المجتمع المدني في لبنان: فخ التنفیذ

الدیني، والاتحادات العمالیة، وغیرها. خلال الحقبة الشهابیة ذات السمة التنمویة (١٩٦٤-١٩٥٨)، مع ً ملحوظا ً وشهد صعودا ً هاما ً ، لعب المجتمع المدني في لبنان دورا ً تاریخیا 2 إنمائیة واسعة. وقد شهدت فترة الحرب الأهلیة ( ً ل الجمعیات التطوعیة التي سعت إلى الابتعاد عن الهویات الطائفیة وتبنّت أهدافا تشكّ 1990-1975) إعادة تنظیم طرق العمل باتجاه الخدمات والإغاثة. وواصل القطاع التوسع بعد الحرب الأهلیة (كینغستون، :2008 1)، حیث قامت منظمات المجتمع المدني بتطویر طرائق عملها لتشمل حقوق الإنسان والمناصرة. وتشیر السجلات إلى إنشاء 250 مؤسسة أوائل التسعینیات على وجه التقریب، في فترة ما بعد الحرب الأهلیة (كرم كرم في بن نفیسة، :2002 58). أّما الأرقام المأخوذة من "دلیل مدني،" فتشیر إلى ذروة في إنشاء المنظمات غیر الحكومیة تلي الأزمات الإنسانیة المتكررة التي تواجه البلد. وهكذا، شهد قطاع 3 للمبادرات والحملات والمؤسسات في أعقاب الحرب الإسرائیلیة على لبنان عام 2006 والصراع في سوریا في ً جدیدا ً الجمعیات انتشارا . ً عام ،2011 حیث یستلم دلیل المجتمع المدني التابع لـ"دلیل مدني" حول 50 طلب تسجیل شهریا ا في المنطقة"

المجتمع المدني في لبنان: فخ التنفیذ 1 ً یدل مصطلح "المجتمع المدني" بشكل عام على مجموعة متنوعة من الفاعلین المنفصلین عن الدولة، وسنستخدم في هذا التقریر تعریفا للمجتمع المدني یعتبره "المجال الموجود بین الدولة والسوق والفرد" (كینغستون :٢٠١٣ ٦)، أي الذي یشمل البنى الرسمیة وغیر ً موسعا الرسمیة والجمعیات الأهلیة (بن نفیسة، :٢٠٠٢ ١٢)، والمنظمات غیر الحكومیة، والنقابات، والتعاونیات، والمنظمات ذات الطابع الدیني، والاتحادات العمالیة، وغیرها. خلال الحقبة الشهابیة ذات السمة التنمویة (١٩٦٤-١٩٥٨)، مع ً ملحوظا ً وشهد صعودا ً هاما ً ، لعب المجتمع المدني في لبنان دورا ً تاریخیا 2 إنمائیة واسعة. وقد شهدت فترة الحرب الأهلیة ( ً ل الجمعیات التطوعیة التي سعت إلى الابتعاد عن الهویات الطائفیة وتبنّت أهدافا تشكّ 1990-1975) إعادة تنظیم طرق العمل باتجاه الخدمات والإغاثة. وواصل القطاع التوسع بعد الحرب الأهلیة (كینغستون، :2008 1)، حیث قامت منظمات المجتمع المدني بتطویر طرائق عملها لتشمل حقوق الإنسان والمناصرة. وتشیر السجلات إلى إنشاء 250 مؤسسة أوائل التسعینیات على وجه التقریب، في فترة ما بعد الحرب الأهلیة (كرم كرم في بن نفیسة، :2002 58). أّما الأرقام المأخوذة من "دلیل مدني،" فتشیر إلى ذروة في إنشاء المنظمات غیر الحكومیة تلي الأزمات الإنسانیة المتكررة التي تواجه البلد. وهكذا، شهد قطاع 3 للمبادرات والحملات والمؤسسات في أعقاب الحرب الإسرائیلیة على لبنان عام 2006 والصراع في سوریا في ً جدیدا ً الجمعیات انتشارا . ً عام ،2011 حیث یستلم دلیل المجتمع المدني التابع لـ"دلیل مدني" حول 50 طلب تسجیل شهریا ا في المنطقة" (هوثورن، :2005 89). رغم ذلك، وفي سیاق نسبي من یقال إن لبنان یتمتع ب"المجتمع المدني الأكثر تنو ًعا ونشاطً ، مما قد یطرح التساؤل حول فعالیة وتأثیر هذا القطاع. فإلى أي مدى تقوم البیئات ً اللیبرالیة، یبدو التغییر الاجتماعي والسیاسي محدودا ر عمل هذه المنظمات بتمكینها أو تقییدها؟ وھل وقع الفاعلون في المجتمع المدني في "فخ" الدور القانونیة والسیاسیة والتمویلیة التي تؤطّ التنفیذي، ما یمنعهم من التعامل بفعالیة مع الاحتیاجات والقضایا الراهنة والوصول إلی الفئات المستھدفة، مّما قد یساهم في تقویض أثرھم المحتمل؟ معالم النظام القانوني والسیاسي اللبناني ن منظمات المجتمع المدني من النشوء. ویحتوي بالمقارنة مع بلدان أخرى في المنطقة، مما یمكّ ً المشهد القانوني في لبنان یبدو لیبرالیا الدستور اللبناني على بعض المواد المتعلقة بالحریات العامة، وأكثرها أهمیة بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني هي المادة 13 التي تعتبر "حریة إبداء الرأي قولا وكتابة وحریة الطباعة وحریة الاجتماع وحریة تألیف الجمعیات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون." أما القانون الأساسي الذي یحكم عمل منظمات المجتمع المدني فهو قانون الجمعیات العثماني لعام ،1909 الذي یصف الجمعیات بأنها "مجموع مؤلف من عدة اشخاص لتوحید معلوماتهم أو مساعیهم بصورة دائمة ولغرض لا یقصد به اقتسام الربح." (المادة 1) وُیلزم الجمعیات مسبقة للتأسیس (على سبیل المثال، المواد 4 و 5) ولهیكلها ً بإعلام الحكومة بعد التأسیس (المادة 2)، كما یحدد شروطا ً لة حدیثا المشكّ التنظیمي وإجراءاتها (مثل المواد 6 و7 و8)، على أن تمتثل الجمعیات باغراضها وممارساتها للقانون اللبناني (مثل المواد ،3 10). وعلى الرغم من اللیبرالیة الظاهریة لهذه البیئة القانونیة، یمنح القانون السلطات الحكومیة سلطة تقدیریة كبیرة، یتم استخدامها لمنع التجمعات "غیر القانونیة" (المركز الدولي للقانون غیر الربحي، 2018). وقد یؤّدي عدم الالتزام بالقوانین اللبنانیة إلى الحظر أو فرض عقوبات مفرطة أو حتى السجن (دعم لبنان، 2016). وعلاوة على ذلك، تُستخدم بعض أحكام قانون العقوبات وقانون الإعلام المرئي تحدید نمط من ً والمسموع "لمقاضاة الأفراد بسبب انتقاداتهم للحكومة" (المركز الدولي للقانون غیر الربحي، 2018). ویمكن حالیا الملاحقات القضائیة التي یتم بموجبها توجیه تهم جنائیة لانتقادات سلمیة للسلطات الحكومیة (هیومن رایتس ووتش، 2018)، وتقوم الجهات الأمنیة الحكومیة باستخدام القمع لإسكات الناشطین، مما یساهم في تقلیص مساحة الحریة والتعبیر. 1 تم إعداد هذا التقریر من قبل ماري نویل أبي یاغي ولیا یّمین وأمریشا جاغارناثسینغ، دعم لبنان: org.support-lebanon.www. 2 منذ عصر النهضة في القرن التاسع عشر، حسب كرم، .٢٠٠٦ 3 "دلیل مدني" هو برنامج یدیره "دعم لبنان"، وهو عبارة عن شبكة للمجتمع المدني في لبنان، متوفّر بشكل مفتوح على: .www.daleel-madani.org 1 ما تُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في لبنان، كالمنظمات غیر الحكومیة والناشطین ً وغالبا والصحفیین، وكذلك من قبل أفراد، كوسیلة لنشر الأخبار أو التندید أو زیادة الوعي حول القضایا، وكذلك التعبیر عن الآراء السیاسیة وتنظیم الأعمال الجماعیة. فعلى سبیل المثال، وفي إطار أزمة إدارة النفایات في العام ،2015 تم الإعلان عن التحركات الجماعیة على شبكات التواصل الاجتماعي من قبل تجمعات مثل #طلعت_ریحتكم. 