر كفاءةً، سواء على مستوى البرامج أو السياسات. لذلك، من المهمّ فهم مهارات البحث الأساسية والتدرُّب عليها. وتكمن أهمية ذلك في التركيز على التفكير النقدي والتحليل القائم على الأدلّة، بما يتعدّى الصور النمطية المتكرّرة أو الأحكام المسبقة أو التقييمات غير الدقيقة والاختزالية للمشاكل. كما ومن الضروري جمع البيانات حول موضوع منظّمة المجتمع المدني، في محاولةٍ لتحليل وفهم الظاهرة قيد الدرس بشكلٍ منهجي، قبل الانتقال إلى تصميم التدخّلات أو اقتراح السياسات.

1.2 حلقة البحث: المقاربات الاستدلالية والمقاربات الاستقرائية

يقوم البحث العلمي على مستويَيْن مترابطَيْن: المستوى النظري/المفاهيمي والمستوى التجريبي/القائم على البيانات (الرسم 1). في حين يُعنى المستوى النظري بالتوصُّل إلى إطار مفاهيمي قادر على فهم وتحليل الظواهر الاجتماعية، يسعى المستوى التجريبي بشكلٍ منهجي إلى مراقبة وشرح وأخيرًا توقُّع العلاقة بين بعض الظواهر.[1] فهو يعتمد على الأدلّة ويسعى إلى اختبار أو صقل أو بناء النظريات، استنادًا إلى البيانات والملاحظات. بالتالي، يعتمد البحث العلمي على عملية منهجية ومُنظَّمة لجمع البيانات وتحليلها، بما يساهم في تشكيل فهمنا للظواهر الاجتماعية وتشخيصنا للظروف الاجتماعية (بناء النظريات/المقاربة الاستقرائية) أو اختبارها (اختبار الفرضيات/المقاربة الاستدلالية).

كما هو مُبيَّنٌ في الرسم 1، تقوم الأبحاث على مقاربتَيْن رئيسيتَيْن:

  1. المقاربة الاستدلالية: تُعرَف بالنهج القائم على "اختبار النظريات" أو "اختبار الفرضيات"، حيث تبدأ حلقة البحث بالنظر في نظرية أو فرضية قائمة واختبارها باستخدام بيانات أو ملاحظات تجريبية جديدة. وغالبًا ما لا يقتصر هدفها على اختبار النظرية، بل تسعى إلى صقل وتحسين وضبط الأبحاث السابقة في ضوء البيانات التجريبية الجديدة.
  2. المقاربة الاستقرائية: تُعرَف بالنهج القائم على "بناء النظريات"، حيث تبدأ حلقة البحث بالملاحظات والبيانات التجريبية، قبل التوصُّل إلى استنتاج على المستوى النظري/المفاهيمي. تشكّل "النظرية الجذرية" أحد أبرز الأمثلة عن ذلك، حيث يقوم الباحث بتحليل البيانات التجريبية والملاحظات وتصنيفها بشكلٍ منهجي، من أجل تطوير المفاهيم والتعريفات وإنتاج النظريات.

تجدرُ الإشارة إلى أنَّ الجهات الفاعلة ضمن منظّمات المجتمع المدني لا تستطيع العمل من دون تطوير المهارات اللازمة على المستويَيْن المفاهيمي والتجريبي. فلا قيمة للنظريات الكبرى إنْ تعذَّرَ استخدامها لفهم الواقع. فعلى سبيل المثال، طُوّرت نظرية التداخل على يد باحثين نسويين في الولايات المتّحدة، وحظيت بترحيبٍ كبير لقدرتها على ربط العمل النظري بالنشاط الفعلي للمجموعات التقدّمية، التي بدأت بالتركيز على تقاطُع الطبقات والنوع الاجتماعي والعرق من أجل فهم انعدام المساواة الاجتماعية (إلى جانب محاور أخرى مرتبطة بانعدام المساواة). كذلك، لا منفعة من الإحصاءات حول عدد النساء اللواتي يتعرّضْنَ للقتل شهريًا على يد أزواجهنّ، ما لم يتمّ النظر إلى المسألة ضمن السياق الأوسع للنظام الذكوري، وما لم يتمّ تفسيرها على المستوى النظري الذي يسمح لنا بفهم أسباب ارتفاع معدّلات العنف الأسري، وبالتالي تطوير تدخّلات مناسبة لمكافحته.

1.3 ما هي أنواع وخصائص البحث القائم على الأدلّة؟

ثمّة ثلاثة أنواع رئيسية من الأبحاث، وذلك بحسب هدف البحث: بدايةً، يتمّ الاعتماد على الأبحاث التفسيرية عادةً إذا كانَ البحث يتناول مسألةً/مشكلةً مجهولة الحجم، حيث لا يتوفّر ما يكفي من المعلومات الموثوقة حولها. يوفّر هذا النوع من الأبحاث فكرةً أوّلية حول نطاق المسألة/المشكلة، ويقدّم فرصةً للبحث فيها بشكلٍ أكثر تعمّقًا في المستقبل. ثانيًا، يهدف البحث الوصفي إلى توفير توصيف معمّق ومنهجي ودقيق حول ظاهرة اجتماعية معيّنة، فيطرح الأسئلة التالية: مَن؟ متى؟ أين؟ وماذا؟

ثالثًا، يطرح البحث التفسيري أسئلة "لماذا وكيف"، ويحاول إيجاد علاقات وآليات سببية، عبر ربط المستوى التجريبي (الملاحظات) بالمستوى النظري (التفسيري)، من أجل تفسير المشاكل أو السلوكيات الاجتماعية.

وينبغي استيفاء ستّ خصائص رئيسية من أجل اعتبار أنواع البحث هذه علميةً.

  1. قابلية التحقّق/الدحض: لا يمكن أن يعالج العلم سوى الأسئلة التي يمكن العثور على أدلّة بشأنها ويمكن التحقّق منها، لا سيّما من خلال الاختبار. بالتالي، ينبغي أن تكون المعرفة العلمية قابلة للدحض، أيْ أنّها يجب أن تخضع للاختبار ويمكن دحضها من خلال ظهور معارف أو بيانات جديدة. وتقع أيّ معرفة لا يمكن دحضها خارج نطاق الاستقصاء العلمي.
  1. الاستكشاف المنهجي: يُعتبَر البحث العلمي بحثًا منهجيًا ومُنظَّمًا ومُخطَّطًا، ويتبع خطوات واضحة (مبيّنة أدناه).
  2. الموثوقية: تُشير الموثوقية إلى تكرارية النتائج، إذ لكي تُعتبَر النتائج موثوقة، علينا أن نحصل على النتائج نفسها عند تكرارنا للبحث.
  3. الصوابية: تُشير إلى مصداقية البحث. فلكي تُعتبَر النتائج صائبة، ينبغي أن نتأكَّد من أنَّ تصميم البحث يستخدم الإجراءات الصحيحة لاختبار أو قياس أو شرح المسألة أو المشكلة التي تتمّ معالجتها. ويجب أن تولي التصاميم البحثية الدقيقة اهتمامًا خاصًّا إلى الصوابية الداخلية (إلى أيّ مدى تُعزى النتائج إلى المتغيّرات المستكشفة في البحث) والصوابية الخارجية (إلى أيّ مدى تكون النتائج قابلة للتعميم). ومن أجل تعزيز صوابية البحث، يمكن استخدام عملية التثليث (استخدام أكثر من طريقة واحدة أو أكثر من بحث واحد للتحقيق في الظاهرة نفسها). ستتمّ معالجة هذه المسألة في القسم التالي.
  4. التحديد/الدقّة: تُعتبَر المعرفة العلمية محدّدة ودقيقة، فهي لا تستخدم مصطلحات غامضة أو أوصاف غير واضحة، وتبتعد عن التعميمات التي لا أساس لها.
  5. قابلية التوقّع: يمكن استخدام المعرفة العلمية في بعض الأحيان لتوقُّع السيناريوهات أو الاتّجاهات المحتملة من أجل مستقبل الموضوع قيد الدراسة، وذلك بناءً على الاتّجاهات الموضّحة سابقًا. ولكنْ، تجدر الإشارة إلى أنَّ ذلك لا يعني أنَّ هذه التوقّعات سوف تتحقّق بالضرورة.

1.4 ما هي خطوات عملية البحث؟

يمكن تلخيص عملية البحث في الخطوات السبع التالية:

الرسم 2: الخطوات السبع لعملية البحث

تحديد المشكلة

اختيار موضوع للبحث

 

مراجعة الأدبيات

الاطّلاع على الأبحاث المتوفّرة حول الموضوع

 

جعل المشكلة محدّدة

صياغة سؤال بحثي واحد أو عدّة أسئلة بحثية، ومحاولة الإجابة عليها أثناء الدراسة أو طرح فرضية من أجل اختبارها

 

اختيار تصميم البحث

اختيار أسلوب بحثي واحد أو أكثر: إجراء اختبارات، والقيام باستطلاعات، والمراقبة، واستخدام المصادر المتوفّرة

 

إجراء البحث

جمع البيانات وتسجيل المعلومات

 

تفسير النتائج التي حصلت عليها

استخلاص انعكاسات البيانات التي تمّ جمعها

 

الإبلاغ عن نتائج البحث

ما هي أهميتها؟ كيف ترتبط بالنتائج السابقة؟

 

يتمّ تسجيل النتائج التي توصّلْتَ إليها وتتمّ مناقشتها في الأوساط الأكاديمية على نطاقٍ أوسع، ما قد يؤدّي إلى المبادرة بإجراء المزيد من الأبحاث

 

المصدر: ماجد (2016، ص.17)

 

< >تحديد المشكلة: بيان المشكلةتبدأ عملية البحث عادةً باختيار موضوع عامّ للبحث. يمكن أن يستند هذا الخيار إلى اهتمامٍ شخصيّ بالموضوع، أو إلى اهتمامات المنظّمة، أو إلى ملاحظتك لتغيُّرٍ اجتماعي معيّن، أو بسبب الحاجة إلى إجراء تدخّلات سياساتية جديدة بعد وقوع أزمة مفاجئة (مثل اندلاع الحروب وأزمات اللاجئين التي تنتج عنها). في هذه المرحلة، يحدّد الباحث المشكلة التي يريد دراستها بعبارات عامّة وواسعة، ليتمّ تقليص نطاقها في مرحلة لاحقة.

 

< >مراجعة الأدبياتتتمثّل الخطوة الثانية من عملية البحث بقراءة الأبحاث ذات الصلة التي أُجرِيَت في وقت سابق في المجال نفسه وحول هذا الموضوع بالتحديد. ويجب على الباحث في هذه المرحلة مراجعة مصادر البيانات التالية:

 

< >المصادر الأوّلية: هي المصادر التي تتضمّن أدلّة مباشرة عن الموضوع قيد الدراسة، مثل المقابلات التي يُجريها الباحث، ونتائج الاستطلاعات، والاستبيانات التي يجمعها الباحث، والنصوص التاريخية الأصلية، والوثائق القانونية، والأعمال الفنّية، والخطابات، إلخ.المصادر الثانوية: هي المصادر التي تشمل المعلومات أو الأدلّة المُنتَجة لتحليل المصادر الأوّلية للموضوع قيد الدراسة، مثل الكتب والمقالات والتقارير العلمية والمقالات الصحفية وغيرها.[2]المصادر الثالثة: وتشمل المصادر التي تُصنِّف وتُنظِّم المصادر الأوّلية والثانوية، مثل القواميس والموسوعات.وفي نهاية هذه الخطوة، يُفترَض أن يكون الباحث قد كوَّنَ فكرةً أوضح عن حالة المعرفة في مجال الدراسة، ما يساعده على اختيار نقطة الانطلاق في موضوع البحث.

قائمة التحقّق: نذكر في ما يلي بعض الأسئلة التي يمكن طرحها في هذه المرحلة:

< >ما هي أبرز الاتّجاهات/النظريات/المفاهيم التي وجدتها في الأدبيات التي راجعتها؟مَن هم أبرز المنظّرين والمؤلّفين والباحثين حول موضوعك؟ما هي جوانب الموضوع التي لا تزال غير مُعالَجة بالشكل الكافي؟ما هي الثغرات التي يمكن أن يساهم بحثك في سدّها؟تحديد المشكلة: من المشكلة إلى المسألة أو المسائل البحثيةبالاستناد إلى استعراض الأدبيات، ينبغي أن يتمكّن الباحث من تقليص دائرة تركيز بحثه واختيار نقطة معيّنة للتعمُّق فيها. يمكن القيام بذلك عن طريق الانتقال من المشكلة البحثية الواسعة إلى صياغة المسألة البحثية الرئيسية أو وضع فرضيات محدّدة ليتمّ اختبارها (في حال الاعتماد على المقاربة الاستدلالية).

 

< >اختيار تصميم البحثيستطيع الباحث الآن أن يقرّر ما هي مناهج البحث الملائمة لمعالجة المسألة البحثية، فتُعتبَر المسائل المتعلّقة بالصوابية والجدوى والقدرة على الوصول أساسيّةً لاتّخاذ هذا القرار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يطوّر الباحث أيضًا في هذه المرحلة تصميمه لاختيار العيّنات. وبعد اختيار تصميم البحث، يجب أن يطوّر الباحث أدوات البحث التي سيتمّ استخدامها (كالاستطلاعات والاستبيانات إلخ). ويتمّ إجراء عملية التطبيق في هذه المرحلة: فيصمّم الباحث تدابير محدّدة للمتغيّرات في الإطار المفاهيمي والنظري الذي تتمّ معالجته في بحثه. وينبغي البدء أيضًا بتحضير الأدوات لجمع البيانات وإدارتها وتحليلها وتوقّع العقبات المحتملة التي يمكن مواجهتها أثناء مرحلة جمع البيانات وتحديد كيفية التصدّي لها.

 

< >إجراء البحث: جمع البياناتيقوم الباحث في هذه المرحلة بجمع البيانات بطريقة منهجية باستخدام الأدوات التي تمّ اختيارها وتطويرها في مرحلة تصميم البحث في الخطوة السابقة (يمكن تنفيذ ذلك عن طريق العمل الميداني أو باستخدام البيانات الإحصائية من الاستطلاعات أو الاستبيانات). ومن الضروري في هذه المرحلة أن يحترم الباحث أخلاقيات البحث وأن يلتزم بها عمليًا.

 

< >تفسير النتائج: تحليل البياناتبعد الانتهاء من جمع البيانات، يحصل الباحث عادةً على بيانات وفيرة ينبغي تنظيمها وتحليلها.

 

 

إرشادات: قد تكون عملية تحليل البيانات عمليةً مثبطة للعزيمة ومملّة، لذا يمكنك اتّباع الخطوات التالية لتحليل بياناتك بنجاح:

< >كُن منظَّمًا ومنهجيًااختَر البيانات ذات الصلة واستبعِد ما هو غير ذي صلة (يمكنك إلغاؤها بعد الانتهاء من بحثك)صنّف البيانات ونظّمها يدويًا أو باستخدام أدوات برمجية مثل برامج إكسل أو إس بي إس إس (SPSS) أو ستاتا (STATA) أو لغة البرمجة آر (R for statistical data) أو برنامج أن فيفو (NVIVO) أو برنامج MAxQDA أو برنامج أطلس للبيانات النوعيةإبحَث عن الاتّجاهات والمواضيع الشائعة في حالة البيانات النوعية أو قُم بإنشاء نموذج إحصائي في حالة البيانات الإحصائيةالإبلاغ عن نتائج البحث: صياغة ورقة البحثتُعتبَر صياغة نتائج البحث الخطوة الأخيرة في عملية البحث، وهي مهمّة لأنّها المرحلة التي ينشر فيها الباحث نتائج دراسته. ينبغي أن يسعى الباحثون إلى الإبلاغ عن الاتّجاهات الرئيسية التي تدعمها البيانات، بالإضافة إلى النتائج المغايرة والاستثناءات، كما عليهم التحلّي بالموضوعية والوضوح والدقّة أثناء قيامهم بذلك. وأخيرًا، ينبغي أن يعترفوا بالآراء المسبقة والتحيّزات (الذاتية) التي قد تؤثّر على تفسيرهم لنتائج البحث. وتجدرُ الإشارة إلى أنَّ بعض الباحثين يفضّلون مشاركة آرائهم الذاتية مع جمهورهم في مقدّمة أبحاثهم أو عند الإبلاغ عن النتائج في نهاية دراساتهم.

الموضوعية والذاتية

لطالما اهتمَّ علماء الاجتماع بالجدل القائم حول الموضوعية والذاتية في البحث العلمي. ولكنْ، مع تراجع الفلسفة الوضعية (التي تعتبر أنَّ العلم موضوعي وحقيقي بشكل تامّ) منذ الستّينيات، أصبح الباحثون اليوم يعترفون بأنَّه في حين تبقى الموضوعية أساسية في مناهج البحث العلمي، إنَّما من المهمّ أيضًا الاعتراف بذاتية الباحث من أجل محاولة الحدّ منها. فالمعرفة العلمية موضوعية من حيث دراستها للظواهر الاجتماعية كما هي وليس كما يجب أن تكون أو كما يريدها الباحث أن تكون (لخدمة برنامجه الخاصّ أو معتقداته). وللتحلّي بالموضوعية، يجب أن يتّبع الباحث خطوات البحث بدقّة، ويجب أن يدرس مسألة البحث بشكل منهجي مع إدراك التحيّزات أو المعتقدات أو الرغبات أو القِيَم أو التفضيلات الخاصّة به، والانتباه لها. وتتمثّل الطريقة الأخرى المهمّة للحدّ من الذاتية في طرح الباحث على نفسه سؤالًا عكسيًا أثناء التحليل: "لِمَ لا؟"، ما قد يساعده على الحدّ من آثار الأحكام المسبقة والتحيّزات الخاصّة به. وختامًا، من الجيّد أن نتحقّق دائمًا من تحليلنا وأن نستعين بأكثر من باحث واحد في المشروع، إذ يمكن أن يحدّ ذلك من الذاتية بشكل كبير.

1.5 أخلاقيات البحث

نذكر في ما يلي بعض الاعتبارات الأساسية التي يجب مراعاتها عند التفكير في أخلاقيات البحث:

< >الصدق: يجب على الباحث شرح البحث بوضوح وأمانة (الموضوع والتصميم والهدف) للمشاركين في البحث. ويجب أيضًا أن ينقل أجوبة المشاركين في البحث بأمانة، من دون إجراء أيّ تعديلات تتناسب مع برنامجه البحثي.عدم الكشف عن الهويات: قد يستلزم البحث العلمي الأخلاقي حماية هويات المشاركين عبر عدم استخدام أسمائهم وعدم تقديم أيّ تفاصيل قد ترتبط بهويتهم، إلّا في حال عبّروا صراحةً عن رغبتهم بالإعلان عن هويتهم. السرّية: ينبغي الحفاظ على سرّية المعلومات التي تمّ جمعها طوال فترة إجراء البحث، ولا يجب أن يتمكّن أحد من الوصول إليها باستثناء الباحث أو الباحثين.الثقة: ينبغي أن يحاول الباحث بناء الثقة مع المشاركين من أجل الوصول إلى بيانات صحيحة وموثوقة وصائبة.الموافقة عن عِلم: ينبغي أن يُعطي المشاركون موافقتهم عن عِلم بعد قراءة ورقة المعلومات التي تشرح البحث والتي توضح حقوقهم كمشاركين. ولا يجب أن يستخدم الباحثون أيّ وسيلة تخويف أو إكراه لإضافة المشاركين إلى العيّنة.الانسحاب: إنَّ للمشاركين كامل الحقّ في الانسحاب في أيّ وقت من البحث ومن دون الحاجة إلى تبرير قرارهم.التسجيل: لا يجب على الباحثين إجراء تسجيل صوتي أو تسجيل مقطع فيديو عن المقابلة من دون الحصول على موافقة من المشارك. وإذا لم يتمّ منح الموافقة، يلجأ الباحث إلى تدوين الملاحظات فحسب.الخداع أو الأمل الكاذب: في حالات كثيرة، وتحديدًا في عمل منظّمات المجتمع المدني، قد يعتقد المُستطلَعون في البحث أنَّ مشاركتهم قد تجلب لهم ظروفًا معيشية أفضل أو حلًا لمشاكلهم. لذا، يجب على الباحث الحرص دائمًا على عدم إعطاء أمل كاذب أو استخدام الخداع من أجل جذب المشاركين إلى بحثه.نقاط الضعف: يكمُن أحد الجوانب الرئيسية في أخلاقيات البحث في احترام نقاط ضعف الناس ومشاعرهم، لا سيّما إذا كانَ البحث ينطوي على جانب نفسي ثقيل (كتجارب الحرب المؤلمة، اللاجئين، إلخ).السلامة: ما من معرفة تستحقّ تعريض سلامتنا أو سلامة مشاركينا للخطر. ومن الناحية الأخلاقية، لا تشتمل السلامة على السلامة الجسدية فحسب، بل تشمل أيضًا السلامة الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية والنفسية.التواضع: ينبغي أن يتحلّى الباحث دائمًا بالتواضع وأن يعبّر عن امتنانه للمشاركين، إذ إنّه من غير الأخلاقي التعامل باستعلاء مع المشاركين أو اعتبار أنَّ وقت الناس وقصصهم تحت تصرّفه (حتّى في حال تمّ الحصول على موافقة منهم).التغذية الراجعة: يجب أن يتمتّع المشاركون بالحقّ في رؤية نتائج البحث قبل نشرها وتقديم التغذية الراجعة التي ينبغي احترامها في حال اعتقادهم بأنَّ البحث قد أساءَ تمثيلهم. 

القسم 2. فهم تصميم البحث

2.1 اختيار أسلوب بحثك: المناهج النوعية والمناهج الكمّية

تتوزَّع مناهج البحث على نوعَيْن رئيسيَّيْن: مناهج البحث النوعية ومناهج البحث الكمّية (راجع الرسم 4). تُساعِدُنا مناهج البحث النوعية على التعمُّق في استكشاف ظاهرة معيّنة وفهم الدوافع والأسباب وراء بعض المواقف أو السلوكيات. بالتالي، يُساهِم هذا النوع من الأبحاث في الكشف عن الآليات والعمليات التي تطبع ظاهرة اجتماعية معيّنة. من جهة أخرى، يُستخدَم البحث الكمّي بشكل عام لقياس مشكلة معيّنة عبر إنتاج بيانات رقمية وإحصاءات. يُستعمَل هذا النوع من الأبحاث عادةً عند مسح ظاهرة محدّدة أو دراستها على نطاقٍ واسع.

بالإجمال، يعتمد اختيار أسلوب البحث على مسألة البحث وعلى الجدوى، لأنَّ بعض مسائل البحث تتّخذ طابعًا نوعيًا، في حين أنَّ البعض الآخر يتّخذ طابعًا كمّيًا. فإذا كانَت مسألة البحث ترتبط مثلًا بالتجارب اليومية للّاجئين السوريين في لبنان، من المناسب أن نستخدم تصميم البحث النوعي للإجابة على هذه المسألة، بما أنَّ المطلوب هو معلومات مُعمَّقة، بدلاً من الإحصاءات، من أجل فهم التجارب اليومية التي تعيشها تلك الفئة من الناس. في المقابل، إذا كانَت المسألة تتعلَّق بالتعليم المدرسي (الوصول إلى التعليم) للّاجئين السوريين في لبنان، قد يكون البحث الكمّي مفيدًا أكثر من البحث النوعي، بما أنَّ البيانات الرقمية قادرة على إعطائنا مؤشّرات لمعرفة مَن هم اللاجئون الذين يتلقّون التعليم وما هو عددهم. كذلك، يمكن الإجابة على بعض المسائل من خلال الأسلوبَيْن معًا، ويُعرَف ذلك بالنهج المختلط. على سبيل المثال، يعطينا البحث الكمّي فكرةً عن الاتّجاهات الرئيسية في ظاهرةٍ معيّنة (مثل ارتفاع نسبة حالات الطلاق في لبنان)، لكنَّه لا يساعدنا على تفسير السبب وراء الإجابة التي يعطيها الناس أو الظروف أو المشاعر أو المنطق وراء سلوك محدّد (كالطلاق مثلًا). وفي هذه الحالات، يمكن الجمع بين البيانات الكمّية والمقابلات النوعية المُعمَّقة لتسليط الضوء على الديناميكيات والظروف المؤدّية إلى ارتفاع نسبة الطلاق.