4 تلجأ الكثیر من المنظمات غیر الحكومیة إلى حملات الإنترنت كطریقة عمل لتعبئة المؤیدین/ات حول قضایاها. وفي حین یمكن اعتبار 5 ر الكثیر من الخبراء من محدودیاتها كأداة فاعلة للنضال، بالإضافة إلى مخاطر الإنترنت كأداة قویة لنشر المعلومات في وقت قصیر، یحذّ كالتنّمر والمضایقات وسرقة المعلومات الشخصیة، وغیرها من الجرائم الإلكترونیة. وقد أنشأت قوى الأمن الداخلي مكتب مكافحة جرائم الإنترنت وحقوق الملكیة الفكریة في العام 2006 لمكافحة جرائم الإنترنت وتعزیز الأمن عبر الإنترنت في لبنان. لكن المكتب أثار الكثیر من الخلافات منذ تأسیسه، ولا سیما فیما یتعلق بالتطبیق التعسفي لمواد غیر عصریة من قانون العقوبات تعود لعام ،1943 تجّرم 7 6 التشهیر ضد الموظفین العمومیین أو رئیس الجمهوریة أو العلم اللبناني أو الشعار الوطني. وبالرغم من كفالة الدستور اللبناني لحریة التعبیر والصحافة "ضمن دائرة القانون"، یتم استخدام قانون العقوبات بشكل كبیر لمحاولة إسكات المنتقدین/ات من خلال تجریم أفراد ً ل هذه الممارسة تهدیدا لمجرد إطلاق النكات أو التعلیقات الساخرة أو أي انتقادات تجاه المسؤولین الحكومیین والشخصیات الدینیة. وتشكّ 8 ّص مساحة حریة التعبیر في لبنان بشكل متزاید. لحریة التعبیر وتعكس تقل وهكذا، تقوم هذه المنطقة الرمادیة القانونیة بتسهیل السیطرة على منظمات المجتمع المدني. فحتّى تلك المنظمات التي تلتزم بالقانون ل بین طّیات نظام بیروقراطي لا یمكن التنبؤ بنمطه ویتمّیز بكثرة التأخیرات. فعلى سبیل المثال، ّ اللبناني تواجه التحدیات، حیث علیها التنق لم تتلقی جمعیة حلم، وھي مؤسسة لمجتمع المیم، إیصال العلم وخبر من وزارة الداخلیة، وذلك بعد مرور أکثر من 10 سنوات من إنشائھا (أبي یاغي، 2013)، وهذا یعود، حسب التقاریر، إلى الأشكالیة التي تعالجها المنظمة غیر الحكومیة والتي تعتبر "مثیرة للجدل" بسبب استمرار العمل بالمادة ٥٣٤ من قانون العقوبات الذي یعتبر العلاقات الجنسیة المثلیة "مخالفة للطبیعة". وبالرغم من ذلك، قامت السلطات بالتعاون مع حلم في مناسبات متعددة، لا سیما حول الوقایة من فیروس نقص المناعة البشریة مع وزارة الصحة. وقد صّرحت منظمات مجتمع مدني ناشئة أخرى عن تأخیر یصل إلى أكثر من ستة أشهر للحصول على الأوراق الرسمیة أثناء التسجیل. وفي حین أن التسجیل الرسمي یعطي منظمات المجتمع المدني فوائد رسمیة (الحصول على وضع قانوني وفتح حساب مصرفي، والذي یمنحها الحق في تلقي الموارد المالیة وإدارتها وتوزیعها)، فإن العدید من المجموعات لا تزال تفضل العمل من دونه. فقد لاحظت مة لوزارة الداخلیة، كاجتماعات انتخابات مجالس ّ منظمات المجتمع المدني المسجلة في الآونة الأخیرة زیادة في التدقیق في الوثائق المسل الإدارة. كما أن أصدر وزیر الداخلیة والبلدیات في حكومة تصریف الاعمال نهاد المشنوق التعمیم رقم /24إ.