وعلى غرار ذلك، غالبًا ما يُحدَّد أسلوب البحث من خلال الجوانب العملية المتعلّقة بالجدوى. فهناك بعض العوامل التي تلعب دورًا مهمًّا في تحديد طريقة تصميم البحث، مثل القدرة على الوصول إلى منطقة معيّنة أو مجتمع معيّن، والاعتبارات الأمنية، وتوفُّر فريق البحث، والتمويل.

الرسم 4. مقارنة بين المناهج النوعية والكمّية

المناهج النوعية

المناهج الكمّية

استخدام الملاحظة النوعية، والإثنوغرافيا، وملاحظات المشاركين، والمقابلات (الفردية أو حلقات النقاش المركّزة)

استخدام المقاييس الكمّية والبيانات الإحصائية

التحليل على المستوى الجزئي: تكبير الصورة لإظهار التفاصيل

التحليل على المستوى الكلّي: تصغير الصورة لإظهار الاتّجاهات

معلومات مُعمَّقة وغنية ومُفصَّلة

معلومات عامّة و"سطحية" أحيانًا

قادرة على تغطية عيّنة صغيرة فحسب (غير تمثيلية)

قادرة على تغطية عيّنات كبيرة (تمثيلية)

غير قابلة للتعميم

قابلة للتعميم

يستغرق جمع البيانات وتحليلها بعض الوقت

يمكن جمع البيانات وتحليلها بسرعة نسبيًا

كلفة محدودة

قد تكون الكلفة عالية جدًا

مجالات الانحياز الرئيسية:

  • انحياز الباحث
  • انحياز المُراقِب

مجالات الانحياز الرئيسية:

  • الانحياز عبر رفض الإجابة
  • تأثير اختيار الكلمات

تُسجَّل النتائج على شكل حكايات أو قصص أو صور يتمّ على أساسها بناء التحاليل أو النظريات

تُسجَّل النتائج على شكل جداول ورسوم بيانية وإحصاءات يتمّ على أساسها تقديم التحاليل

 

2.1.1 التثليث

كما وردَ سابقًا في القسم 1، تُعتبَر صوابية البحث عاملًا أساسيًا ليكون البحث سليمًا ومقنِعًا. يُقصَد بـ"التثليث" التحقُّق من الأدلّة التجريبية من خلال عدّة وسائل، وعدّة مصادر، وعدّة مجموعات بيانات، وعدّة باحثين. يُستخدَم التثليث عادةً للعثور على المعلومات الناقصة في البحث أو للتأكُّد من المعلومات عبر استخدام مصادر أو أدوات أخرى. في الحالتَيْن، يُساعِد التثليث على تعزيز صوابية البحث ويوفّر تحليلاً أوسع للظاهرة التي تتمّ دراستها. لذلك، يمكن أن يلعب التثليث دورًا مهمًّا في تصميم البحث.

2.1.2 وحدة التحليل

من المهمّ تحديد وحدة التحليل في البحث للتمكُّن من تطوير تصاميم بحثية دقيقة. تُشير وحدة التحليل إلى الفئة التي تستهدفها الدراسة، وقد تتمثّل عادةً بالأفراد أو المجموعات أو المنظّمات أو البلدان، إلخ. على سبيل المثال، إذا كُنّا مهتمّين بدراسة مواقف الناس إزاء اللاجئين، يكون الفرد هو وحدة التحليل في هذه الحالة. وإذا أردنا دراسة خصائص الأحزاب السياسية أو الاتّحادات العمّالية، فتصبح المنظّمة هي وحدة التحليل. أمّا إذا تمحورَ بحثنا حول فهم الاختلافات في الثقافات الوطنية، فيكون البلد هو وحدة التحليل عندئذٍ. وبعد تحديد وحدة التحليل، يمكننا حينها تصميم مناهج بحثية مناسبة لبحثنا وتحديد المتغيّرات الخاصّة بالفئة المستهدفة في الدراسة.

2.2 اختيار العيّنات

تُشكِّل عملية اختيار العيّنات جانبًا أساسيًا آخر في تصميم البحث. وبما أنّه يستحيل على الباحثين تغطية الجميع في فئة الدراسة (كلفة مرتفعة واستهلاك فادح للوقت)،[3] نلجأ إلى اختيار عيّنات مُستخرَجة من المجتمع أو من المجموعة المستهدفة في دراستنا، لمساعدتنا على تكوين فكرة واضحة عمّا يحصل بشأن ظاهرة معيّنة أو في المجتمع ككلّ.

 

 

< >العيّنات العشوائيةيتمّ الحصول على العيّنات العشوائية إمّا من خلال عيّنة عنقودية عشوائية أو يتمّ اختيارها بناءً على إطار العيّنات، وهي قائمة تضمّ جميع الأفراد في المجتمع المَعنيّ. في العيّنات العشوائية، يتمتّع جميع أفراد المجتمع المَعنيّ بفرصة متساوية غير صفرية ليتمّ اختيارهم من أجل الدراسة.

 

< value="1" >العيّنة العشوائية البسيطةترقيم الأفراد في إطار العيّنات.إنشاء مجموعة من هذه الأرقام عشوائيًا.تشكيل العيّنة من الأفراد الذين اختيرَت أرقامهم.إنَّ استخدام أرقام عشوائية لاختيار العيّنة يضمن توفير فرصة متساوية لكلّ فرد (غالبًا ما يُشار إلى هذه الطريقة بـ"العيّنات الترجيحية"). ولكنْ، في الواقع، من الصعب الحصول على عيّنة عشوائية بسيطة، لذلك يستعين الباحثون بأنواع أخرى من العيّنات العشوائية.

 

< value="2" >العيّنة العشوائية المنهجية: نبدأ باختيار فرد في بداية قائمة إطار العيّنات، ثمّ نتخطّى عدّة أسماء، ونختار فردًا آخر، ثمّ نتخطّى عدّة أسماء إضافية، ونختار الفرد التالي، وهكذا دواليك. يعتمد عدد الأسماء التي يتمّ تخطّيها (k) على العيّنة المرغوبة في كل مرحلة.الإشارة إلى حجم العيّنة بحرف n والمجتمع بحرف N.تصبح المعادلة: k=N/n، حجم المجتمع منقسمًا على حجم العيّنة. ويُدعى الرقم k رقم التخطّي.للحصول على عيّنة عشوائية منهجية، يجب أن:

 

< >نأخذ أوّل مجموعة من الأسماء يبلغ عددها k في إطار العيّنات، ونختار منها فردًا بطريقة عشوائية، ثمَّ نتابع العدّ حتّى الرقم k في كلّ مرّة ونختار الفرد الذي نَصِل إليه.تجدرُ الإشارة إلى أنَّ العيّنة العشوائية المنهجية ليست عيّنة عشوائية بسيطة، لأنَّ جميع العيّنات بحجم (n) غير مرجَّحة بشكلٍ متساوٍ. مثلاً، وعلى عكس العيّنة العشوائية البسيطة، لا يمكن لفردَيْن واردَيْن جنبًا إلى جنب في القائمة أن يظهرا في العيّنة. ولكنَّها تبقى طريقة صالحة لأخذ العيّنات العشوائية بما أنّ العشوائية مضمونة عبر الترتيب ضمن إطار العيّنات (الترتيب الأبجدي).

 

< value="3" >العيّنة العشوائية الطبقية: هذه العيّنة تقسُم المجتمع إلى مجموعات منفصلة تُدعى طبقات، ثمّ تختار عيّنة عشوائية بسيطة من كلّ طبقة.تُعتبَر هذه العملية نسبية إذا كانت نِسَب العيّنات الطبقية تعكس تلك الموجودة في المجتمع بأكمله. مثلاً: إذا كانَ 90% من المجتمع مؤلّفًا من لبنانيين و10% من اللاجئين، يكون حينها حجم العيّنة التي تمثّل اللبنانيين 9 أضعاف عيّنة اللاجئين.

وتُعتبَر هذه العملية غير نسبية إذا كانت نِسَب العيّنات الطبقية مختلفة عن نِسَب المجتمع. يُعَدّ ذلك مفيدًا عندما يكون حجم الطبقة المجتمعية صغيرًا نسبيًا. مثلاً: على الرغم من أنَّ 90% من المجتمع مؤلّف من اللبنانيين، تتضمّن العيّنة غير النسبية 50% من اللبنانيين و50% من اللاجئين.

 

< value="4" >العيّنة العنقودية: غالبًا ما يصعب تطبيق العيّنات العشوائية البسيطة والمنهجية والطبقية لأنّها تتطلّب إطارًا كاملاً للعيّنات.تُعتبَر العيّنة العنقودية مفيدة في حال عدم توفُّر القائمة الكاملة للمجتمع.

وللحصول على عيّنة عشوائية عنقودية، يجب:

< >تقسيم المجتمع إلى عدد كبير من المجموعات (clusters)، مثل كُتَل المُدُن.اختيار عيّنة عشوائية بسيطة من هذه المجموعات.استخدام الأفراد في تلك المجموعات كعيّنة.مثلاً: في إطار دراسة بشأن رعاية المرضى في مستشفيات لبنان، يمكن اختيار عيّنة المستشفيات عشوائيًا (المجموعات)، ثمَّ جمع البيانات حول المرضى ضمن هذه المستشفيات.

 

< >العيّنات غير العشوائيةتُعتبَر العيّنات غير العشوائية مفيدة في دراسة المجتمعات المجهولة، لكنَّ العديد من القيود تُكبِّل الأبحاث المبنيّة على هذه الأنواع من العيّنات، على الرغم من أنّها قد تكون غنيّة وثاقبة جدًا. ففي العيّنات غير العشوائية (المعروفة أيضًا بغير الترجيحية)، لا تُتاح الفُرَص نفسها للمشاركة في الدراسة أمام جميع أفراد المجتمع، ما يخلق مشكلة في التمثيل (انحياز) ويصبح من الصعب تعميم نتائج الدراسة استنادًا إلى عيّنة غير عشوائية. وتكون العيّنات غير الترجيحية مفيدة عادةً إمّا خلال المراحل الاستكشافية (دراسة نموذجية) أو لأسباب مرتبطة بالجدوى (محدودية الوصول أو الوقت أو الميزانية).

 

< >العيّنة العرضية/الاتّفاقية: هذا النوع من العيّنات المعروف بـ"عيّنات الانتهاز" أو "الفرد في الشارع"، هو إحدى التقنيات الأكثر شيوعًا لأخذ العيّنات غير العشوائية. يتمّ اختيار العيّنة بسبب سهولة وصول الباحث إليها بتكلفة منخفضة وبسرعة، لكنَّ قيود العيّنات غير العشوائية تبقى عائقًا كبيرًا يَحول دون تعميم النتائج المبنيّة على هذه العيّنات. 

 

< >العيّنة التطوّعية: تعتمد هذه الطريقة على تطوُّع الأفراد للمشاركة في الدراسة، وهي وسيلة واسعة الانتشار لأخذ العيّنات، تكثُر إجمالاً في المسوحات الإلكترونية. 

 

< >عيّنة كرة الثلج: تتمّ الاستعانة عادةً بهذا النوع من العيّنات عندما يكون المجتمع المستهدف مجهولًا ومخفيًّا (الوصول إليه صعب). كذلك، يُعتمَد هذا النوع من التقنيات لأخذ العيّنات ضمن المجتمعات الصغيرة بما أنَّ عيّنة كرة الثلج تعتمد على تأثيرات الشبكة، حيث يطلب الباحث من المشارك الأوّلي تسمية مشارك محتمل آخر للدراسة، وهكذا دواليك. والمشكلة الأساسية في هذا النوع من العيّنات هي محدودية التمثيل فيها، والاعتماد على شبكة واحدة من الأشخاص الذين يعرفون بعضهم بعضًا أو المقرّبين من بعضهم البعض، ما قد يؤدّي إلى التشويش على نتائج البحث أو تحريفها.العيّنة الحِصَصية: هي نوع من العيّنات العشوائية الطبقية حيث يكون الاختيار غير عشوائي ضمن الطبقة، بحيث يقرّر الباحث تمثيل الأفراد (نسبيًا أو لا) وفقًا للخصائص المرتبطة بالحِصَص النسبية. يُعتبَر هذا النوع من العيّنات قليل الكلفة وسهل التنفيذ في غياب إطار العيّنات وعندما تكون الحاجة للمعلومات طارئة. فإذا كانت المنظّمة تعمل مثلًا على حملة مناصرة ضدّ العنف الأُسَري، يمكنها أن تختار تغطية تجارب العنف الأُسَري ضد نساء من مناطق/محافظات مختلفة في لبنان. لذلك، سوف تضمّ العيّنة نساءً من كلّ محافظة في لبنان استنادًا إلى الحصّة النسبية. 

 

< >عيّنة الخبراء: تقوم هذه التقنية على اختيار المستجيبين استنادًا إلى خبراتهم ومعرفتهم بالظاهرة التي تتمّ دراستها. 

 

القسم 3. مناهج البحث النوعي

3.1 خصائص البحث النوعي

البحث النوعي هو أسلوب بحث مَرِن يمنح الباحث الحرية الكافية لاستخدام مهاراته في استخراج المعلومات ولتعديل أسلوب البحث تزامنًا مع إجرائه. فهو ليس جامدًا مثل مناهج البحث الكمّية، إذا يسمح بوضع بعض اللمسات الشخصية، وإلقاء الضوء على الظواهر الاجتماعية بطُرُق دقيقة ووصفية. وهو يتمتّع بثلاث خصائص رئيسية:

  1. يساعدنا على فهم الظواهر الاجتماعية غير الواضحة بالنسبة لنا، بعيدًا عن الأحكام المعيارية والأفكار النمطية.
  2. يساعد على الكشف عن السلوكيات، والسلوكيات، والديناميكيات، والآليات، والتفاعلات في العالم الاجتماعي.
  3. يساعد على جمع المعلومات المُعمَّقة التي لا تستطيع المناهج الكمّية تغطيتها.

3.2 جمع البيانات من خلال البحث النوعي

ثمّة مناهج عديدة للبحث النوعي يمكن استخدامها لجمع البيانات:

  1. المقابلات الفردية: وهو النوع المعتاد من المقابلات حيث يجلس الباحث مع المستجيب (في مكانٍ من اختيارهم، أي في منزلهم، أو مكتبهم، أو في مكانٍ عام) ويطرح عليه/عليها أسئلة متعلّقة بالبحث. تسمح المقابلات الفردية للباحث بالتعمُّق في المعلومات، وبالغوص في تفاصيل موضوع البحث. كما تساعد على فهم الآليات التي تساهم في قولبة تصوّرات الناس، ومواقفهم، وسلوكياتهم، بشكلٍ أفضل. كما يمكن إجراء المقابلات بواسطة الهاتف، أو البريد الإلكتروني، أو أي وسائل أخرى على الإنترنت، مثل برنامج سكايب (Skype). يمكن للمقابلات الهاتفية أن تكون أكثر إفادة أحيانًا، عندما يكون موضوع البحث حسّاسًا مثلاً، أو إذا كان المشاركون ينتمون إلى مجموعات ضعيفة ولا يرتاحون للقاءات وجهًا لوجه. وعلى الرغم من أنّه يمكن للمقابلات أن تكون غنية ومُثمرة جدًا، تكبِّلها أحيانًا بعض القيود المرتبطة بانحياز الباحث، وتأثيره على أجوبة المستجيبين (مثل توجيه المستجيب نحو إعطاء أجوبة معينة).
  2. حلقات النقاش المُركَّزة: يُعتبر هذا الأسلوب أحد أنواع المقابلات الفردية، ولكن بدلاً من إجراء مقابلة مع كلّ شخص على حدة، تعتمد حلقات النقاش على المقابلات الجَمَاعية (إجراء مقابلة مع مجموعة يتراوح عدد أفرادها بين 5 و10 مُستطلَعين). ويلعب المُقابِل في هذا الأسلوب دور المُيسِّر، بدلاً من المُحقِّق، الذي يدير جلسة النقاش. تسمح حلقات النقاش المُركَّزة للباحث بمراقبة التفاعلات والنقاش بين المشاركين بشأن موضوع معيّن، وتُتيح الغوص أكثر بالموضوع بما أنّ النقاش بطبيعته قادر على توليد الأفكار والاستجابات التي قد لا تخطر على بال الأفراد خلال الاستطلاعات أو المقابلات الفردية. كما تبرز فائدة هذا الأسلوب إذا كانَ الباحث يريد التركيز تحديدًا على دراسة تفاعلات أفراد المجموعة في ما بينهم. ولكن، من القيود التي قد تعرقل أحيانًا حلقات النقاش هو خوف أفراد المجموعة من نظرة الآخر، وبالتالي، التفكير مليًا وبحذر، قبل الإجابة. وبما أنّ حجم العيّنة صغير في حلقات النقاش، تُستخدَم عادةً في البحث الاستكشافي، بدلاً من البحث الوصفي أو التفسيري.
  3. الرصد: وهي مقاربة منهجية لجمع البيانات حول الأفراد خلال حياتهم اليومية. يتفاوت مستوى تفاعل الباحث مع أفراد دراسته وفقًا لأهداف البحث. فإذا لم يكن الباحث مهتمًا بالتفاعل مع أفراد دراسته وينصبّ تركيزه على الرصد المنهجي لحياتهم اليومية، يمكنه أن يكون راصدًا خارجيًا. ولكنْ، إذا أرادَ الباحث أن يتفاعل مع أفراد دراسته واختبار حياتهم اليومية معهم، يجب أن يعتمد أسلوب الرصد التشارُكي الذي، على الرغم من استهلاكه الفادح للوقت، يعزّز الثقة بين الباحث والمشاركين.
  4. تحليل المحتوى: يسمح ذلك بدراسة الوثائق والمواد الصادرة عن التواصل بشكلٍ منهجي، بما فيها من نصوص مختلفة، وصُوَر، وتسجيلات صوتية أو بصرية. وعلى الرغم من اعتبار تحليل المحتوى أحد مناهج البحث النوعي عادةً، إلاّ أنّه يمكن استخدامه أحيانًا لتحويل البيانات النوعية إلى بيانات كمّية من خلال التقييم المنهجي للنصوص أو الرسوم البيانية.

 

3.3 دليل المقابلات[4]

الهدف الرئيسي للمقابلات (سواء كانت مقابلات فردية أو حلقات نقاش مركَّزة) هو السماح للأفراد بمشاركة قصصهم وتجاربهم، الأمر المختلف تمامًا عن الاستبيانات المُستخدَمة في الاستطلاعات، حيث يُطلَب من الأفراد الإجابة على مجموعة من الأسئلة المُحدَّدة مُسبقًا ذات الأجوبة المُحدَّدة مُسبقًا (أسئلة مُغلَقة في معظم الحالات، أو أجوبة قصيرة جدًا). لذلك، يجب تصميم المقابلات بطريقةٍ تسمح ببعض المرونة وتفسح المجال أمام الأفكار والمبادئ الجديدة، حتّى إن لم يفكّر فيها الباحث. ولهذا السبب، يجب أن تضمّ المقابلات أسئلة مفتوحة وأن توفّر الوقت الكافي للمستجيب ليفكّر وليُجيب وليوضح جوابه.

ثمّة نوعان رئيسيان من دلائل المقابلات التوجيهية: (1) الدليل التوجيهي للمقابلات المُنظَّمة، و(2) الدليل التوجيهي للمقابلات شبه المُنظَّمة. في النوع الأوّل، ترِد الأسئلة في تسلسل معيّن وبكلماتٍ محدّدة. يترك الباحث حيّزًا للإجابة والتوضيح، ولكنّه يتبع الدليل التوجيهي للمقابلة بحذافيره. ومن جهة أخرى، المقابلات شبه المُنظَّمة أكثر مرونة وتأخذ منحى النقاش أو المحادثة إجمالاً. ويستخدم الباحث الدليل التوجيهي في هذا النوع من المقابلات لتذكيره بالمواضيع التي يجب مناقشتها وبالأسئلة التي يجب طرحها. في الحالتَيْن، يعمل الباحث على سَبْر أجوبة المشارك للحصول على المزيد من التفاصيل حيال موضوع معيّن أو لتوجيه الحديث.

إرشادات لصياغة دليل توجيهي للمقابلات

  • استنادًا إلى موضوع البحث الرئيسي وأسئلة البحث المحدّدة، دوّن المجالات الرئيسية أو الأسئلة الفرعية التي يجب تغطيتها خلال المقابلة.
  • حضّر بعض الأسئلة لكلّ مجال، للاستفسار عن تجارب المشاركين الخاصّة وربطها بموضوع دراستك.
  • فكّر بالتسلسل المنطقي للمقابلة. ما هي المواضيع التي يجب مناقشتها أوّلاً؟ ما الذي يتبعها بشكلٍ "طبيعي" نسبيًا؟ يمكن تعديل هذه الأمور بعد عدّة مقابلات.
  • افتتح المقابلة بأسئلة "تمهيدية"، شيء يمكن للمُستطلَعين أن يردّوا عليه بسهولة وبقليل من الإسهاب. وليس بالضرورة أن تكون هذه الأسئلة مرتبطة مباشرةً بما تودّ معرفته (ولكن ذلك معقول)، إنَّما هذا الشكل من بناء العلاقة منذ البداية يساعدك على الارتياح ويسهّل سير بقيّة المقابلة.
  • احرص على استخدام لغة واضحة وحيادية عند طرح أسئلتك. واجعلها قصيرة وبسيطة، حيث أنّ الأسئلة الطويلة قد تكون مُربكة. لا تطرح أكثر من سؤال واحد على حدة. أفضل أنواع الأسئلة هي تلك التي تستدعي إجابات طويلة. لا تطرح أسئلة يمكن الردّ عليها بكلمة واحدة.
  • لا تطرح أسئلة تتطلّب من المُستطلَعين القيام بالتحليل عنك. مثلاً، لا تسأل أحد المُستطلَعين عن سبب إعطاء مستجيب آخر جوابًا مختلفًا عن السؤال نفسه. كما لا تسأل عن الشائعات أو الآراء ضمن مجموعاتهم، مثل "ماذا يظنّ الناس هنا بفلان؟"
  • يُستحسن طرح أسئلة "كيف" بدلاً من "لماذا" بغية الحصول على أفكار عميقة حول العمليات المعنيّة، بدلاً من الادّعاءات والتفسيرات المعتادة.
  • يجب طرح الأسئلة الصعبة أو المُحرِجة في نهاية المقابلة، بعد أن يكون قد تمّ بناء الثقة. غير أنّ المُستطلَعين يحتفظون بحقّ الامتناع عن الإجابة إذا شعروا بالإحراج. لذلك، من المهمّ التنبُّه للغة الجسد وتعابير الوجه.
  • يجب أن يُعلِن السؤال الأخير عن انتهاء المقابلة بعد التأكُّد من شعور المُستطلَعين بالتمكين، و/أو بالرضا بعد التحدُّث معك، وبأنّه تمّ الاستماع إليهم.
  • اشكر المُستطلَعين دائمًا على وقتهم ومساهمتهم في النهاية، واسألهم عمّا إذا كان لديهم أيّ أسئلة لك. كذلك، احرص على إعطائهم معلوماتك الشخصية في حال كانَت لديهم أيّ أسئلة متعلّقة بمساهمتهملاحقًا، إذ يبيّن ذلك عن احترامك لهم وتشجّعهم على مساعدتك في دراساتك المستقبلية أو المتمّمة لدراستك الحالية.

إرشادات: توجيهات للمُقابِل:

  • كونوا متعاطفين وودودين ومتنبّهين ومرحين (في الوقت المناسب)، ومراعين لمشاعر المشاركين.
  • تفادوا إظهار أيّ تصرّفات تدلّ على أنّكم تحكمون عليهم، أو أنّكم مصدومون، أو منزعجون، لدى الاستماع إليهم.
  • الامتناع عن الإجابة مكان المستجيب.
  • انخرطوا بالحديث معهم تمامًا من دون أن تحيدوا عن الأسئلة التي تريدون طرحها. يمكنكم استخدام تقنيات الإنصات الإيجابي مثل تكرار ما قيل، والإشارة إلى أنّه مثير للاهتمام، والاستفسار أكثر.
  • لا تخافوا من الصمت، يمكنكم استخدامه لحثّ المستجيب على التفكير والتوسُّع في الإجابة.
  •  حاولوا ألاّ تقلقوا كثيرًا حيال الوقت، استرخوا خلال المقابلة، خاصّةً إذا كان المستجيب مرتاحًا ومستفيضًا في الكلام.