م،2018/ ویتعلق بتشدید 9 لمراقبة الجمعیات من قبل وزارة الداخلیة والبلدیات وفق آلیة جدیدة تحددها المدیریة العامة للشؤون السیاسیة واللاجئین تطبیقا لاحكام قانون الجمعیات الصادر عام1909 . وقد أثار هذا الكثیر من المخاوف بین مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني. إضافة إلى 10 ًلا: عدم ذلك، تقوم المصارف اللبنانیة بفرض إجراءات مفرطة على منظمات المجتمع المدني بح ّجة زیادة الشفافیة ومكافحة الإرهاب، مث ن مواطنین سوریین من تحصیل شیكات مستحقة بالدولار الأمریكي، إجراء تحقیقات شاملة في التحویلات إلى المنظمات غیر تمكّ 4 أنظر/ي الخط الزمني للصراع حول إدارة النفایات من إعداد "دعم لبنان": /4923timeliness/org.centre-civilsociety://https. 5 أنظر/ي خریطة التحركات الجماعیة في لبنان من إعداد "دعم لبنان" للتعرف أكثر على حملات الإنترنت: .https://civilsociety-centre.org/cap/collective_action 6 اقرأ/ي: http://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2016/Dec-07/384401-facts-on-anti-cybercrime-andintellectual-property-rights-bureau.ashx 7 ./https://www.ifex.org/lebanon/2018/08/13/interrogations-online-activists :ي/أنظر 8 مث ًلا، ُیمنع التعّرض لرئیس الجمهوریة والشعارات الوطنیة (المادة ٣٨٤ عقوبات) أو الجیش (المادة ١٥٧ من قانون المحكمة العسكریة). 9 تم التصریح بهذا الأمر لمؤلفات هذا التقریر. 10 ي/انظر: http://nna-leb.gov.lb/ar/show-news/375028/nna-leb.gov.lb/ar 2 الحكومیة المحلیة، واستحالة إجراء التحویلات إلى المنظمات غیر الحكومیة المحلیة (اللبنانیة والسوریة والفلسطینیة) العاملة في سوریا، مما یعّرض عملها للخطر. منظمات المجتمع المدني والعمل العام: ق ّصة حول الأداتیة كما توضح الأمثلة السابقة، لا یمكن فهم قطاع المجتمع المدني والجهات الفاعلة فیه من خلال تجریده من دینامیته مع الدولة، ومن "بنى الفرص السیاسیة" القائمة (تیلي: 1978) في السیاق الذي تعمل فیه هذه الجهات. ففي الواقع، "الدول وأنظمتھا لدیها تأثیرات بنیویة 11 ر علی تکوینھا ودینامیاتھا ونفوذھا السیاسي" (كینغستون، ٢٠١٣:١٣). كما یوفر نظام تقاسم ّ مھمة علی المجتمع المدني، وهي تؤث السلطة اللیبرالي في لبنان مساحة للتفاوض والمساومة السیاسیة مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني. یشكل العام 2005 علامة بارزة في مسار المجتمع المدني في لبنان، وكذلك في ممارسات الدولة تجاه الجهات الفاعلة في المجتمع المدني: فقبل ذلك العام وانسحاب الجیش السوري من لبنان، كان یتم قمع جمعیات المجتمع المدني بشكل واسع وتعطیل أعمالها (كینغستون 2013:76). أما الفترة ما بعد ،2005 فقد شهدت مقاربة أكثر لیبرالیة للدولة تجاه قطاع المجتمع المدني ككل، حیث تحّولت إلى "القوة الناعمة" للتحكم في عمل منظمات المجتمع المدني، وعادت إلى الشبكات الزبائنیة لتوسیع سیطرتها على قطاع المجتمع المدني (أبي یاغي، :2012 