3.4إجراء المقابلة

قبل البدء بالمقابلة، يجب أن يكون الباحث واضحًا حيال الانحياز المعقول الذي قد يبرز خلال المقابلة، ويجب التفكير مليًا بكيفية الحدّ منه، وذلك عبر التعريف عن نفسه بطريقة ذكية. وينطوي ذلك على التفكير بطريقة لباسه (عدم وضع الرموز الدينية إذا أمكن، واحترام طريقة اللبس المحلّية الملائمة ثقافيًا، وإلخ)، وكيفية التعريف عن نفسه والتصرُّف. وتذكّر أنّ كلّ المقابلات تبدأ باستجواب المُستَجيب للمُستجوِب، ممّا يعني أنّ المشاركين غالبًا ما يريدون معرفة المزيد عن البحث، وعن الباحث أيضًا. لذلك، يجب تفادي أيّ معلومات تخصّ هوية الباحث وقد تؤثّر على أجوبة المُستطلَعين أو قد تغيّرها. من المستحيل تفادي الإفصاح عن الهوية الفردية أو إخفائها (مثل الجنس، والعرق/الإثنية، والدين، واللهجة، وإلخ)، ويجب على الباحث أن يعترف بهذا الانحياز كعائق لأسلوب البحث هذا.

ما إن يحدّد الباحث جميع أشكال الانحياز والطُرُق المعقولة للتعامل معها، يأخذ موعدًا مع المستجيب في المكان والزمان الذي يختاره (وبالطبع يجب أخذ تدابير السلامة في الحسبان). في يوم المقابلة، تأكّد من الوصول على الوقت والتعريف عن نفسك. واحرص على شرح موضوع البحث وغاياته، وإعلام المشاركين بالوقت المُتوقَّع للمقابلة، وبضمان إخفاء هويتهم، وسرية أقوالهم، وبحقّهم في الامتناع عن الإجابة او الانسحاب من البحث. وتأكّد من طلب الموافقة قبل التصوير أو التسجيل.

ما إن تحصل على الموافقة، استهلّ المقابلة ببعض الأسئلة "التمهيدية" التي حضّرتها في دليلك الخاصّ بالمقابلة، إذا سيساعدك ذلك على تحديد نمط مريح للمقابلة وبناء الثقة بينك وبين المُستطلَعين. يجب أن تتبع الأسئلة تسلسلاً منطقيًا معينًا، ولكنْ يمكن للباحث أن يتمتّع بالمرونة الكافية للسماح للمستجيب بالتوسُّع حول نقطةٍ ما، في حال بروزها قبل الوقت المحدّد لها (إذا تخطّت ترتيب الأسئلة في الدليل). يجب أن يمتنع الباحث عن التعبير عن آرائه الخاصّة أو توجيه المستجيب في أجوبته؛ ولكنْ، يمكنه التوقُّف عند معلومات معيّنة مرَّت مرور الكرام، وسبر غورها، وتشجيع المستجيب على التوسُّع في الشرح. وأخيرًا، يجب أن تنتهي المقابلة دائمًا بشكر المُستطلَعين على وقتهم وتعاونهم.

3.5 تحليل البيانات النوعية

في نهاية مرحلة جمع البيانات من البحث النوعي، ينتهي المطاف بالباحث أمام كمية هائلة من البيانات والمعلومات التي تبدو صعبة التنظيم والتحليل. ولكن، لا تستسلم، ما إن يتمّ تقسيم البيانات وفقًا لنظام معيّن، يصبح تحليلها سهلاً. وتذكّر أنَّ الغاية من التحليل في البحث النوعي هي توليف البيانات وكشف الاتّجاهات والأنماط. يمكن القيام بذلك عبر 6 خطوات:

  1. التسجيل الخطّي: تسهّل كتابة المقابلة عملية التحليل. إذا تمّ تسجيل المقابلة سمعيًا، يمكن أن يسجّل الباحث خطيًا الأجزاء المرتبطة بالبحث فحسب. وفي حال استدعى البحث تسجيله الخطّي بالكامل (للتحليل النصّي/اللغوي)، يجب أن ينقل الباحث كلّ التفاصيل (بما فيها من لحظات توقُّف وضحك، وإلخ). يساعد برنامج NVIVO وغيره من البرامج المماثلة في عملية النسخ ومعالجة البيانات.
  2. تنظيم البيانات وتنظيفها: بما أنّ الباحث سبق وجمع كمية هائلة من البيانات (بما فيها بيانات المقابلات، وبيانات الأرشيف، والملاحظات الميدانية، والبيانات الثانوية، إلخ)، من المهمّ البدء بغربلة المصادر أو التفاصيل غير المرتبطة مباشرةً بموضوع البحث. ومن المهمّ أيضًا تنظيم البيانات بطريقة واضحة تسمح باسترجاعها بسهولة. يفضّل بعض الباحثين تنظيم البيانات وفقًا لنوع المصدر (أرشيف الصحف، المقابلات، الملاحظات الميدانية، وإلخ)؛ في حين يفضّل آخرون تنظيمها وفقًا لموضوعها. وهنا أيضًا تساعد البرامج على تنظيم البيانات وتنظيفها.
  3. الترميز: بعد قراءة البيانات للمرّة الأولى، يبدأ الباحث بتقسيمها وفقًا لرموز محددّة (أو مواضيع/عناوين فرعية) تساعدهم على الكشف عن الاتّجاهات ودعم تحليلهم بالبيانات التجريبية السهلة الاسترداد. يتمّ إجراء عملية الترميز خلال مراحل عديدة من قراءة النصوص وإعادة قراءتها للتأكُّد من استخراج المعلومات. يكتب الباحث عادةً الملاحظات ويُجري تحليلًا أوّليًا بالتزامن مع عملية الترميز.
  4. الكشف عن الأنماط والاتّجاهات: هذه الخطوة مماثلة جدًا لمرحلة الترميز، لكنّها تتّخذ منحًى مفاهيميًا معمَّقًا أكثر، حيث تتحوّل "الرموز" و"العناوين الفرعية" و"المواضيع الفرعية"، وملاحظات الباحث وأسئلته إلى فئات، ثمّ إلى مفاهيم أكثر توسُّعًا، تكشف عن الاتّجاهات والأنماط بواسطة النهج المقارن.
  5. المراجعة المزدوجة: في هذه المرحلة، يقوم الباحث بالتأكُّد من تحليله عبر مقارنته مع مصادر أخرى للبيانات وعبر مقارنة عمله بأعمال سابقة في المجال نفسه. يجب اختيار المصادر المستخدمة في المراجعة المزدوجة عشوائيًا للتأكُّد من صحّة البيانات.
  6. ربط التحليل بالنظرية: أخيرًا، يجب أن يستخدم الباحث تحليله (بعد المقارنة والمراجعة المزدوجة) للتوصُّل إلى نظرية. في هذه المرحلة، عليه العودة إلى مراجعاته للأبحاث السابقة وإضافة مساهمته إلى التشكيلة الواسعة من الأبحاث. على سبيل المثال، يمكن لباحثٍ يقوم بدراسة السياسات المتعلّقة بالهجرة واللاجئين في لبنان أن يُبيِّن كيف تُفسِّر نتائج بحثه الواقعَ الفعلي بالمقارنة مع ما كُتِبَ سابقًا عن الموضوع.

إرشادات: تفادي هذه الأخطاء الشائعة في تحليل البيانات النوعية

  • استخدام النِسَب المئوية: نظرًا إلى الحجم الصغير للعيّنات المُستهدفة في البحث النوعي، يُعتبر استخدام النِسَب المئوية أو الأرقام مضلّلًا في التحليل.
  • التعميم: نظرًا إلى أنّ العيّنات المُستهدفة في البحث النوعي ليست صغيرة فحسب، بل أيضًا عشوائية وغير تمثيلية، من المضلِّل استخدام البيانات النوعية للتعميم عن مجتمع ما.
  • عدم ذكر القيود: تواجه كلّ مناهج البحث، سواء كانت نوعية أو كمّية، قيودًا عدّة. من المهمّ أن يعترف الباحث بهذه القيود وأن يشرح الجهود المبذولة للتخفيف منها. وتتفاوت هذه القيود استنادًا إلى وسيلة جمع البيانات المسُتخدمة ونوع تصميم البحث إجمالاً.

القسم 4. مناهج البحث الكمّي

4.1 خصائص البحث الكمّي

تُستخدَم المناهج الكمّية عادةً لدراسة العلاقة القائمة بين المتغيّرات باستخدام الأرقام والتحاليل الإحصائية. ويمكن أن يُستخدَم أسلوب البحث هذا إمّا لوصف ظواهر واتّجاهات معيّنة في المجتمع (إحصاءات وصفية) وإمّا لشرح هذه الاتّجاهات (إحصاءات استدلالية). ويمكن تحويل البيانات المجمّعة إلى نتائج رقمية، ومن ثمّ عرضها في رسوم بيانية ومخطّطات وجداول. وبإمكاننا تسليط الضوء على ثلاث خصائص أساسية للمناهج الكمّية، هي التالية:

  1. إنَّ جمع البيانات وتحليلها بواسطة المناهج الكمّية يُعتبَر أسهل وأسرع نسبيًا مقارنةً بالمناهج النوعية.
  2. إذا كانت العيّنة عشوائية وكبيرة بما فيه الكفاية، يمكن تعميم النتائج التي يتمّ التوصّل إليها بواسطة المناهج الكمّية، إلَّا أنَّها تفتقر إلى العمق الذي تتميّز به المناهج النوعية (من ناحية دراسة الآليات والديناميكيات والعمليات).
  3. تُعدّ النتائج التي يتمّ التوصّل إليها باستخدام المناهج الكمّية أكثر متانةً ومصداقية – علمًا أنّ ذلك لا يصحّ دائمًا – لا سيّما بالنسبة إلى الاختصاصيين ومجموعات المناصرة الذين يعتقدون أنَّ المؤشّرات الكمّية تساعد على ممارسة الضغط في سبيل تنفيذ سياسات معيّنة.

4.2 مناهج جمع البيانات

تتوفّر ثلاث طرق رئيسية لجمع البيانات القابلة للقياس:

  1. الاستطلاعات: ليست الاستطلاعات الأسلوب الأكثر شيوعًا لجمع البيانات في مجال البحث الكمّي. فهي تقوم على طرح مجموعة من الأسئلة على عيّنة كبيرة من الأشخاص، ومن ثمّ ترميز الإجابات بواسطة الأرقام. ومن الأمثلة على الاستطلاعات تلك التي تُجرى في إطار عملية الاقتراع في الانتخابات، والإحصاءات السكّانية واستطلاعات تقييم الاحتياجات، إلخ. (لمزيدٍ من المعلومات حول كيفية كتابة الاستبيان، يُرجى مراجعة القسم 4).
  2. التجارب: تُستخدَم هذه الطريقة بشكلٍ شائع في مجال الأبحاث الطبّية وأبحاث علم النفس. وتعتمد التجارب على التحكُّم بالمتغيّرات من خلال تقديم علاجات محدّدة للمشاركين (محفّزات) وقياس ردّة فعلهم. ومن الأمثلة على الأبحاث التجريبية: الأبحاث الخاصّة باختبار الأدوية وأبحاث السلوكيات، إلخ.
  3. الدراسة بالملاحظة: يقتصر هذا الأسلوب على حساب الملاحظات وتحديدها كمّيًا. ومن الأمثلة على ذلك حساب عدد المتظاهرين والصلوات في المساجد والتلاميذ في المدرسة، إلخ.

لا يقوم معظم الباحثين الكمّيين بجمع بيانات خاصّة بهم، بل يعتمدون على مجموعات البيانات المتوفّرة التي تنشرها المنظّمات الحكومية أو الدولية نظرًا إلى قدرة هذه المنظّمات على تكبّد التكلفة المالية التي تنطوي عليها الاستطلاعات الواسعة النطاق.

4.3 فهم متغيّرات البحث

يمكن استخدام نوعَيْن رئيسيَّيْن من المتغيّرات في التحليلات الإحصائية (الرسم 5):

  1. المتغيّرات الكمّية/الرقمية: يرتبط المقياس بقِيَم رقمية مثل العمر أو الدخل أو الطول أو الوزن أو السعر أو عدد المتظاهرين أو عدد اللاجئين إلخ.
  2. تُسمّى المتغيّرات الكمّية أيضًا "متغيرات فاصلة" لأنّها تُستخدَم لقياس الفاصل أو المسافة العددية القائمة بين كلّ زوج من القياسات. فعلى سبيل المثال، إنَّ الفاصل بين راتبٍ قيمته 3000$ وراتبٍ قيمته 4000$ هو 1000$. يمكن أن يكون هذا الفاصل عبارة عن:
  3. متغيّرات منفصلة: عندما تشكّل القِيَم المُحتمَلة للمتغيّر مجموعةً من الأعداد الصحيحة المنفصلة، مثل: 0؛ 1؛ 2؛ 3. على سبيل المثال، يُعتبَر عدد الأطفال متغيّرًا منفصلًا.
  4. متغيّرات متّصلة: عندما تشكّل القِيَم المُحتمَلة للمتغيّر شكل سلسلة لا متناهية من الأعداد الحقيقية الممكنة، مثل 0.176؛ 3.14171618. فيُعتبر طول المرء متغيّرًا متّصلًا ويُعتبر سعر صرف العملة متغيّرًا متّصلًا، إلخ.

2. المتغيّرات النوعية/الفئوية: يكون المقياس عبارة عن مجموعة من الفئات، مثل النوع الاجتماعي (ذكر/أنثى)، أو الجنسية (لبناني، سوري، إلخ.)، أو الوضع العائلي (متزوّج، مطلّق، منفصل، أرمل، إلخ.). ويمكن أن تكون المتغيّرات الفئوية إمّا إسمية وإمّا ترتيبية:

أ. المتغيّرات الإسمية: لا تتّبع الفئات ترتيبًا معيّنًا ولا ينقسم المقياس إلى قِيم "عليا" و"دنيا". على سبيل المثال، يُعتبَر النوع الاجتماعي متغيّرًا إسميًا لأنّ الإجابة لا تنطوي على ترتيب محدّد (رجل/امرأة/آخر أو امرأة/رجل/آخر).

ب. المتغيّرات الترتيبية: تترتّب الفئات وفقًا لتسلسلٍ هرمي. على سبيل المثال، يتمّ تصميم استطلاعات الرأي باستخدام أسئلة وفق مقياس ليكرت (أوافق بشدّة/أوافق/لا أوافق/لا أوافق بتاتًا). ويتمّ ترميز هذه الإجابات (أيّ ربطها بقِيَم رقمية) عند تحليل الاستطلاعات، فتُساوي إجابة "أوافق بشدّة" الرقم 5 مثلًا، وتُساوي إجابة "أوافق" الرقم 4، وتُساوي إجابة "لا أوافق" الرقم 3، إلخ.

4.4 تصميم الاستطلاع[5]

تَرِد أدناه بعض القواعد العامّة التي يجب اتّباعها عند تصميم الاستطلاع:

  1. لا تبدأ من الصفر بدون جدوى:

إذا كُنْتَ تسعى إلى قياس موقف أو مفهوم أو سلوك ما، من المُحتمَل جدًا أن يكون شخص آخر قد سبقك على ذلك. لذا، ركّز انتباهك أثناء مراجعتك للأدبيات الصادرة عن الموضوع على كيفية قياس الآخرين للمفهوم الذي تريد قياسه. فقد يكون شخص آخر قد اختبر موثوقية وصحّة أحد المقاييس قبلك.

  1. قُم باختبار أوّلي للاستطلاع:

اختبِر الاستطلاع من خلال الطلب من بعض المُستطلَعين المُحتمَلين تعبئته من أجل الحصول على تغذية راجعة. واطلُب من الأشخاص التعبير بصوت عالٍ عن الأفكار التي تدور في أذهانهم أثناء إجابتهم على الأسئلة. واطرح عليهم أسئلة توضيحية مثل: "ما أهمية ذلك بالنسبة لك؟" ويمكنك أيضًا الاطّلاع على استطلاعات مماثلة على الإنترنت ومعرفة كيف تمّت الإجابة عليها.

  1. فكّر في نمط استطلاعك:

يمكن إجراء الاستطلاعات بالبريد أو عبر الهاتف أو شخصيًا أو على الإنترنت. وتختلف اعتبارات الاستبيان وفقًا للنمط المُعتمَد. فإذا كانت الأسئلة ستُطرح من قِبَل محاور، عليك التركيز على صوته وطريقة طرحه للأسئلة. أمّا إذا كانَ المُستطلَعون سيقومون بتعبئة الاستطلاع على ورقة أو على الإنترنت، عليك التركيز على الشكل. كذلك، يجب أن تأخذ بالاعتبار الوقت والميزانية المتوفّرَيْن لديك لإجراء نوع الاستطلاع الذي تختاره.

  1. احرص على أن يكون الاستبيان قصيرًا:

من المرجّح أكثر أن يقوم المُستطلَعون بتعبئة استبيان قصير، في حين قد يتردّدون في تعبئة الاستبيانات الطويلة. وغالبًا ما يولون اهتمامًا أقلّ للاستبيانات التي تبدو طويلة أو رتيبة أو مملّة.

  1. احرص على الترتيب المنطقي للأسئلة:

يمكن أن تتأثّر الإجابة على بعض الأسئلة المطروحة بمحتويات إجابات أخرى سبقتها. لذلك، استهلّ الاستبيان بمقدّمة. وفي حال سيقوم المُستطلَعون بقراءة الاستطلاع، اعطِ عنوانًا لكلّ قسم. أمّا في حال سيقوم مُحاوِر بقراءة الاستطلاع، فاحرص على استعمال لفظات انتقالية سلسة بين السؤال والآخر. ومن المفضّل عادةً بدء الاستطلاع بأسئلة عامّة تسهل الإجابة عليها وطرح الأسئلة الحسّاسة بالقرب من نهاية الاستطلاع، بما في ذلك الأسئلة المتعلّقة بالخصائص الديمغرافية (لا سيّما تلك المتعلّقة بالدخل).

  1. التصفية والتفريع

يجب أن تُطرَح على المُستطلَعين أسئلة تخصّهم. وفي حال كانَت بعض الأسئلة ترتبط ببعض المُستطلَعين فقط، من المفضّل تحديد ذلك.

إرشادات بشأن إجراء الاستطلاع:

  • في حال أردتَ تعيين مُحاور، زوّده بتعليمات واضحة وقُم بتدوين التعليمات الخاصّة المحدّدة. وفي حال سيقوم المُستطلَعون بقراءة الاستطلاع وتعبئته، قُم بإدراج التعليمات على الصفحة.
  • إذا كان الاستطلاع سيُقرأ من قِبَل مُحاور، احرص على أن تكون خيارات الإجابة مقتضبة واطلب من المُحاور أن يقرأ الإجابات المحتملة كجزء من السؤال.
  • اترك دائمًا للمستجيب خيار الإجابة بـ"لا أعلم" أو "إجابة أخرى، يرجى تحديدها"، حتّى إذا كان المستجيب هو الذي يقرأ الأسئلة.
  • إذا كُنْتَ تطرح سلسلة من الأسئلة المتشابهة، يمكن ترتيبها بشكل عشوائي لتحسين نوعية البيانات، وإلّا فقد تكون الإجابات متشابهة أيضًا.

 

الأسئلة المفتوحة والأسئلة المغلقة

الأسئلة المفتوحة هي الأسئلة التي تسمح للمُستطلَعين بالإجابة على طريقتهم الخاصّة، لكنّها تستغرق الكثير من الوقت ويتطلّب تحليلها الكثير من الجهد.

أمّا الأسئلة المغلقة فهي الأسئلة التي يُطلب فيها من المُستطلَع اختيار إجابة من الإجابات المعدودة المحدّدة مسبقًا. وعندما تُصاغ هذه الأسئلة بشكل جيّد، يفهمها المُستطلَعون جميعهم بالطريقة نفسها.

ويجدُر التذكير أنّه من المرجّح أكثر أن يتخطّى المُستطلَعون الإجابة عن الأسئلة المفتوحة مقارنةً بالأسئلة المغلقة. ولكنْ، بإمكانك إتاحة قسم مخصّص للتعليقات أو طرح سؤال مفتوح إذا أردت أن تترك مجالًا للمُستطلَعين لتقديم إجابة غير مُحدّدة مسبقًا. فقد يساعدك ذلك لاحقًا في تحليلك.

إرشادات بشأن مقاييس التدرُّج للأسئلة المتعلّقة بالمواقف:

  • من الأفضل أن يتراوح عدد النقاط بين 5 و7
  • يؤدّي توفير فئة وسطى إلى تحسين البيانات المُجمّعة بوجه عامّ
  • يجب استخدام كلمات واضحة وغير غامضة للإشارة إلى النقاط المُدرَجة على المقياس
  • يمكن أن يؤثّر ترتيب فئات الإجابة على خيارات المستجيب

إرشادات بشأن كتابة أسئلة الاستطلاع

  • تجنَّب المصطلحات التقنية واستعمل كلمات يسهل على جميع المُستطلَعين فهمها.
  • تجنَّب المصطلحات المُبهمة أو غير الدقيقة. على سبيل المثال، إذا قمت بصياغة سؤالك على الشكل التالي: "ما مدى أهمية أن يشاركك المرشّح القِيَم نفسها؟"، لا يكون المغزى منه واضحًا. فيمكنك الحصول على إجابة أكثر اتّساقًا إذا طرحت السؤال التالي: "ما مدى أهمية أن يشاركك المرشّح القِيَم الدينية نفسها؟"
  • تجنَّب الجُمَل المعقّدة والطويلة لأنّها قد تكون مُربكة. وقد تطرأ المشكلة نفسها في الاستطلاعات التي يُطلب فيها من المُستطلَعين القيام بحسابات معقّدة.
  • حدّد أُطُرًا مرجعية للحرص على أن يُجيب الجميع على الأسئلة ضمن الإطار الزمني والمكاني نفسه. على سبيل المثال، عليك أن تتفادى صياغة سؤالك على الشكل التالي: "ما مدى قوّة الاقتصاد في أيّامنا هذه؟" فلا يمكنك الافتراض أنّ الجميع يتكلّم عن الاقتصاد نفسه. فمن الأفضل أن تسأل: "ما مدى قوّة الاقتصاد في مجتمعك حاليًا؟"
  • احرص على استخدام مقاييس ترتيبية: إذا كُنْتَ تعتمد مقياسًا للتدرُّج، يجب أن تكون كلّ من النقاط المدرجة عليه "أعلى" أو "أدنى" ترتيبًا من النقاط الأخرى على أن يكون الفرق واضحًا وأن يسهل على الجميع تمييزه. على سبيل المثال، تجنَّب طرح سؤالك على الشكل التالي: "كم عدد الوظائف المتوفّرة في بلدتك: متعدّدة، أو كثيرة، أو معدودة، أو قليلة". فلا يتّضح للجميع أيّ من الإجابتَيْن "كثيرة" أو "متعدّدة" يدلّ على عدد أكبر من الوظائف. فمن الأفضل أن يتدرّج مقياسك على هذا الشكل: "كثيرة، أو معدودة، أو قليلة جدًا، أو معدومة".
  • تجنّب الأسئلة المزدوجة: يرمي كلّ سؤال إلى قياس أمر واحد فقط، ولكن هذا ليس الحال في الأسئلة المزدوجة التي ترمي إلى قياس أمرَيْن أو أكثر. على سبيل المثال، إنّ طرحك السؤال على الشكل التالي: "هل يجب على الحكومة برأيك أن تزيد الضرائب وتؤمّن الرعاية الصحية المجانية للجميع؟" قد يُربك المُستطلَعين الذين يعتقدون أنّه من واجب الحكومة القيام بأمر واحد من الاثنين.
  • يجب أن تشمل خيارات الإجابة كافّة الاحتمالات الممكنة. وفي حال كان بإمكان المستجيب أن يختار أكثر من إجابة واحدة، يفُضّل اعتماد احتمالات متعدّدة. وإذا كانت خيارات الإجابة المتوفّرة في استطلاعك غير شاملة، من المستحسن دائمًا أن تترك للمستجيب المجال لتقديم إجابة أخرى.
  • إذا أردت أن يختار المُستطلَعون إجابة واحدة، احرص على أن تكون خيارات الإجابة فريدة وأن تشمل كافّة الاحتمالات. وإذا كنت تقيس جزءًا من سلسلة متواصلة، احرص على أن تمثّل فئات الإجابة جزءًا من المجموعة/نطاقًا معيّنًا من السلسلة.
  • تجنّب الأسئلة العاطفية ولا تستدرج المستجيب من خلال إضافة صفات أو نعوت بإمكانها أن تؤثّر على إجابته. على سبيل المثال، إذا طرحت السؤال التالي: "هل تعتقد أنَّ السياسيين اللبنانيين الفاسدين سيتمكّنون من إصلاح القانون الانتخابي؟" من الأفضل التخلّص من كلمة "الفاسدين" والسماح للمستجيب بأن يحكم بنفسه. وقد تكون الإيحاءات أحيانًا أكثر دهاءً. على سبيل المثال، قد يُطرح السؤال على الشكل التالي: "هل تؤيّد أو تعارض دعوة الاتّحاد العمالي العامّ إلى الإضراب يوم الإثنين؟" فقد يؤيّد بعض الأشخاص هذه الدعوة أو يعارضونها بالاستناد إلى ارتباطها بالاتّحاد العمالي العامّ وليس بالاستناد إلى آرائهم حيال الإضراب.