20). للنخب (السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة) لإنشاء ً ، أتاح المناخ اللیبرالي النسبي وغیاب دولة الرفاه الاجتماعي في لبنان فرصا ً تاریخیا والحفاظ على شبكات التبعیة غیر الرسمیة التي تسهم، بنجاح، في الحفاظ على الوضع الاجتماعي - السیاسي الراهن في البلد، فتتحول جهود المناصرة إلى مناورات حول دینامیات التبعیة من أجل تحقیق أهداف مناصرة متفرقة. ومن هذا المنظور، یبدو أن الجهات الفاعلة في المجتمع المدني تسهم في تعزیز استمراریة الوضع الراهن للنظام (كما قال كینغستون، 2013). على سبیل المثال ، تمیل العدید من الحملات إلى الاعتماد على دعم الشخصیات السیاسیة أو الدینیة ، دون أن تدفع إلى إصلاحات القانون (ضو، ٢٠١٥). محنة العمل المن ّسق ً ل ملجأ ّص للمجتمع المدني بشكل متزاید، یمكن لشبكات التضامن الأفقیة بین الجهات الفاعلة أن تشكّ في مقابل الخلفیة القاتمة و الحیزالمتقل لمنظمات المجتمع المدني. فكما یوضح كینغستون (:2013 63)، ظهرت عّدة محاولات لإنشاء آلیات تنسیق بین المنظمات غیر الحكومیة منذ الحرب الأهلیة، كالمنتدى الوطني للتنمیة الاجتماعیة، ومنتدى المنظمات غیر الحكومیة اللبنانیة، و"التجّمع" (Le Collectif (- وقد ُوصف الأخیرین كشریكین "صامتین ومحایدین" للدولة (كرم، :2006 72). وشهدت فترة ما بعد الحرب زیادة في شبكات الجمعیات الصغیرة و"الحركات المدنیة" التي تركز بشكل خاص على المناصرة، وتتمیز بالتجانس النسبي لقاعدتها، وبالرغم من ، حیث فشلت في تكوین علاقات مستقلة مع ً إسهامها في توسیع الحّیز العام خلال هذه الفترة، فقد ظل تأثیرها على الحیز السیاسي محدودا الدولة واعتمدت على الشبكات الطائفیة والعشائریة (كینغستون، ٢٠١٣). وفي الآونة الأخیرة، ومنذ عام ،2011 أظهرت أزمة اللاجئین السوریین محدودیة الدور القیادي للدولة اللبنانیة، بالعلاقة مع سیاسات وأجندات الجهات المانحة الدولیة. أّدت الأزمة إلى استحداث "سوق" إنسانیة جدیدة في البلاد، مع جهات فاعلة دولیة قامت بشبه احتكار ، وبتهمیش الجهات الفاعلة المحلیة التي تتمتع بمعرفة دقیقة بالنسیج الاجتماعي والسیاق المحلي (متري، 2015). ً لجهود التنسیق، عملیا ومن ناحیة أخرى، ساهمت من خلال اعتماد السیاسة "الإثنیة" في زیادة تعمیق الانشقاقات والتوترات القائمة على أسس عرقیة أو طائفیة بین فئات "المستفیدین"، أي اللاجئین السوریین والمجتمعات المضیفة اللبنانیة (كاربي، 2015). یشیر هذا المفهوم إلى المدى الذي توفر فیه السلطة، والقمع (والتیسیر)، والفرصة (والتهدید)، خیارات للعمل الجماعي. وبینما یتم انتقاده بسبب میله 11 إلى البنیویة، نجد أنه مفید لفهم بعض التحدیات التي تواجهها الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في سیاقات مثل لبنان. 3 ما تبدو قائمة على أساس المشروع، وبالتالي مرتبطة ً بالإضافة إلى ذلك، وبالرغم من وجود الشبكات ومنصات التنسیق، فهي غالبا ما یتم تحفیز هذه المبادرات من قبل جهة فاعلة دولیة، وعندما یتم تسلیمها إلى شریك محلي من أجل توطین ً بالوقت والموارد. وغالبا الجهود ووضعها في سیاقها، تصاب هذه الشبكات بالركود (دعم لبنان، :2016 18-17). التحدي الآخر الذي عّبر عنه الفاعلون المحلیون كان تزاید الفجوة بین مواضیع التحالفات والاحتیاجات المحلّیة. فیبدو أن الأولى تلتزم م، تجد الجهات الفاعلة المحلیة نفسها تقوم بسلسلة من "التعدیلات" من أجل توفیق َ ببرامج العمل الدولیة، لا الأجندات المحلیة. ومن ث أهدافها السیاقیة مع مبادئ المانحین. ومن الناحیة العملیة، یؤدي ذلك إلى قیام الجهات الفاعلة المحلیة "بقولبة" مقترحات مشاریعها للرد على دعوات التمویل المتعلقة بالأولویات الدولیة، مثل أهداف التنمیة المستدامة. على سبیل المثال، عّبرت منظمة محلیة تمت مقابلتها كیف ، یتناول بناء السلام بین ً اقترحت جهتها المانحة الدولیة، بعد ٧ سنوات من أزمة اللاجئین السوریین، أن یتم تأطیر مشروع جار فعلیا اللاجئین والمجتمعات المضیفة، استجابة لأحد موضوعات أهداف التنمیة المستدامة. وبینما تكثر الشبكات وتوجد منصات للحوار، فإن القیود التي تعمل ضمنها تحّد من التبادل والحوار بین الأطراف الفاعلة من أجل صیاغة سیاسات التنمیة الوطنیة. في الواقع، وعندما تكون هذه الشبكات نشطة، فإنها تقتصر في كثیر من الأحیان على الأنشطة المحددة والمخصصة، مثل إصدار البیانات الصحفیة، والمذكرات التي قد تحدد الأولویات، ولكن من النادر دخولها في السیاسات الوطنیة. قولبة المبادرات وتخفیف الأثر: العمل في إطار منطقي على اتجاه البرمجة في ً في سیاق محدودیة أو انعدام التمویل الحكومي العام للمجتمع المدني، فإن الاعتماد على المانحین یؤثر أیضا منظمات المجتمع المدني وسیاساتها التنمویة. وبسبب اضطرار المنظمات المحلیة للجوء إلى التمویل الفردي أو المؤسسي أو الدولي، فهي ترتبط بقیود المشروع التي تحد من استجاباتها وتدخلاتها واستراتیجیاتها. كما تمیل الدینامیات التي تحكم هذه الشراكات إلى الجهات المانحة وإلى تعزیز موقع قوتها، مما یؤثر على تطویر المشروع والتعاون بشكل عام. وقد أسهمت المتطلبات الرسمیة للجهات المانحة من منظمات المجتمع المدني المحلیة (في المجال اللوجستي والإدارة المالیة والتقاریر ما یتم النظر إلى ً القائمة على النتائج، و"الرصد والتقییم"، وما إلى ذلك) في دفع منظمات المجتمع المدني إلى زیادة في الاحتراف. وغالبا هذه المتطلبات الرسمیة، التي یتم تنفیذها من منظور زیادة الشفافیة، من قبل جهات محلیة تمت مقابلتها في إطار هذا التقریر كآلیات لمزید من السیطرة علیها، وحتى لإعاقة استقلالیتها المؤسسیة. زیادة على ذلك، یمكن لهذه الدینامیات أن تسهم في فرض بعض المبادئ القائمة على حقوق الإنسان على الفاعلین المحلیین، الذین ینتهي بهم الأمر إلى اعتماد هذه اللغة، ولكن فقط في المقترحات والتقاریر. وهذا یؤدي إلى قیام الجهات الفاعلة المحلیة بإثبات تمسكها بمبادئ م، من الناحیة العملیة، تفشل الكثیر من منظمات المجتمع َ حقوق الإنسان بصورة لغویة، ولكن لیس بالضرورة دمجها في نهجها. ومن ث ومع موظفیها. ً المدني التي تعمل في مجال العدالة الاجتماعیة في تطبیق استحقاقات