4.5 تحليل البيانات الكمّية

يندرج تحليل البيانات الكمّية ضمن فئتَيْن هما: (1) الإحصاءات الوصفية و(2) الإحصاءات الاستدلالية. ففي حين تلخّص الإحصاءات الوصفية المجريات التي تشهدها عيّنة أو شريحة معينّة من السكّان؛ تُمكِّن الإحصاءات الاستدلالية الباحث من القيام بتنبّؤات تخصّ السكّان بالاستناد إلى النتائج التي يتوصّل إليها في الاستطلاع الذي يُجرى على نطاق العيّنة، أيْ بمعنى آخر، تسمح الإحصاءات الاستدلالية بتعميم النتائج على شريحة أوسع من السكّان.

4.5.1 الإحصاءات الوصفية

تهدف هذه الإحصاءات إلى وصف بعض الاتّجاهات أو الظواهر التي تظهر في مجموعة من البيانات (أو في عيّنة) من خلال قيمة رقمية مثل التكرار النسبي (الأجزاء أو النِسَب المئوية)، والمتوسّط، والمدى، إلخ. وتُعرَض نتائج الإحصاءات الوصفية عادةً في رسوم بيانية مثل المخطّطات الدائرية، أو المدرجات التكرارية، أو المخطّطات الشريطية، إلخ.

وقد تُستخدَم الإحصاءات الوصفية إمّا لقياس النزعة المركزية وإمّا لقياس التباين.

  • مقاييس النزعة المركزية

تُستخدَم مقاييس النزعة المركزية لتسجيل الاتّجاهات العامّة للبيانات، فيتمّ احتسابها والتعبير عنها بواسطة المتوسّط الحسابي (أو المعدّل)، والوسيط، والنمط.

  1. المتوسّط الحسابي: هو الطريقة الأكثر شيوعًا لحساب النزعة الوسطية، لكنّه ليس الأكثر دقّةً. فيجري احتساب المتوسّط الحسابي بجمع قِيَم القياسات، ومن ثمّ قسم المجموع على عدد المشاهدات. وينطبق المتوسّط الحسابي على المتغيّرات الكمّية فقط لأنّه لا معنى لاحتساب متوسّط المتغيّرات الفئوية (مثل النوع الاجتماعي أو الدين). بالإضافة إلى ذلك، يتأثّر المتوسّط الحسابي إلى حدّ كبير بالقِيَم الشاذّة أو المشاهدات المتطرّفة التي تحرّف التوزيع. على سبيل المثال، إذا أردتُ قياس متوسّط دخل العيّنة وكانَ في العيّنة أصحاب مليارات، ينحرف المتوسّط الحسابي إلى أعلى. فلا يتمّ التوصّل إلى تقدير دقيق لمتوسّط دخل أغلب الأشخاص في العيّنة. في هذه الحال، يُعَدّ الوسيط طريقةً أفضل لقياس النزعة المركزية.
  2. الوسيط: هو القيمة الوسطى للبيانات بعد أن يتمّ ترتيبها ترتيبًا تصاعديًا. وكما في حال المتوسّط الحسابي، ينطبق الوسيط على المتغيّرات الكمّية. وبما أنَّ احتساب الوسيط يتطلّب ترتيب المشاهدات، يمكن أن ينطبق أيضًا على بيانات المقياس الترتيبي، لكنّه لا ينطبق على بيانات المقياس الإسمي. ويتميّز الوسيط بعدم تأثّره بالقِيَم الشاذّة.

مثلًا: إذا قُمنا بترتيب كلّ المشاهدات، يساوي الوسيط بكلّ بساطة المشاهدة الوسطى (التي تفصل القِيَم إلى نصفَيْن؛ نصف أعلى ونصف أدنى).

 

فإذا كانَ الترتيب التصاعدي للرواتب على الشكل التالي: 13,000؛ 19,000؛ 22,000؛ 31,000؛ 75,000

يُساوي الوسيط = $22,000.

 

وعندما يكون عدد القِيَم في العيّنة زوجيًا (ليس مفردًا)، ثمّة قيمتان وسطيتان. فيساوي الوسيط في هذه الحال المتوسّط الحسابي للقيمتَيْن.

مثلًا: إذا أتت علامات الطلّاب على الشكل التالي: 59؛ 64؛ 70؛ 72؛ 73؛ 90.

يُساوي الوسيط 70+72/2 = 71.

  1. النمط: يساوي القيمة الأكثر تواترًا. وهو ينطبق على كافّة أنواع البيانات (الكمّية أو الفئوية)، لكنّه يُستعمل أكثر مع المتغيّرات المنفصلة، مثل البيانات الفئوية. فيمكن احتساب النمط لتحديد السنّ الأكثر شيوعًا للزواج على سبيل المثال. كذلك، يُحتسَب النمط في محلّات التجزئة لتحديد المقاسات التي ينبغي الإكثار منها والمقاسات التي يكثر الطلب عليها وذلك في سبيل شراء أعداد أكبر منها.
  • مقاييس التباين

لا يُعدّ قياس المتوسّط كافيًا للتمكّن من وصف البيانات المتعلّقة بمتغيّر كميّ بالأرقام. فهو يصف القيمة النموذجية، لكنّه لا يَصِف البيانات الموزّعة حول القيمة النموذجية. فقد يكون لمجموعتين من البيانات المتوسّط الحسابي نفسه، مع تبايُن مختلف تمامًا. لذلك، يتعيّن أخذ التبايُن بالاعتبار قبل التوصّل إلى أيّ استنتاجات بشأن الاتّجاهات المبيّنة. ويشمل قياس التباين المدى والانحراف المعياري عن المتوسّط الحسابي والمئوي (الرُبيع).

  • التمثيلات البيانية

يقترن كلّ نوع من المتغيّرات بتمثيلات بيانية محدّدة تناسبه. فعلى سبيل المثال، يمكن عرض التوزيع التكراري من خلال:

  • بيانات فئوية: جداول، ومخطّطات شريطية، ومخطّطات دائرية
  • بيانات كمّية: جداول، ومدرجات تكرارية، وتمثيل جذعي

ومن الأخطاء الشائعة على سبيل المثال استعمال مدرّج تكراري بدلًا من مخطّط شريطي لعرض المتغيّرات الفئوية مثل النوع الاجتماعي. كذلك، من الأفضل استعمال المخطّطات الدائرية لعرض البيانات الفئوية التي تنطوي على عدد محدود من القِيَم، بدلًا من عرض البيانات الكمّية.

4.5.2 الإحصاءات الاستدلالية

كما وردَ أعلاه، تهدف الإحصاءات الاستدلالية إلى تعميم الأنماط المتعلّقة بالشريحة السكّانية والتنبّؤ بها بالاستناد إلى عيّنة من السكّان. فيستحيل عادةً جمع البيانات الخاصّة بكلّ من الأفراد. لذا، يلجأ الخبراء إلى اختيار مجموعة من البيانات التي تمثّل السكّان، وهي ما يُعرف بالعيّنة الإحصائية. ويستطيعون من خلال تحليل هذه العيّنة التوصّل إلى استنتاجات عن الشريحة السكّانية التي تنتمي إليها هذه العيّنة.

●اختبار الفرضيات

يجب أن تكون الفرضيات واضحة ودقيقة (قابلة للقياس)، وقابلة للتفنيد (يمكن دحضها؛ تُعدّ الإدّعاءات غير القابلة للتنفيذ خارجة عن نطاق الاختبار العلمي). كذلك، يجب أن تختبِر الفرضية العلاقة القائمة بين متغيّرَيْن (لا أكثر): متغيّر تابع (المتغيّر الذي نريد شرحه أو التنبّؤ به) ومتغيّر مستقلّ (المتغيّر التوضيحي).

وتنشأ الفرضية عادةً عن اقتران النظرية بأعمال تجريبية سابقة وبالمنطق السليم أو الملاحظة؛ فيجري اختبار الفرضية في ضوء بيانات تجريبية جديدة.

مثال على فرضية:

تحصل الفتيات على نتائج أفضل من النتائج التي يحصل عليها الفتيان في الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية في لبنان.

إنّه تصريح دقيق وقابل للاختبار وواضح وقابل للتفنيد، وهو يدرس العلاقة بين متغيّرَيْن: النوع الاجتماعي (متغيّر مستقلّ) والتحصيل الدراسي في امتحانات الشهادة الثانوية (متغيّر تابع).

●تقنيات الإحصاءات الاستدلالية

إنَّ تقنيات الإحصاء الاستدلالي التي تُستعمَل لدراسة العلاقات القائمة بين المتغيّرات قد تشمل تحليل الانحدار، واختبار تحليل التباين، واختبار الارتباط، واختبار مربّع كاي، واختبار تي، إلخ، وذلك وفقًا لنوع المتغيّرات التي يجري اختبارها. يسهُل إجراء هذه الاختبارات الإحصائية بفضل توفّر برامج التحليل الإحصائي مثل برنامج SPSS أو برنامج STATA. ويستطيع الباحث بالاستناد إلى مستويات الدلالة الإحصائية للقيم التي تنتج عن الاختبارات المذكورة أن يحدّد ما إذا كانت نتائج تحليل العينة تمثّل الشريحة السكّانية بكاملها.

●الارتباط والسببية

بالرغم من أنَّ معظم الباحثين يسعون إلى إثبات قيام علاقة سببية بين المتغيّرات، لا يزال ذلك أمرًا شديد الصعوبة، لا سيّما في مجال البحث العلمي الاجتماعي. بالتالي، يجدر التمييز بين الارتباط (عند وجود ارتباط بين المتغيّرَيْن)، والسببية (حينما يشكّل متغيّر واحد سبب التغيّر الذي يطرأ على المتغيّر الآخر).

من أجل إثبات قيام علاقة سببية، يتعيّن توفّر ثلاثة شروط رئيسية:

  1. الاتّصال: إنّ الارتباط هو أساس أيّ علاقة سببية. فلا بدّ من قيام علاقة عادية تربط بين المتغيّرَيْن في سببل التمكّن من إثبات قيام علاقة سببية بينهما.
  2. العلاقة غير الزائفة: يتعيّن على الباحث التأكّد من أنّ العلاقة القائمة بين المتغيّرَيْن ليست زائفة؛ أيّ أنّها ليست صدفية وأنّها لم تنتج عن متغيّر ثالث "مُربك" لم يؤخذ بالحسبان.
  3. الترتيب الزمني: يتعيّن على السبب أن يسبق النتيجة من أجل إثبات قيام علاقة سببية. وبالرغم من أنَّ هذا الشرط يبدو بديهيًا، من الأخطاء الشائعة الادّعاء بوجود علاقة سببية في حين أنَّ النتيجة تسبق السبب.

نصيحة: تذكّر دائمًا أنّ "الارتباط لا يقتضي السببية"، وهي جملة متداولة في أوساط العلماء الاجتماعيين والإحصائيين على حدّ سواء.

القسم 5. الصياغة والنشر

تندرج كتابة البحث ضمن الخطوات الأساسية لأنّها تشكّل الناتج الرئيسي لعملية البحث الذي سيقرأه الآخرون وسيقيّمونه ويستخدمونه. من الضروري بالتالي تخصيص الوقت الكافي لهذه المرحلة لكي يأخذ البحث حقّه من الدراسة الوافية ويحظى بصياغةٍ جيّدة.