العمل والضمان الاجتماعي الأساسیة داخلیا وفي حین یتم انتقاد هذا التوجه نحو نمط المنظمات غیر الحكومیة من قبل الجهات الفاعلة والأكادیمیین (جاد، ٢٠٠٧؛ روي، ٢٠١٦) الحاجة إلى التمویل ً من الناحیة اللوجستیة وأقل استجابة للاحتیاجات والفرص المحلیة، فقد خلق أیضا ً حیث یجعل المؤسسات أكثر جمودا المستمر والمستدام. وبالتالي، یصبح التمویل مجرد مبرر لوجود المنظمات من أجل استمراریتها. من خلال ممارسات ً كما تسهم "مطاردة الأموال" المستمرة في زیادة المنافسة بین الجهات الفاعلة المحلیة، الذي یتم تشجیعه أیضا المانحین الذین یمیلون إما إلى منح الأموال للمؤسسات المتوسطة والكبیرة الحجم الموجودة في شبكاتهم، أو حتى اللجوء إلى إنشاء منظمات "محلیة" جدیدة ، فیقومون بإضافة مستوى آخر من القیود على الوصول للتمویل. 4 لیس من المبالغة القول إن انتشار منظمات المجتمع المدني في لبنان هو مؤشر على التجزئة ولیس سمة لـ"مجتمع مدني نابض بالحیاة"، كما یشیر البعض. هذا التشرذم، في سیاق التعاون المحدود والمنافسة المتزایدة، یؤثر مباشرة على نمو منظمات المجتمع المدني وتأثیرها على السیاسات في المدى الطویل. فالجهات الفاعلة في الجمعیات التي یبدو أنها تحقق نتائج ملموسة في الواقع هي المنظمات الموجهة نحو الخدمات. وهذا یسهم، بالإضافة إلى الافتقار المذكور إلى دولة الرفاه الاجتماعي وما تملیه من توفیر الخدمات والحقوق الاجتماعیة، في انتشار مقاربة خیریة تعزز ردود الفعل الطائفیة والمجتمعیة أكثر من تشجیعها للروح المدنیة (أبي یاغي، ٢٠١٤)، وتبتعد عن المقاربة القائمة على حقوق الإنسان ودمجها بالكامل في عملها، وهي تلتزم بمعاییر ومبادئ حقوق الإنسان بطریقة تجمیلیة في مقترحات وتقاریر المانحین. وبالتالي، فإن هذه البیئة المحلیة تؤّدي إلى احتجاز منظمات المجتمع المدني في دور التنفیذ، مع محدودیة تأثیرها على التنمیة والسیاسات. تم نشر هذه الورقة في الأصل من قبل شبكة المنظمات العربیة غیر الحكومیة للتنمیة، جزء من Watch Space Civic، وهي متاحة على هذا الرابط إلى جانب تقاریر من 5 دول عربیة أخرى. مراجع: ماري نویل أبي یاغي، ریشا جاغارناثسینغ (محررتان)، "تفكیك 'المجتمع المدني': السیاسات، شبكات التبعیة، والاستیاء المدّجن. تأملات من لبنان وفلسطین،" مجلة المجتمع المدني، العدد ،٣ دعم لبنان، .٢٠١٨ ماري نویل أبي یاغي، "الحمایة الاجتماعیة في لبنان بین العمل الخیري والسیاسة،" راصد الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة في المنطقة العربیة، شبكة المنظمات العربیة غیر الحكومیة للتنمیة. ماري نویل أبي یاغي، العولمة البدیلة في لبنان: نضال العبور. منطق الالتزام وإعادة تشكیل فضاء النضال (الیساري) في لبنان، جامعة باریس ١ - السوربون، دكتوراه في العلوم السیاسیة .٢٠١٣ ماري نویل أبي یاغي، "التعبئة المدنیة والسلام في لبنان،" في إلیزابیث بیكار، ألكساندر رامسبوثام، المصالحة والإصلاح والمرونة. سلام إیجابي للبنان. منشورات أكورد. العدد .٢٤ لندن. تموز/یولیو .٢٠١٢ سارة بن نفیسة، السلطة والجمعیات في العالم العربي، منشورات المركز الوطني للبحوث العلمیة، .٢٠٠٢ استیلا كاربي، "التجربة الیومیة للعمل الإنساني في قرى عكار،" في ماري نویل أبي یاغي، باسم شیت، ولیا یّمین (محررون)، "إعادة النظر في عدم المساواة في لبنان، حالة "أزمة اللاجئین السوریین" والدینامیات الجندریة،" مجلة المجتمع المدني، العدد ،١ بیروت، دعم لبنان ،٢٠١٥ ص. .٣٨-٢٧ برنادیت ضو، "التیارات النسویة في لبنان: بعد الولاء للوطن، هل سینتفض الجسد خلال "الربیع العربي"؟" في ماري نویل أبي یاغي، باسم شیت، ولیا یّمین (محررون)، "إعادة النظر في عدم المساواة في لبنان، حالة "أزمة اللاجئین السوریین" والدینامیات الجندریة،" مجلة المجتمع المدني، العدد ،١ بیروت، دعم لبنان ،٢٠١٥ ص. .٦٨-٥٥ أیمي هاوثورن، "هل المجتمع المدني هو الجواب؟" في توماس كاروذرز ومارینا أوتاوات (محررین)، رحلة غیر معروفة: تعزیز الدیمقراطیة في الشرق الأوسط، واشنطن دي سي، مؤسسة كارنیغي للسلام العالمي، ،٢٠٠٥ ص. .٩٠ إصلاح جاد، "تحول الحركات النسائیة العربیة إلى نمط المنظمات غیر الحكومیة،" في نسویات قید النمو: التناقضات والاعتراضات والتحدیات، منشورات زید، ،٢٠٠٧ ص. .١٧٧-٩٠ 5 كرم كرم، الحركة المدنیة في لبنان: دعوات واحتجاجات وتحركات الجمعیات بعد الحرب، فرنسا، منشورات كارثالا-إیریمام، .٢٠٠٦ بول كینغستون، إعادة إنتاج الطائفیة. شبكات المناصرة وسیاسات المجتمع المدني في لبنان، ألباني، جامعة ولایة نیویورك، .2013 دعم لبنان ، "الدلیل الأساسي للمجموعات والجمعیات التعاونیة والمنظمات غیر الحكومیة الناشئة في لبنان"، مركز معرفة المجتمع المدني، بیروت، .2016 دعم لبنان، "نظرة عامة على الفاعلین والتدخلات الجندریة في لبنان،" مركز معرفة المجتمع المدني، بیروت، ،2016 ص. .١٨-١٧ دالیا متري، "من الفضاء العام إلى فضاء المكاتب: احتراف منظمات الحركة النسویة وتحولها إلى نمط المنظمات غیر الحكومیة في لبنان وتأثیرها على التعبئة والتغییر الاجتماعي،" في ماري نویل أبي یاغي، باسم شیت، ولیا یّمین (محررون)، "إعادة النظر في عدم المساواة في لبنان، حالة "أزمة اللاجئین السوریین" والدینامیات الجندریة،" مجلة المجتمع المدني، العدد ،١ بیروت، دعم لبنان ،٢٠١٥ ص. -٨٧ .٩٦ أرونداتي روي، نهایة الخیال، شیكاغو، منشورات هایماركت، .٢٠١٦ تشارلز تیلي، من التعبئة إلى الثورة، ریدینغ، ماساشوستس. أدیسون-ویسلي، .١٩٧٨ 6

APA
Yammine, L. (2019). المجتمع المدني في لبنان: فخ التنفیذ.
MLA
Yammine, Léa. المجتمع المدني في لبنان: فخ التنفیذ, 2019.
Harvard
Yammine, L 2019, المجتمع المدني في لبنان: فخ التنفیذ.
Chicago
Yammine, Léa. المجتمع المدني في لبنان: فخ التنفیذ. 2019
مماثل
نوفمبر.2021
This article uses qualitative data from semi-structured...
نوفمبر.2021
هذه مقدمة مجلة المجتمع المدني في عددها الخامس "تحدّي...
نوفمبر.2021
This article attempts to conceptualize the observations...
نوفمبر.2021
Based on a sample of 23 international, state-led, royal,...