كتابة البحث: اختيار النسق والبنية

يختلف النسق المُعتمَد عند كتابة البحث وفقًا للطريقة التي يفضّلها الباحث لعرض عمله. فإذا كانَ البحث مخصّصًا للنشر الأكاديمي، سوف يتّخذ شكل ورقة بحثية أكاديمية. وإذا كانَ موجَّهًا إلى صانعي السياسات، سوف يتّخذ شكل تقرير سياساتي يتضمّن أحيانًا توصيات بشأن الإجراءات والتدخّلات. أمّا إذا كانَ موجّهًا إلى جمهورٍ واسع (كما هي الحال بالنسبة إلى معظم منشورات المجتمع المدني)، فسوف يتّخذ شكل تقرير بحثي.

إنَّ الاختلافات في البنية والنسق محدودة بين هذه الأنواع المختلفة من نواتج الأبحاث. يُظهِر الرسم 7 الاختلافات الرئيسية بين هذه التنسيقات، وقد يساعدك على اختيار النسق المناسب.

الرسم 7. نسق نواتج البحث

 

تقرير بحثي

وثيقة سياساتية

ورقة بحثية أكاديمية

 

صفحة العنوان

 

جدول المحتويات

 

إمّا / أو

نبذة

 

 

ملخّص تنفيذي

 

يمكن جمعهما في قسم واحد

المقدّمة

السياق

 

مراجعة الأدبيات

 

المنهجية

يمكن جمعهما في قسم واحد

الخلاصات/النتائج

التحليل

 

التوصيات السياساتية

 

 

 

الخاتمة

 

الملاحق

 

قائمة المراجع / المراجع

 

نستعرض في ما يلي الأقسام الرئيسية التي ينبغي أن يتضمّنها كلّ تقرير بحثي أو كلّ ورقة بحثية.

 

  1. صفحة العنوان: تحتوي الصفحة الأولى من البحث على العنوان. ينبغي اختيار العنوان بعناية والحرص على أن يتّسم بالدقّة والوضوح والإيجاز، وأن يُشير إلى موضوع البحث الرئيسي، وأن يكون ملفتًا (من أجل زيادة الإقبال على قراءة الدراسة).
  2. جدول المحتويات: تحتوي هذه الصفحة على قائمة بجميع أقسام البحث وأقسامه الفرعية، إلى جانب أرقام الصفحات المناسبة. تسمح برامج معيّنة من مثال مايكروسوفت وورد (Microsoft Word) أو غوغل دوكس (Google Docs) بإنشاء جدول المحتويات تلقائيًا.[6]
  3. النبذة / الملخّص التنفيذي: تكون النبذة عادةً أقصر (من 250 إلى 500 كلمة) من الملخّص التنفيذي (من صفحة إلى 5 صفحات). ينبغي أن تجيب النبذة والملخّص التنفيذي على حدّ سواء على الأسئلة التالية:
    1. ماذا: ما هو موضوع البحث/ ما هي الإشكالية/ مسألة البحث؟
    2. لماذا: لمَ هذا الموضوع مهمّ؟
    3. متى وأين: ما هي الفترة الزمنية والمنطقة اللتيْن يغطّيهما البحث؟
    4. مَن: ما هي العيّنة التي تتناولها الدراسة؟
    5. كيف: كيف أجابت الدراسة عن سؤال البحث؟ أو ما هي مناهج البحث؟
    6. النتائج: ما هي خلاصات/نتائج الدراسة؟
  4. المقدّمة/السياق: يمكن دمج المقدّمة والسياق أو فصلهما. على سبيل المثال، إذا دعت الحاجة إلى شرح السياق التاريخي، من المستحسن في هذه الحالة تخصيص قسم منفصل للسياق والتوسُّع فيه.

تبدأ المقدّمة مباشرةً بموضوع البحث وتحدّد الإطار للقارئ. تفسّر المقدّمة إشكالية البحث بوضوح وتعطي لمحة عمّا تتضمّنه الورقة البحثية. إذا كانت المقدّمة مكتوبة جيّدًا، فهي تجذب القارئ وتحثّه على مواصلة قراءة البحث. لذلك، ينبغي أن تتّسم المقدّمة بالوضوح والإيجاز.

بشكل عام، تتطرّق المقدّمة إلى موضوع البحث، وملاءمة/أهمية البحث، والإشكالية الأساسية/أسئلة البحث، والفرضيات التي سيتمّ اختبارها، ولمحةً عما تبقّى من مضمون الورقة البحثية.

  1. مراجعة الأدبيات: يعرض هذا القسم الجدالات النظرية الرئيسية في الميدان، ويستعرض أحدث الدراسات ذات الصلة من أجل مناقشتها. إذا كُتِبَ البحث بنسق وثيقة سياساتية أو تقرير سياساتي، تكون مراجعة الأدبيات عادةً أقصر من تلك الواردة في الأوراق الأكاديمية. ولكنْ، تبقى هذه الخطوة مهمّة وضرورية إذ تُظهِر كيف يرتكز البحث على الدراسات السابقة ليقدّم معطيات جديدة ويختبر النتائج السابقة. لا يكتفي هذا القسم بتلخيص الدراسات السابقة فحسب، بل يناقش على نحو فاعل الأبحاث السابقة في هذا المجال أو يقيّمها.
  2. المنهجية: يفسّر هذا القسم المناهج التي يستخدمها الباحث (الباحثون) لجمع البيانات، وبالتالي الإجابة على سؤال البحث. يتضمّن قسم المنهجية تبريرًا لاختيار المناهج، والتقنيات المُستخدَمة لأخذ العيّنات، وإجراءات جمع البيانات وتحليلها. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي قسم المنهجية دائمًا على فقرة حول القيود المترافقة مع المناهج المُستخدَمة (التحيّزات المُحتمَلة، إلخ)
  3. الخلاصات والنتائج: هذا القسم هو الأطول عادةً في الورقة البحثية إذ يستعرض البيانات التي جُمعت، ويحلّلها بالتفاصيل من أجل اختبار الفرضيات وربط النتائج بمراجعة الأدبيات (أو مناقشتها مقابل الدراسات السابقة). يتألّف عادةً من أقسام وأقسام فرعية متعدّدة بحسب المواضيع (أو الرموز أو الفرضيات). تُكتَب النتائج والتحاليل بطريقة "موضوعية" إذ يجب أن تكون المزاعم مدعومة بالبيانات. ولا يجوز التعميم إلّا في حال كانت العيّنة تمثّل الجهور والمجتمع تمثيلًا صحيحًا وكاملًا.
  4. التوصيات: ترتكز التوصيات على نتائج البحث وتقترح حلولًا لمشاكل ومسائل محدّدة يتناولها البحث. ليست هذه الخطوة مهمّة في الدراسات الأكاديمية، لكنّها ضرورية في الوثائق السياساتية والتقارير البحثية الصادرة عن جهاتٍ من المجتمع المدني.
  5. الخاتمة: تقدّم الخاتمة عادةً خلاصةً نهائية للبحث من خلال التذكير بإشكالية البحث وتقديم إجابة لها، وتلخّص مناهج البحث، وتشرح النتائج والتحاليل الرئيسية. تنتهي بالإجمال بفتح نافذة إلى موضوع جديد أو طرح توصية لأبحاث مستقبلية.
  6. الملاحق: يرى الباحث في دراسات كثيرة ضرورة إضافة ملاحق في نهاية الدراسة من أجل تزويد القارئ بتفاصيل إضافية لم يكُن بالإمكان تضمينها في أقسام الورقة البحثية الرئيسية لاعتباراتٍ تتعلّق بطول الوثيقة. على سبيل المثال، قد تتضمّن الملاحق أسئلة الاستطلاع.
  7. قائمة المراجع: في الختام، يتعيّن على الباحث أن يُدرِج جميع المراجع التي استخدمها في البحث وفق الترتيب الأبجدي. تتوفّر اليوم مناهج متعدّدة لتدوين المراجع (أسلوب (APA) وأسلوب (MLA)، إلخ)، كما أنَّ بعض برامج الكمبيوتر تُساعِد الباحث على تنظيم المراجع والاقتباسات بسهولة.

الخلاصة

تحتلّ الأبحاث القائمة على الأدلّة أكثر فأكثر مكانةً جوهرية في عمل منظّمات المجتمع المدني. ويحظى ذلك بأهمية خاصّة اليوم نظرًا للاعتماد المتزايد على منظّمات المجتمع المدني لتوفير الخدمات ومعالجة المشاكل الاجتماعية والدفاع عن الحقوق. بالتالي، فإنَّ الإلمام بمناهج البحث وتضمين عمليات التقييم والتخطيط القائمة على الأدلّة، هي مِن العناصر الأساسية لضمان الكفاءة والفعّالية في عمل المنظّمات.

ازدادَت الأصوات المُطالِبة بمدّ جسور بين عمل الباحثين وعمل منظّمات المجتمع المدني. لا تقتصر هذه الدعوات على الاعتماد على باحثين من أصحاب الكفاءة لتصميم البرامج والتدخّلات فحسب، بل تشمل أيضًا، وهو الأهمّ، تشجيع منظّمات المجتمع المدني على تطوير مهاراتها البحثية الداخلية وإدماج البحث كجزء لا يتجزّأ من عملها. في ضوء ذلك، يهدف هذا الدليل إلى تعريف العاملين في المجتمع المدني على أُسُس مناهج البحث ودعوتهم إلى "التفكير كباحثين" عند إعداد برامجهم وتدخّلاتهم، من أجل تعزيز أهمية عمل المجتمع المدني وفعّاليته في لبنان.

 

 

 

[1] خلافًا للعلوم النظامية، مثل علوم المنطق والرياضيات، التي لا تبحث في الظواهر الواقعية، بل تركّز على المستوى المنطقي للتوصّل إلى صيغ أو نظريات؛ يقوم البحث التجريبي في العلوم الاجتماعية على الأدلّة والبيانات والتجارب.

[2] تجدرُ الإشارة إلى أنَّ تعريف البيانات الأوّلية والثانوية قد يختلف. على سبيل المثال، يمكن اعتبار المقالات الصحفية مصادر أوّلية إذا كانت تقدّم تقارير عن الأحداث بالتزامن مع حدوثها.

[3] الإحصاء السكّاني هو نوع البحث الوحيد الذي يغطّي جميع الأفراد، وتُجريه الحكومات عادةً بما أنَّه يتطلّب موارد مالية وبشرية هائلة.

[4] أُخذت المعلومات الواردة في هذا القسم (وعُدّلت) من دليل كلية العلوم الاجتماعية في هارفرد: "الاستراتيجيات المُستخدَمة في مقابلات البحث النوعي" (Strategies for Qualitative Interviews). متوفّر عبر الرابط التالي: http://sociology.fas.harvard.edu/files/sociology/files/interview_strategies.pdf

[5] أُخذت المعلومات الواردة في هذا القسم (وعُدّلت) من برنامج جامعة هارفرد بشأن الأبحاث الاستطلاعية. يمكن الاطّلاع على المرجع الأساسي على الرابط التالي: https://psr.iq.harvard.edu/files/psr/files/PSRQuestionnaireTipSheet_0.pdf

[6] لمزيدٍ من المعلومات، يُرجى مراجعة الدليل العملي الصادر عن مركز دعم لبنان بشأن تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات في سبيل التنمية.

APA
Majed, R. (2020). دليل عملي لمنظمات المجتمع المدني في لبنان حول.
MLA
Majed, Rima. دليل عملي لمنظمات المجتمع المدني في لبنان حول, 2020.
Harvard
Majed, R 2020, دليل عملي لمنظمات المجتمع المدني في لبنان حول.
Chicago
Majed, Rima. دليل عملي لمنظمات المجتمع المدني في لبنان حول. 2020
مماثل
يناير.2020
إنّ فهم الموارد المالية الخاصّة بمنظمات المجتمع المدني هو...
يناير.2020
يهدف هذا الدليل اذاً، لبناء قدرات أفراد منظمات المجتمع...
يناير.2020
أصبحت المنظمات أكثر اقتناعاً بضرورة إشراك فئات محدّدة من...
يناير.2020
تُعتبَر تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات ضروريةً لمساعدة...